مفاجأة نصرالله أنه عاد هادئاً جداً… فهل هو هدوء ما قبل العاصفة؟

احمد عياش

التقت أراء كثيرين من المراقبين عند القول ان الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أطل بعد غياب، لا يستهان بطوله، في مظهر غلب عليه الهدوء ما يختلف كليا عن مظهر التشدد الذي تميّزت بها آخر إطلالاته في تشرين الثاني الماضي. فهل هناك من معطيات تفسر هذا التبدّل الذي يمكن البناء عليه داخليا وإقليميا؟
مصادر وزارية في حكومة تصريف الاعمال قالت ل”النهار” ان أهم ما إنطوت عليه المقابلة التلفزيونية التي أجراها الزميل غسان بن جدو لقناة “الميادين”، والتي إستمرت أكثر من 3 ساعات، هو “فك إشتباك” في الجنوب الذي كان مسرحا لقضية صاخبة جدا على خلفية الانفاق على الحدود مع لبنان التي إكتشفتها إسرائيل، وحملت قضيتها الى مجلس الامن الدولي تحت عنوان” إنتهاك القرار 1701.”واوضحت المصادر ان نصرالله، من خلال” تبرؤه من حفر الانفاق والوقوف خلف الدولة في التعامل مع الجدار الذي تواصل إسرائيل تشييده على طول الحدود الجنوبية ،وضع نفسه خارج المواجهة مع إسرائيل حتى إشعار آخر”.

اقرأ أيضاً: رسالة نصرالله مثلّثة الأضلع

في موازاة هذا التقييم للمصادر الوزارية ،يرى متابعون لملف “حزب الله” ان تركيز امينه العام لإكثر من ساعة في هذه المقابلة على موضوع الانفاق وتصويره “إنتصارا” للحزب، له مبرر يرتبط بالانكفاء الذي دفع نصرالله وسائر اركان حزبه للابتعاد عن الاضواء نحو شهرين كي تمر عاصفة الانفاق والتي طرحت إحتمال إقدام إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية للحزب تأخذ بالاعتبار ايضا ملف الصواريخ الايرانية قرب مطار بيروت. ويشير هؤلاء ان تدخلا دوليا ، لاسيما من الولايات المتحدة الاميركية، تمثل بنتائج لقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في بداية كانون الاول الماضي في بروكسل ،أدى الى صرف النظر عن العمل العسكري الاسرائيلي وإستبداله بضغط ديبلوماسي على اعلى المستويات الدولية لوضع حد لإي محاولة جديدة من “حزب الله” لانتهاك القرار 1701.
في موضوع الانفاق أيضا، تقول مصادر ديبلوماسية لـ”النهار” ان هناك تكهنات حول حصول إسرائيل على معلومات من احد العملاء الذين جندتهم الدولة العبرية في صفوف “حزب الله” والذي تمكن من الحصول على خرائط للانفاق التي إستثمرت فيها إيران على مدى اعوام مئات الملاييم من الدولارات بعد حرب تموز 2006 .ومن ثم قامت إسرائيل في التوقيت المناسب بالكشف عن الانفاق وتوظيفها دوليا قبل الشروع في تدميرها. وفي الاطار نفسه، يقول عميد متقاعد في الجيش اللبناني لـ”النهار” ان الحزب” لو إستطاع إستخدام الانفاق، ولو لزرع علمه الاصفر في الجليل لبعض الوقت، وإلتقاط الصور التذكارية له مع العناصر الذين زرعوه ، لحصد شهرة نادرة من المحيط الى الخليج”.
قيل الكثير ولا يزال عن المحادثات التي أجراها مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد هيل في بيروت قبل فترة قصيرة .لكن المسألة الاكثر حساسية التي إبلغتها مصادر رسمية ل”النهار” هو تحذير المسؤول الاميركي لبنان من مغبة أي عمل يقدم عليه “حزب الله” ضد إسرائيل خلال الفترة التي تقصلنا عن الانتخابات الاسرائيلية العامة في الربيع المقبل.ومن شأن حصول مثل هذا العمل ان يسقط كل الخطوط الحمر التي إرتسمت خلال الاسابيع الماضية ولجمت تل ابيب عن القيام بعمل عسكري ضد لبنان.
كان لافتا على المستوى الاعلامي الذي يحتضن “حزب الله”، لاسيما الاعلام الايراني ،انه لم يتعامل مع عودة ظهور نصرالله على مسرح الاحداث ،كحدث إستثنائي.ويرجح الخبراء ان يكون هذا الاعتدال الاعلامي الصديق للحزب مرده الى الرغبة في إشاعة الهدوء في فترة إقليمية ودولية بالغة الدقة.حتى ان نصرالله، الذي إعلن إنتصار محور المقاومة في سوريا لم يفته القول ان “العامل الروسي قد يعطي هامشاً ما للإسرائيلي ولكن لا يستطيع أن يفتح له كل الهوامش وأن يذهب بعيداً…”ومن يضمن ان هذا “الهامش” الذي تحدث عنه نصرالله ألا يسمح بتوجيه ضربة لـ”حزب الله” في لبنان كما يسمح حاليا بتوجيه الضربات المتكررة للاهداف الايرانية في سوريا؟
في المعطيات الديبلوماسية المتوافرة ، ان المنطقة في وضعها الحالي هي شبيهة حاليا بما كانت عليه في الرابع من حزيران عام 1982 عشية إندفاع إسرائيل في إجتياحها للبنان وإقتلاع الوجود الفلسطيني المسلح من لبنان في صورة جذرية.ويسأل صاحب هذه المعطيات عبر”النهار”:”هل كان بمقدور احد إذا ما سئل في ذلك التاريخ ان يقول ان الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان سينتهي كليا بعد أشهر قليلة في هذا البلد؟”
لا يمكن للمرء ان يتصور ان يعيد التاريخ نفسه في صورة حرفية .لكن الاحداث قد تتكرر في صورة متشابهة.فهل تقع ضمن هذا التشابه ،الليونة التي أطل بها نصرالله بالامس على غرار ليونته على طاولة الحوار التي سبقت حرب تموز 2006 تنفيذا لإمر إيراني يتصل بالملف النووي للجمهورية الاسلامية في ذلك الوقت؟
قال زعيم “حزب الله” في مقابلته الاخيرة متهكما: “…ان عملية درع شمالي من الان وصاعداً ،عندما يسمع أي مستوطن في المستوطنات الشمالية ضربة مطرقة، “شاكوش” سيتّصل بالجيش الإسرائيلي ويقول أنا أسمع ضرب شاكوش، هذه خدمة قدّمها نتنياهو لذلك نحن سكتنا وقلنا جيّد .قدّم لنا كل هذه الخدمات فلماذا نقاطعه؟ فليتكلم.”
ما يجب التنبه اليه هو ان موضوع “الشاكوش” الذي اشار اليه نصرالله قد يكون “الشنكاش” الذي يقول البعض انه مصطلح لبناني لا معنى له في اللغة العربية يندرج في عبارة “ضاع الشنكاش”. فهل يأخذنا هدوء نصرالله الى مجهول لا يعلمه إلا المرشد في طهران؟ كل الاحتمالات واردة!

السابق
جدي وسيمون بوليفار
التالي
الكرملين يحذر من مغبة التدخل العسكري في فنزويلا