في ظل العقوبات ومأزق خاشقجي ما هي مآلات الصراع الإيراني – السعودي؟

الصراع الايراني السعودي
لعل من سخريات القدر أن طرفي الصراع الإيراني - السعودي في المنطقة يعيشان هذه الأيام أوضاعاً لا يحسدان عليها. إيران عادت لترزح تحت ثقل عقوبات إقتصادية قاسية فرضها عليها ترامب بعد إلغاءه الإتفاق النووي، والسعودية تتعرض لضغوطات واسعة جراء قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول.

في ظل هذه الأجواء الضاغطة على الطرفين يصبح من الطبيعي التساؤل عن تأثير هذا الوضع على الصراع الإقليمي بينهما ومآلاته. من المعروف أن الصراع كان ولا يزال قائما بينهما في الدول العربية الأربع التي تباهت إيران بأنها وضعت يدها عليها، وإذا كان المراقب للوضع في المنطقة اليوم يلاحظ أن إيران ربحت الجولة – حتى الآن على الأقل – في كل من العراق وسوريا حيث تتقاسم النفوذ مع أميركا في العراق ومع روسيا في سوريا وسط صمت إسرائيلي مثير، وفي مشهد سياسي غريب وعجيب ومثير للدهشة من تلاقي المصالح على حساب المصلحة العربية وقدرة إيران وبراغماتيتها السياسية، ومهارتها في إقناع خصومها ومريديها بالشيء ونقيضه، في الوقت الذي ركزت فيه السعودية جهدها على الحرب في اليمن الذي يشكل خاصرتها الرخوة والذي يبقى مع لبنان ساحة الصراع الرئيسية مع إيران هذه الأيام.

من هنا يصبح التساؤل مشروعا عن كيفية إدارة هذا الصراع بينهما في ظل العقوبات على إيران وضغوط قضية خاشقحي على السعودية.

اقرأ أيضاً: إيران تضع روسيا في مرمى العقوبات الأميركية

الملفت للنظر هنا هو الموقف الإيراني من قضية خاشقجي والذي كان أقرب إلى رفع العتب بعكس ما كان متوقعاً من إيران من استغلال للحادثة للضغط السياسي والإعلامي على الرياض، وكأنها تركت هذه المهمة لأميركا والغرب والقوى الأقليمية الأخرى التي لها حسابات تريد أن تصفيها مع المملكة وإكتفت بموقف منخفض السقف وأقرب للموقف الروسي من الموضوع، فهل كان هذا الموقف رسالة للسعودية ربما لا تنطوي على حسن نية ولكنها بادرة تبريد للصراع خصوصاً وأنه ترافق مع مبادرة السلام الحوثية المتمثلة بوقف الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة ضد كل من السعودية والإمارات في ظل عجز التحالف العربي عن السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي وفي ظل الضغط الأميركي والغربي على السعودية بسبب قضية خاشقجي ومأساة المدنيين اليمنيين التي وصلت إلى لدرجة خطيرة في تداعياتها الإنسانية؟ أم هو مناورة وموقف تكتيكي أملته الظروف الضاغطة وهو مجرد تراجع بسيط للوراء في محاولة لإعادة الانقضاض متى سمحت الظروف بذلك وهذا هو الأرجح؟ وماذا سيكون رد الفعل السعودي؟

في المقلب الآخر أي في لبنان نرى إيران وقد إتخذت موقفا معاكسا، إذ أنه وبعد أن بات تشكيل الحكومة اللبنانية أمرا واقعا إذا بالعقدة المسماة السنة المستقلين عادت وبرزت بقدرة قادر، وأعادت الأمور إلى التعقيد فالتجميد فهل أرادت إيران التساهل للسعودية في خاصرتها الرخوة اليمن مقابل التشدد في لبنان عبر اختلاق العقد للضغط على الغرب عبر التمسك بالورقة اللبنانية الأكثر تأثيرا في الصراع بسبب إسرائيل كما كان ديدنها دائما في علاقتها مع لبنان؟

الواضح حتى الآن أن الطرف “السعودي” في لبنان هو الأضعف خصوصاً بعد الضربة التي تلقاها في الإنتخابات الأخيرة ناهيك عن تشتت وتفكك ما كان يسمى بقوى 14 آذار مقابل تكاتف أو على الأقل تماسك قوى الثامن من آذار وضغوطاتها المعنوية في أقل تقدير على حليفها التيار الوطني الحر التي دفعت بالوزير جبران باسيل الوزير إلى التراجع عن مسعاه لحل العقدة وإعادة الكرة للرئيس المكلف.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الممر الإيراني السري بين لبنان وسوريا؟

كل هذه الأسئلة مشروعة في ظل هذا الوضع الإقليمي المعقد والذي يبدو أن الجميع فيه وصل إلى ساعة الحقيقة، إن كان في إيران والسعودية، أم في تركيا مع مشاكلها الإقتصادية وطريقة إدارتها لقضية خاشقجي المتناقضة مع طريقة إدارة ترامب، فضلا عن مشكلة منبج مع أميركا وموضوع إدلب مع روسيا الذي يواجه بعض الصعوبات، إلى إسرائيل وخلافاتها الداخلية جراء الوضع في غزة الذي ينذر بالإنفجار في أي لحظة ما قد يؤثر على خططها لتمرير صفقة القرن خصوصاً أن تداعيات قضية خاشقجي قد تؤخر بعض الشيء تطبيعها الجاري على قدم وساق مع الدول الخليجية. يحدث كل هذا في الوقت الذي يتخبط فيه اللبنانيون مسؤولين ومواطنين في مشاكلهم السياسية والإقتصادية والاجتماعية الضاغطة عاجزين عن إجتراح الحلول في بلد آيل للإنهيار، ويموت شبابه على الطرقات نتيجة للإهمال أو إنتحارا نتيجة اليأس من الأوضاع القائمة التي وصلت إلى درجة من الترهل والفساد والفجور لم تبلغها من قبل،ينتظرون قدرهم الذي يرسمه الخارج لهم،ويا له من قدر مستورد لن يكون إلا على قياس من يرسمونه بمعزل عن إرادتنا التي تخلينا عنها

السابق
عندما يمنّنا «الزعيم الملهم» بإنجازاته: أنتم أحياء
التالي
مؤتمر «لبنان والنزوح السوري إدارة الأزمة والعودة» في جامعة الروح القدس – الكسليك