بري يزور العراق للمرة الأولى.. ما الذي تغير؟

نبيه بري
تكتسب الزيارة الأولى للرئيس نبيه بري للعراق، في مرحلة ما بعد سقوط نظام البعث (عام 2003)، أهمية تفرضها التطورات التي تحيط بالوضع الشيعي في لبنان والعراق، الذي بات متداخلا مع النفوذ الإيراني في هذين البلدين.

في لقائه مع المرجع السيد علي السيستاني، الذي يشكل العنوان الأهم في زيارة رئيس حركة أمل، كان الموضوع اللبناني في صلب اللقاء كما صرح الرئيس بري. وبالتأكيد أن المرجعية الشيعية في النجف لا تنخرط في نقاش سياسي يتناول قضايا يومية او ذات طابع حرفي بالمعنى السياسي اليومي هذا في العراق، فكيف في دول أخرى. لكنها في المقابل معنية بتوجيهات عامة، تعكس في طياتها رؤية المرجعية الشيعية، وهذا ما دأبت عليه في بياناتها المتباعدة والتي تتسم بطابع التأكيد على الثوابت الوطنية والإسلامية والإنسانية، وتفادي الانزلاق الى ماهو أدنى.
هو اللقاء الثاني مع السيد السيستاني، الذي كان استقبله الرئيس بري في مطار بيروت قبل اكثر من عشر سنوات، حين كان السيستاني متوجها الى لندن للعلاج، وتوقف لأكثر من ساعتين في مطار بيروت حيث استقبله بري وعدد من المسؤولين. وعلى رغم عدم قيام الرئيس بري بزيارة العراق طيلة هذه المدة الممتدة من العام 2003 أي تاريخ سقوط نظام الرئيس صدام حسين حتى وصوله امس بغداد، فان ذلك لم يمنع من أن يكون له دور من خلال مساهمة مقربين منه في مشاريع التنمية في قطاعات عدة ولاسيما الكهرباء، والتي تولى عدد من المقربين ومسؤولين في امل متابعتها، على رغم شوائب طالت سلوك البعض منهم، اسوة بمسؤولين عراقيين ايضاً، بحسب ما قال مسؤول رسمي عراقي لـ”جنوبية”.

اقرأ أيضاً: السيستاني ورعاية الوطنية العراقية

البعد الاستثماري وبعض الملفات العالقة منذ نهاية حكم نوري المالكي، لاشك أنها ستبحث بين الرئيس بري ورئيس الحكومة الحالي عادل عبد المهدي وغيره من المسؤولين العراقيين، لاسيما أن هناك أموراً مالية عالقة تحتاج الى حسم. بالتأكيد هذا يأتي في المرتبة الثانية وربما الثالثة في جدول اعمال الزيارة، التي يشارك فيها رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، والذي يبدو أنه المسؤول الوحيد في حركة امل الذي رافق الرئيس بري في هذه الزيارة.
البعد الأول والأهم، يتركز على إعادة تأكيد الرئيس بري انضواءه تحت راية مرجعية النجف، ومحاولة توفير حصانة إضافية يحتاجها في مرحلة العواصف الأميركية-الإيرانية، فهو ربما استشعر أن المرحلة تتجاوز في اثقالها، الركون الى وظيفة التترس في ساحة النجمة أو في قصر عين التينة، بل باتت تتطلب جهدا خارجياً، يعيد الاعتبار لخصوصية كادت تنمحي تماما في ظل الوظيفة الإقليمية التي تولى حزب الله ادارتها بمفرده. لكن متطلبات المرحلة ببعديها اللبناني والشيعي اليوم، تدفع الرئيس بري الى إعادة بلورة خصوصيته في مقابل حزب الله وايران، وهذه الخصوصية لا يقصد بها الرئيس بري الإساءة لا لإيران ولا لحزب الله، بل ربما محاولة تحفيز العراق للعب دور إقليمي، وهذا ابرز ما قاله بري بعد خروجه من لقاء السيستاني بأن الأخير، “داعم لأن يلعب العراق دوراً اقليمياً” وهذا الدور لايمكن إلاَ أن يكون مفيدا لإيران في هذه المرحلة، كما يتيح للرئيس بري هامشاً للتموضع فيه، بعدما أفقده حزب الله أو الظروف التي أحاطت بلبنان هذا الهامش، على رغم أنه كان ملتزما بتوجيهات السيد السيستاني في شأن القتال في سوريا، الذي لم يعط اذناً من اجل تدفق المقاتلين الشيعة خارج سوريا للقتال فيها أو ضدها.

اقرأ أيضاً: عندما يخاطب المرجع السيستاني الرئيس روحاني بشعارات 14 آذار

لكن يبقى أن ما دفع الرئيس بري الى المسارعة لزيارة النجف والعراق، هو استشعاره مخاطر الحركة الأميركية في مواجهة النفوذ الإيراني، حيث لم يسلم هو نفسه من رسائلها، واشتم روائحها السامة، من اللقاء الأخير مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في زيارته الى لبنان قبل عشرة أيام، كما الرسالة التي سبقت هذا اللقاء باسبوعين، عبر عدم طلب نائبه ديفيد ساترفيلد لقاء بري، على غير المألوف في زياراته السابقة.
ولا يخفى أن الرئيس بري يدرك أن المنفذ الاقليمي المتاح له وربما الوحيد هو العراق، من خلال محاولة التماهي مع خيارات عراقية يعتقد أنها تشبه خياراته، ويمكن أن تبعده قدر الإمكان عن تداعيات المواجهة الإيرانية الأميركية، من دون أن تثير غضب ايران أو حزبها في لبنان، بل ربما يجزم أنها مفيدة وضرورية لهما.

السابق
جنبلاط: يبدو أن البعض لا يريد أن يتعلم من دروس الماضي
التالي
النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي يستقبل رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري