أزمة “سنة حزب الله” من التعقيد إلى التعجيز

تخلي الحريري عن "الصبي" مستمر، والكلام عن تبني "الصبي" من قبل عون قد لا يحل الأزمة قريباً، وستبقى الحكومة مرهونة بقرار إقليمي، وخصوصاً بعد العقوبات الأميركية على إيران.

تعددت مطبات الحكومة الحريرية الثالثة، أو “حكومة العهد الأولى” كما يطلق عليها رئيس الجمهورية ميشال عون، فأول مطب كان “العقدة الدرزية”، ومن ثم “العقدة المسيحية، التي أوحت عند حلها أن الحكومة ستعلن فوراً، إلا أنه كان لحزب الله رأي آخر، فقبيل توجه الرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا لإعلان التشكيلة النهائية، استخدم الحزب ورقة “سنة 8 آذار”، معلناً إطلاق “العقدة السنية”، وجمّد بها مراسم التشكيل، فكيف تدرجت هذه العقدة؟
عمل الحريري منذ تكليفه على تذليل العقبات، كي تبصر الحكومة النور بنفس سرعة تأليف حكومة تصريف الأعمال الحالية، فتوصل لحل وسط فيما يخص الحصص الدرزية، ومن ثم أطلت العقدة القواتية، التي انتهت بعد لقاءات مكوكية، بتسليم الوزير ملحم الرياشي أسماء وزراء القوات للحريري. وفي الوقت الذي بدأ به بتسلم أسماء وزراء الأحزاب، رفض حزب الله تسليم أسماء وزراءه، قبل توزير أحد نواب “اللقاء التشاوري” الستة السنة من خارج تيار المستقبل.
هؤلاء النواب هم: فيصل كرامي رئيس تيار “الكرامة” وعضو التكتل الوطني، عبد الرحيم مراد النائب العائد الى الندوة البرلمانية بعدما كان نائبا لآخر مرة عام 2000، قاسم هاشم عضو كتلة التنمية والتحرير، جهاد الصمد عضو التكتل الوطني، الوليد سكرية عضو كتلة الوفاء للمقاومة، وعدنان طرابلسي ممثل جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية في البرلمان.

في الاستشارات النيابية، ذهب كل من النواب الستة للقاء الحريري مع كتلهم، إلا عبد الرحيم مراد وعدنان طرابلسي، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك ما يسمى ب”اللقاء التشاوري”، بحيث بدأ هذا اللقاء بعد بدء عملية التأليف بفترة ليست قصيرة.
ففي البداية، وخلال الاستشارات، طالب التكتل الوطني الذي يضم تيار المردة إضافة إلى كرامي والصمد، بحقيبتين أحداهما من الحصة السنية، إلا أنها كانت مرحلة لتجميع مطالب الأحزاب قبيل الخوض بعملية التأليف، وبعدها لم يكن هذا المطلب عائقاً أو يشكل عقدة، ورضي تيار المردة بحقيبة واحدة مسيحية وهي الأشغال.

وخلال الحديث عن قرب اعلان التشكيلة الحكومية إثر تذليل عقبة حصة القوات، صرّح كرامي قائلاً: “إبعادنا عن الحكومة عقاب وما يضاعف شعورنا بالمرارة تخلي الحلفاء”، في إشارة لتخلي حزب الله عن دعم مطلبهم بالتوزير، وأضاف أنه “إذا كان إبعادنا كنواب سنة مستقلين عن الحكومة العتيدة عقابا لوقوفنا مع المقاومة، فنحن قابلون ونراه ثمنا قليلا، لكن بالمقابل لا نسمع أي جديد من حلفائنا في الخط ولم نتلقى أي اتصال يبشرنا بالخير”

ولكن بعد انتهاء من جميع العقد، بشّر حزب الله كرامي وزملائه بالخير، حيث تلقف أمين عام حزب الله حسن نصرالله كلام كرامي وأعلن في خطابه الناري الأخير عن تمسكه بدعم مطلب “السنة المستقلين” حتى قيام الساعة. مشيراً إلى أنه لن يسلم أسماء وزرائه إلا عندما يسمح لنا النواب الستة بذلك.

في هذا الوقت كان الحريري في باريس، وبعد عودته رد على نصرالله بقوله ” مش سعد الحريري يلي بيعطل البلد وأنا ما بدفع الفاتورة مرتين” والحكومة جاهزة، وبقي موقف الحريري على حاله الى يومنا هذا.

بعد موقف الحريري، سارع “اللقاء التشاوري”لتجميع دعم آخر، حيث رحب الرئيس نبيه بري بمطلبهم لكنه أبعد نفسه عن بورصة التشكيل، إلا أن مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان طالبهم بالمعارضة وأكد دعم الحريري.

وبعد ذلك، تدخل الوزير جبران باسيل على خط العقدة، وهذه المرة بدور المساهم بتذليل العقبات، وليس بدور المعرقل، وأطلق على الأزمة اسم “العقدة السنية-الشيعية”، ويستمر لهذا اليوم بطرح أفكار ناقشها مؤخراً مع كل من بري والحريري، وذلك بعد لقائه بالنواب الستة، وبنصرالله عشية خطاب الأخير.

العقدة ظاهرياً تبدو لقضم حصة الحريري، إلا أن الهدف أيضاً عدم اعطاء التيار العوني مع حصة رئيس الجمهورية 11 وزيراً، وخصوصاً بعد تناغم عون مع رأي الحريري وقوله إن النواب الستة ليسوا كتلة وإنه يريد الحريري قويا. ومؤخراً قال الصمد إنه إذا تخلى باسيل عن مطلبه بال11 وزير تشكل الحكومة حينها.

منذ حوالي أسبوع، حاول مراد التواصل مع بيت الوسط لطلب موعد مع الحريري مع النواب الستة، الا أن الحريري رفض تحديد موعد معهم، وخصوصاً بعد خطاب التخوين والاتهام بالعمالة من قبل سكرية للحريري، بحيث صرح مصدر قيادي في المستقبل قائلاً ” أشخاص من هذا المستوى لن يطأوا بيت الوسط”.

ومنذ لحظات العقدة الأولى كان المطلب بأي حقيبة يختارها الحريري وأي اسم يختاره هو من النواب الستة، إلا أنه وبعد رفض الحريري لقائهم، صرح كرامي باسم النواب الستة معلناً تراجعه عن عدم اختيار الحقيبة من قبلهم، وصولاً لكلام الصمد الأخير الذي طالب به بحقيبة وازنة من الحصة السنية، قد تكون الداخلية أو حتى الاتصالات ما أخرج المعادلة من دائرة التعقيد وحولها الى صيغة تعجيزية.

وعلى الرغم من ورود أصداء إيجابية من لقاء باسيل مع الحريري الأخير، إلا أن هذه الايجابية التي لم يعرف ماهيتها، قوبلت بتصعيد آخر من النواب الستة بقولهم للحريري ” لو بتبرم السند والهند مش رح نتراجع”، مما يوحي أنه لا حكومة في الأفق، وأن تخلي الحريري عن “الصبي” مستمر، والكلام عن تبني “الصبي” من قبل عون قد لا يحل الأزمة قريباً، وستبقى الحكومة مرهونة بقرار إقليمي، وخصوصاً بعد العقوبات الأميركية على إيران.

ربما لم تكن هذه العقدة لتعرقل التشكيل لو لم تطول العقد الأخرى، والدليل عدم تمسك الحزب بدعمه للنواب الستة في بادئ الأمر، وأصلاً لم يكن هناك لقاء يجمعهم، ولكن في ظل التطورات المستجدة، هل ستترجم إحدى أفكار باسيل لحل فاعل يطلق الحكومة قبيل الأعياد؟ أم أن القرار لم يأت بعد؟

السابق
فستان رانيا يوسف في مواجهة طبائع المجتمع الأخلاقية
التالي
ملاحظتان لافتتان حول أحدث الهجمات الكيماوية في سوريا