حزب الله هو المستفيد من «استهداف المجلس الشيعي»

المجلس الاسلامي الشيعي
صحيح أن حزب الله دخل في تسوية مريرة على تركيبة المجلس الشيعي الحالية مع ضرَّته في السيطرة على مقدِّرات الطائفة الشيعية في لبنان، هذه التسوية التي لا تُلبِّي طموحه الذي طالما عمل له في العقود الثلاثة الماضية، وطالما أراد أسياده له أن يسيطر على القرار الديني الرسمي منذ بداية وجوده ..

وقد عملوا لتحقيق هذا الهدف عبر إرسال احد رجال الدين السيد ج. م، من قم المشرفة إلى لبنان وهو الكاتب المعروف والذي يُقول الخبراء: إن أكثر تحقيقاته مسروقة من كتب الآخرين.. وقد ذكر المُدَرِّس الحوزوي الشيخ إبراهيم الأنصاري أن بحثه عن عمر بن الخطاب وأبي لؤلؤة سرقه السيد المذكور أعلاه ووضعه بعينه في بعض كتبه..

وهكذا الكثير مما نسبه السيد المذكور لنفسه في كتاباته أخذه من هنا وهناك كما يقول الخبراء وحشا به كتبه الكثيرة التي لا يُعلم أولها من آخرها والتي وظَّف لها أسياده كل الإمكانات من طباعة وتكريم وجوائز ونشر وإعلام ووو..

اقرأ أيضا: المفتي زغيب يردّ على المتطاولين على المجلس الشيعي

وهو الذي يقول المحقق السيد محمد باقر الخرسان عنه: (إنه كان يقول بجواز السهو على النبي صلى الله عليه وآله في الجزء الأول من الطبعة الأولى من كتابه : ” الصحيح من سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم!”..).. وذلك عملاً برأي المدرسة الأخبارية وبرواية الشيخ الصدوق في كتابه: “الأمالي”.. وكان يقول بداية بنزول آية التطهير في نساء النبي صلى الله عليه وآله إلى أن عدل وكتب كتابه: “أهل البيت عليهم السلام في آية التطهير”.. ويقول: إن فساد إسرائيل في فلسطين الآن هو الأول من الفساد مرتين المذكور في سورة الإسراء خلافاً منه لكل المناهج التفسيرية الإسلامية.. وكان يقول.. وكان ويقول.. إلى آخر مقولاته النادرة ! ولكن أسياده كانوا يستخدمونه في الحوزة العلمية في قم المشرفة لقمع الطلاب الذي لا ينسجمون مع سياستهم ولا يكونون عبيداً عند جماعة ولاية الفقيه!

وكان هذا السيد المذكور يسحق برجله أي طالب أو عالم ليس عبداً لهذه السياسات.. ويُقَزًّم ويمسخ أي عالم لا ينسجم مع هذه السياسات من طلاب وعلماء الحوزة القمية.. ويهين من يشاء ويؤدب ويؤنِّب من يشاء.. وقد أفلح في تسقيط العشرات وفي تدمير مستقبل العديد تلبية لأسياده وفي تكسير رؤوس كثيرة.. إلى درجة يقول عنه المحقق الشيخ محمد جميل حمود: “إنه كان جزمة في رجل مخابرات أسياده” ..

وقد سعى أسياده لطرحه لرئاسة مجلس الملة بإرساله إلى لبنان ولكن الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين استطاع أن يقطع عليه الطريق بترتيب وضعه مع أسياده واعترافه بمرجعيتهم السياسية والقيادية مما أثمر أن يسكتوا عنه ويرضوا به رئيساً لمجلس الملة وبهذا وُضِع مشروع السيد المذكور في الثلاجة .. ولكن ما لبث أسياده أن وظَّفوه في حرب ضروس للقضاء على مرجعية السيد محمد حسين فضل الله لأن الأخير لم يعترف بمرجعيتهم ولا بولايتهم الفقهية والقيادية السياسية. بداية وإن كان تراجع في موضوع الولاية القيادية والسياسية ليقر بها في ثاني خطبة صلاة جمعة عقدها عند افتتاحه مسجد الحسنين عليهما السلام في حارة حريك في بيروت وذلك في إطار سعيه لتجميع الجماهير حوله في تجمعه المسجدي الجديد..

وقد عمد أمين المقاومة يومها على أثر هذا التراجع كما عمد بعض رجالات ولاية الفقيه في لبنان يومها على التناوب لإلقاء خطب ما قبل خطبة الجمعة كل أسبوع في المسجد المذكور إيذاناً منهم بقبول عودة فضل الله عن رأيه بشأن القيادة والولاية السياسية .. وفي طول وعرض ذلك لم تكن لتخفى مساعي حزب الله في السيطرة على القرار الديني الرسمي وغير الرسمي في لبنان لما يشكله ذلك من سلطة وقوة ونفوذ يمكن للحزب المذكور توظيفه في مشاريعه السياسية..

وكان الشيخ شمس الدين عقبة كبرى لم يتمكنوا من إنهائها وإن كانوا قد تمكنوا من إضعاف حضورها الجماهيري إلى حد كبير! وهو الذي كان يقول: “لو أصبح حزب الله بحجم الله لبقي عندي صفراً”.. وقد قال هذه المقولة في خطاب جماهيري موثق في أحد الاحتفالات في مدينة النبطية.. لذلك سعى حزب ولاية الفقيه للقضاء على فكره كلياً بعد وفاته فهو الآن لا يذكره ذاكر وحتى صورته تم رفعها من كل المؤسسات التي كان يرأسها وهذا ينافي پروتوكولات الرئاسة في مؤسسات الدولة وفي المؤسسات الخاصة! فهل يُعقل أن الجامعة الإسلامية لا يُرفع فيها لمُؤسسها صورة واحدة؟ ناهيك عن تدمير جميع مؤسساته التربوية والاجتماعية بشكل شبه كلي!

وكل ذلك عقوبة تأديبية من حزب ولاية الفقيه في منهجه للقتل المعنوي لكل من يخالفه الرأي السياسي حياً وميتاً.. وهنا بيت القصيد في هذا المقال.. فحزب ولاية الفقيه وضع الڤيتو على انتخاب الشيخ محمد كنعان لرئاسة المحاكم الجعفرية في هذا السياق ذلك لأن الشيخ كنعان كان بداية في صفوف الحزب وانقلب عليه بعد حرب الحزب المشؤومة ضد حركة أمل..

ومثل الشيخ كنعان كثيرون تطول بهم القائمة كان قد تمكن الشيخ شمس الدين من استيعاب بعضهم وعجز عن حماية آخرين..

وأما التسوية الحالية لرئاسة مجلس الملة فقد قبلها حزب ولاية الفقيه على مضض خوفاً من الخلاف مع المعلم الكبير الذي عرف نقطة ضعف حزب ولاية الفقيه في الساحة الداخلية ومسكه في مكمن وجعه في أوراقه السياسية.. ولكن حزب ولاية الفقيه يعمل في الخفاء على أن يكون الوريث الوحيد للمؤسسات الدينية الرسمية جميعاً بعد هذه المرحلة.. وفي هذا السياق يأتي تسقيط تركيبة المجلس وتشكيلاته الحالية حيث لم يخرج أحد من الفرقاء للدفاع عنها وترك الأمر لأضعف الحوزويين ليُصدِّر بياناً بهذا الخصوص.. فالذين خدمهم رئيس المجلس الحالي لخمسين سنة وعمل على قضاء ملايين الحوائج لهم بل وساعد حتى على سيطرة حزب ولاية الفقيه على آلآف الأوقاف من المساجد والحسينيات وغيرها… كل ذلك لم يكن شفيعاً له ليخرج أحد من جميع هؤلاء المنتفعين ليدافع عنه في وجه الحملة الإعلامية الجائرة التي تستهدفه!

اقرأ أيضاً: سلاح حزب ولاية الفقيه في مواجهة المعارضين

ويرى العارفون أن حزب ولاية الفقيه قد يكون وجَّه سرَّاً الضربة القاضية لتشكيلات المجلس الشيعي الحالية ليُسقطها كلياً شعبياً وقانونياً ودينياً وشرعياً تمهيداً ليحقق طموحه في المرحلة القادمة التي يراها قريبة..

لذلك فإن المستفيد الوحيد من الضربة القاضية هذه ضد تركيبة المجلس الشيعي الحالية هو حزب ولاية الفقيه في البعد الاستراتيجي ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. وقد يكون هو وراء تحريك ملف الاستهداف هذا.. خصوصاً وأنه لم يستنكر ولم يدافع عن تشكيلة المجلس الحالية رغم كونه شريكاً بعيداً فيها وهذا يؤكد قبوله بها على مضض لإرضاء الحلفاء مرحلياً.. فهو يتمسكن حتى يتمكن..

كفى الله علماء الدين الشيعة المستقلين شر هذه الفتنة وما ينتظرهم من فتن في المستقبل القريب.. خصوصاً عندما تنفتح معركة السيطرة على المؤسسات الشيعية على مصراعيها من قبل حزب ولاية الفقيه.. سيما بعد ظهور بوادر الإفلاس السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي ستفرض فتح هذه المعركة في القريب العاجل..

السابق
تشييع حاشد لضحايا «مجزرة المسجدين» في نيوزيلندا
التالي
عون سيواجه بومبيو بالمثل