«لِوَجْهِ ما لا يلزم» كتاب يكشف عن معارف لا لزوم لها!

لوجه كتاب
نوتشيو أوردينة (أستاذ الفلسفة والأدب الإيطالي في جامعة كالابريا)، والذي هو واحد من أعلام الباحثين في النهضة الأوروبية، ترجمت "دار الجديد" (دارة محسن سليم، حارة حريك – الغبيري – بيروت/ لبنان)، أحد كُتُبه إلى العربية، تحت عنوان: "لِوَجْهِ ما لا يلزم" (وهو الكتاب الصادر حديثاً في طبعة أولى 2019)، والذي يضمّ، أيضاً، بحثاً بعنوان: "في لزوم المعارف التي لا لزوم لها". بقلم أبراهام فلكسنر.

فالأكاديميُّ الموسوعي نوتشيو أوردينه، نراه، في كتابه هذا، وهو كتاب لا يتحرَّج من وصفه بـ”البيان”، (المانيفستو)، متخذاً من التأمّل في مفاهيم “الزوم”، و”النُّفول”، و”الجدوى” و”اللاّجدوى”، مقدِّمة ومبتدأ، تدليلاً على نفحته السِّجالية قميص الدليل والهادي، ويقترح على قرّائه سياحة فكرية بين شواهد تلك المفاهيم ومعالمها، في الماضي والحاضر، في الفلسفة والأدب، في الفن والعلوم، في الجامعة وفي خلوة العاشقين، ينتهي معها إلى أن “اللاجدوى” – أي ما يتهيّأ لنا أنه نافل وغير ذي جدوى ولا لزوم له – ملح التجربة الإنسانية من أول التاريخ إلى اليوم وشرط الحرية المشروط، محذّراً من مترتبات ما يمضي فيه عالمنا، تحت عناوين “الجدوى” و”الربحية” والنزول عند “أحكام السوق”، من إفساد لهذا الملح ومن تضييق لمساحات الحرية ومرافقها.

وفي “مدخل” الكتاب يقول الكاتب: لا تدَّعي صفحات هذا الكتاب الصغير أنها تُحيط إحاطة مستغرقة بالموضوع الذي تتصدى له. جُلُّ أمرها أنها رجعُ صدىً لأفكار وتأمُّلات أخطرها لي هذا الموضوع. وإذ ذهبت إلى وصفها بـ”البيان”، (مانيفستو)، على بيَّنة من أنها لا تستوفي، من حيث الإحاطة مقتضيات “البيان”، فتدليلاً على طبيعتها “الملتزمة” وهي طبيعة لم تنفكّ سمة تسمني شخصياً، وتسم ما أنشط له.

اقرأ أيضاً: محسن صالح يحذّر من خطر «الكبت الثقافي» في كتابه «الفلسفة الاجتماعية وأصلُ السياسة»

لقد أردت هذه الصفحات إطار أدرج تحته جملة من المختارات ومن التأمّلات التي تجمّعت لديّ خلال السنوات الطوال التي قضيته افي التعليم والبحث. واعترف، ابتداءً، بأنني جمعت هذه المنتخبات وهذه التأمُّلات على سجيّتي، ومن ثم فلعلّها أقرب ما تكون إلى مسوّدة برسم أن تُستكمل وتُستتم منها إلى الكتاب الذي يستوفي الغرض منه. وبهذا الاعتبار، وشأن كُتُب المنتخبات والمختارات، فلعل شيئاً أهملته أو مررت دونه أن يبدو للمُطالع أجدر بالإثبات مما كان إثباته.

على بينة من هذه العيوب الأصلية، رسمت لهذا البيان أن يدور على مدارات ثلاثة:

مدار أول خصصته بجدوى الأدب بلحاظ ما يبدو عليه الأدب من لا جدوى ومن نفول؛
ومدار ثان خصصته بالعواقب الفادحة التي تستجرُّها سيادة المنطق النفعي على التعليم والبحث العلمي وسواهما من النشاطات الثقافية؛

اقرأ أيضاً: راحلون يخلّدهم وضاح شرارة في كتاب «أحوال أهل الغَيبة»

ومدار ثالث أردت من ورائه مزيد إيضاح لما رميت إليه، فعرضت على متن صفحاته أمثلة بالغة على ما بين اللزوم وأضداده من جدل واستعدت مختارات بقلم عدد من أعيان الأدب، على مر العصور، تسفِّه هاجسيّ الحيازة والتملُّك، وتبيّن الطبيعة الوهمية للشأن والقدر اللذين ننسبهما لهما وتدلِّل على ما يترتب من أثر فادح من جرّاء استعلاء ذينك الهاجسين ولا سيما على سعي الإنسان إلى الكمال وسعيه إلى الحب والحقيقة.
كذلك فلقد استحسنت أن أستكمل تأمُّلاتي بأن أضيف إليها بحثاً فذّاً وضعه أبراهام فلكسنر، سنة 1937 ونُشرت منه نسخة منقحة بعد ذلك بعامين اثنين.
في هذا النص الرائع الذي أضفناه إلى كتابنا هذا، يروي لنا فلكسنر سيرة بعض الاكتشافات العلمية الكبرى مبيناً في معرض روايته كيف أن أبحاثاً علمية حُملت أول الأمر على محمل النافلة والتي لا لزوم لها ولا جدوى منها لخلوّ نية أصحابها من أي غرض عمليّ أو نفعي، مهَّدت السبيل إلى اختراعات، من قبيل الكهرباء والتواصل اللاسلكي، غيرت وجه البشرية.

السابق
«ملتقى الجمعيات الإنسانية» ناقش «تجربة الجمعيات في الحوار الإسلامي الإسلامي»
التالي
احذروا من فيضان الليطاني في ٤ آذار