دلال عباس: المرأة العربية عنوان أُمَّتِنا ورمز حضارتِها…

دلال عباس
الأستاذة الدكتورة دلال عباس، إضافة إلى كونها مرجعية علمية عليا في الأدب المقارن: العربي – الفارسي، (تعليماً في قسم الدراسات العليا في الجامعات اللبنانية، وإشرافاً في قسم الدكتوراه، وتأليفاً وترجمة)، هي كاتبة، وباحثة في التاريخ العربي الإسلامي.

أصدرت الباحثة في التاريخ الاسلامي الدكتورة دلال عباس دراسة جديدة بعنوان: “المرأة الأندلسية مرآة حضارة شعّت لحظة وتشظَّت” (تناولت فيها وضع المرأة الأندلسية تناولاً شمولياً)، وهي دراسة صادرة عن “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر” (في الجناح/ بيروت)، (وفي طبعة أولى 2019) وهي الدراسة التي دار حولها هذا الحوار مع الكاتبة:

لماذا ارتأيت تصدير محتويات هذا الكتاب بالتوضيح التالي: “أحببت أن أضع هذه المادة في متناول الطلاب والباحثين والباحثات، تُغنيهم عن العودة إلى بُطون المؤلفات، وفي الوقت نفسه، تتيح لهم إجراء مقارنات واستنتاجات وتحليلات؛ وربما تأليف رواية، أو روايات، أو مسرحية أو مسرحيات، يتداخل فيها الماضي والحاضر والتاريخ والأدب، وسواهما من العلوم الإنسانية”؟
هذا الكتاب، كان في الأساس، رسالة ماجستير في أوائل السبعينات حين اشتغلت على هذه الدراسة، لم تكن بعد المصادر الأندلسية الأساسية مطبوعة. لذلك – كما ذكرت أنا في المقدمة – كنت مضطرة، وأنا مُعَلِّمة في النبطية، إلى أن أذهب كل يوم جمعة، إلى بيروت، إلى إحدى مكتبات الجامعات الكبرى كالأميركية واليسوعية، للإطلاع على هذه المصادر.

اقرأ أيضاً: «فنُّ القراءة»… ما يميّز نوعَنا الإنسانيّ

أخذت مني الدراسة وقتاً وجهداً كبيرين، لا سيما وأنني كنت حين يقع في يدي كتاب ما، أقرأه من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة، حتى وإن لم يكن له علاقة مباشرة بالمرأة الأندلسية. لذلك باتت معرفتي، الآن، بالتاريخ الأندلسي، والحضارة الأندلسية، عامة وشاملة. وكان في نيتي أن أتابع دراسة الدكتوراه في الأدب الأندلسي، ولذلك تعلّمت – في حدود معيّنة – اللغة الإسبانية. لكن جاءت الحرب الأهلية اللبنانية، وبسببها سافرت مع زوجي في سنة (76 – 77) إلى إيران، وتغيّر مجال أبحاثي ودراساتي، لذلك لم يتح لي الوقت للتفكير بـ”المرأة في الأندلس” أو طباعتها إلى أن دُعيت – أكثر من مرة – لقراءة أو مناقشة رسائل أو أطاريح عن الأندلس، نقل أصحابها معلومات من رسالتي هذه، فقررت أن أصحِّح النص وأنشره مع بعض الإضافات والحواشي، وكتبت مقدِّمة مطوّلة، أسوِّغ فيها سبب نشر هذه الرسالة الآن، وذلك لدقّة المعلومات الواردة في الرسالة وأهميتها بالنسبة إلى الباحثين والدارسين.

حضارة في الأوج

كتابك الجديد: “المرأة الأندلسية مرآة حضارة شعَّت لحظة وتشظّت”، هو إحياء جزء جوهري، لا يتجزّأ من تُراث أمة، فماذا يعني لك هذا التراث؟
بالنسبة إليّ، إن التراث العربي الإسلامي في العصرين العباسي والأندلسي، المتزامنين، يمثّل حلقة من حلقات الحضارة الإنسانية، التي وصلت إلى أوجها، وكانت الأندلس الطريق الذي انتقلت منه معالم هذه الحضارة وعلومها إلى أوروبا التي كانت، في ذلك الحين – غارقة في الظلام، لما كان في قرطبة وحدها ثمانمائة حمّام عام، كان الاغتسال في أوروبا يُعدّ رجساً من عمل الشيطان.

وبعد سقوط غرناطة آخر معامل المسلمين في الأندلس، كانت “محاكم التفتيش” في إسبانيا، تتهم من تجد في منزله حمّاماً، بالهرطقة وتحرقه. وكلامي على المرأة الأندلسية هو تخليد لهذا التراث لأنني أُعِدّ المرأة العربية عنوان الأمّة ورمز حضارتها.

المرأة – الأُمّ

عنوان هذا الكتاب، يُثير أسئلة كثيرة، منها، مثلاً: من هي المرأة الأندلسية؟ وما هي طبيعة الحضارة الأندلسية؟ وكيف أضحت هذه المرأة مرآة مجلوّةً، لهذه الحضارة؟ وكيف شعَّت هذه الحضارة؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى تشظّيها؟ فحبّذا لو تُطلعين القرّاء والقارئات على مضمون هذا الكتاب، من خلال الإجابة – ولو باقتضاب – عن هذه الأسئلة.
كان عنوان هذه الرسالة، هو “أدب المراة في الأندلس”. أما لماذا أصبح العنوان: “المرأة الأندلسية مرآة حضارة شعّت لحظة وتشظّت”، فذلك لأنني بعد كل هذا العمر من الدراسات والأبحاث ومعاينة الواقع الإجتماعي في لبنان، وفي غيره من البلدان، ترسّخت في ذهني فكرة مفادها: أن المراة – الأمّ، هي التي تصنع الحضارة، مباشرة أو غير مباشرة، من خلال الذين تقوم بتربيتهم. والحضارة الأندلسية، العلمية والفكرية والأدبية، هي صورة عن الحضارة العربية الإسلامية، التي بلغت ذروتها في العصر العباسي؛ باستثناء وضع المرأة. فالمرأة في الأندلس كانت طبيبة وفقيهة ومعلّمة وخطاطّة وشاعرة… فنرى، مثلاً، أن شاعرة تأتي الأمير شاكية والي بلدها؛ أو مطالِبة بالإصلاح الضريبي (أي الخَرَاج)؛ في حين أن المرأة في بغداد – في الوقت نفسه – لم تكن كذلك، لماذا؟ لأن الأندلسيين بعيدون كل البُعد عن جوّ البداوة، وليس العرب وحدهم هُمُ المسيطرون.

إن الأندلسي هو مزيج من عدة أعراق: الإسبان والعرب والبربر وغيرهم؛ في حين أن المسلمين العرب حافظوا، وبكل أمانة، على عاداتهم الجاهلية، واحتقارهم للمرأة، على الرغم من إسلامهم، كأنهم لم يُسْلِموا وإنما عرّبوا الإسلام. أما بالنسبة إلى إشعاع هذه الحضارة: الأندلس كانت الطريق الذي انتقلت بواسطته العلوم الإسلامية المختلفة إلى الغرب، لكن الخلافات السياسية، والصراع على السلطة، والترف، وهو السبب الأكبر، جعل دويلات الأندلس، تنهار الواحدة إثر الأخرى، في وجه الإسبان.

اقرأ أيضاً: ريم الجندي بمعرضها الجديد: الضحيّةُ دوماً أجملُ من جلاَّدها

جارية لأكثر من سلطان

السؤال الأهم، الذي يثيره العنوان، أيضاً، وعلى نحو لافت، هو – برأينا – لماذا نعتّ إشعاع الحضارة الأندلسية، بأنه مجرّد “إشعاع لحظة”؟ كما تؤكدين ذلك في المقدمة، إذ تُعلنين قائلة: “فأتمثّل الحضارة الأندلسية كوكباً دُرّياً شعّ لحظة في ظلام الغرب، وما لبث أن تشظى واضمحل”. هذا مع أن الحضارة الأندلسية، قد عمّرت نحو ثمانية قرون كاملة، تقريباً.
إنه تعبير رمزي، والحضارة الأندلسية، لم تنطفئ دفعة واحدة؛ بل كانت تتشظى تدريجياً، منذ لحظة سقوط قرطبة، قبل ثلاثة قرون أو أكثر من سقوط غرناطة.

من جُملة آرائك النقدية الحافل بها تناوُلك العميق لموضوع هذا الكتاب، رأيك الوارد في المقدمة وهو: “المرأة مرآة تنعكس على صفحتها صورة المجتمع: أهي حُرّة أم جارية؟ (لا يظننّ أحد أن عصر الجواري قد انقضى)”. فكيف تشرحين مضمون هذا الرأي الذي يبدو أنه دعوة صريحة إلى المرأة العربية عموماً، واللبنانية خصوصاً، في عصرنا الحالي، إلى الثورة على أوضاعها، التي ما زالت دون المستوى المطلوب على صعيد كرامتها الإنسانية، في مجتمعاتنا الحالية؟
باختصار: يمكنني القول: إذا كان التاريخ العربي الإسلامي، يُرينا المرأة: إمّا حُرّة؛ وإما جارية، والتقييد الذي عانت منه المرأة التي سُمّيت حُرّة، في عصر الحضارة العربية الإسلامية سببه التطبيق العمليّ الخاطئ للدِّين، منذ البداية. أيضاً في هذا العصر الذي يُقال إن المرأة قد نالت فيه حقوقاً كثيرة، هذا كلام صحيح، من ناحية، ومن ناحية أخرى، المرأة جُعلت جارية، ليس لسلطان واحد، وإنما لسلاطين كُثُر…

السابق
4 نواب شطبوا أسماءهم من لائحة طالبي الكلام
التالي
حقيقة اتهامات النائب فضل الله تكمن بين السياسي والأستاذ الجامعي!