تاريخان لبنانيان

خيرالله خيرالله

هل يعجز لبنان عام 2018 عن البناء على ما تحقق في 2016 لدى انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية؟ هناك خوف من ذلك. في أساس هذا الخوف العجز مرة أخرى عن قراءة المعادلات الإقليمية والدولية على غرار ما حصل في 1990.

هناك تاريخان لبنانيان مرتبطان بشهر تشرين الأول – أكتوبر الجاري وبرئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون تحديدا. هناك بالطبع تواريخ لبنانية وعربية أخرى مهمّة ذات علاقة بهذا الشهر. لكن من المفيد في هذه الأيّام التوقف عند الثالث عشر من تشرين الأوّل 1990 والواحد والثلاثين من الشهر عام 2016. تاريخ سقوط قصر بعبدا تحت الوصاية السورية وتاريخ انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية.

في 13 تشرين الأوّل من العام 1990، استطاع الجيش السوري التابع لنظام حافظ الأسد دخول القصر الرئاسي في بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة بعد حصوله على ضوء أخضر أميركي وإسرائيلي سمح لسلاح الجو السوري بالإغارة على القصر الرئاسي اللبناني.

اقرأ أيضاً: الحريري يستقيل…

قاوم الجيش اللبناني ببسالة محاولا وقف تقدّم السوريين في اتجاه قصر بعبدا، في حين انتقل الجنرال ميشال عون الجالس في القصر، منذ أيلول – سبتمبر 1988، بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة، إلى منزل السفير الفرنسي في الحازمية. كانت لهذه الحكومة مهمة محددة هي انتخاب رئيس للجمهورية في ضوء انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل. لكنّ كلّ المحاولات لانتخاب رئيس فشلت، إلى أن جاء اتفاق الطائف في أيلول – سبتمبر 1989، وهو اتفاق لم يقبل به ميشال عون، كما لم يقبل به “حزب الله” الطامح إلى تدمير النظام في لبنان تدميرا كاملا من أجل إقامة “جمهورية إسلامية” فيه. هذا ما كان يقوله الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي كان يرى، وقتذاك، في هذه الجمهورية التي يتحكّم بها “الوليّ الفقيه”، من طهران، الحل الأنسب للبنان واللبنانيين، مسيحيين ومسلمين.

في الوقت ذاته، لم يكن النظام السوري راضيا عن اتفاق الطائف. انقلب عليه في الثاني والعشرين من تشرين الثاني – نوفمبر 1989 عندما اغتال الرئيس المنتخب رينيه معوّض الذي كان يمثل روح ذلك الاتفاق على حقيقتها. كان هدف النظام السوري الإتيان برئيس لبناني ضعيف يُستخدمُ في معظم الأحيان في إضعاف رئيس مجلس الوزراء السنّي وتعطيل مهمته والوقوف في وجهه.

هذا ليس وقت العودة إلى الظروف التي رافقت انتقال ميشال عون إلى منزل السفير الفرنسي رينيه آلا في الحازمية. لكنّه وقت العودة بالذاكرة إلى تلك الأيام التي سبقت سقوط قصر بعبدا تمهيدا لوصاية سورية كاملة على لبنان.

يعود سبب سقوط قصر بعبدا ووزارة الدفاع إلى سبب أساسي. يتمثل هذا السبب في العجز عن قراءة التوازنات الإقليمية والتعاطي معها بمرونة وذكاء بما يخدم مصلحة اللبنانيين عموما، بدل تهجير أكبر عدد من المسيحيين من البلد. كان الولد الصغير يعرف، وقتذاك، أن صدّام حسين انتهى في اليوم الذي دخل فيه أول جندي عراقي إلى الكويت في الثاني من آب – أغسطس 1990. كان صدّام منتهيا أصلا نظرا إلى أنه لم يستوعب الأسباب التي مكنته من تحقيق شبه انتصار على إيران في حرب السنوات الثماني. لم تكن حاجة إلى الاستناد إليه من أجل مواجهة الطائف أو النظام السوري. لم تكن الدبابات التي أرسلها الرئيس العراقي وقتذاك إلى لبنان، عبر الأراضي التركية، ثم عبر البحر، والتي كشفت عليها إسرائيل قبل السماح لها بإكمال طريقها إلى لبنان صالحة لأي شيء. بل كانت صالحة لمقاتلة “القوات اللبنانية” في وقت لم تكن من حاجة إلى تلك الحرب المسيحية – المسيحية العبثية التي تبدو أنّها مازالت مستمرّة إلى اليوم… من دون دبابات عراقية، بل بوسائل أخرى.

سقط قصر بعبدا عندما قرّر حافظ الأسد المشاركة إلى جانب القوات الأميركية والغربية والعربية الأخرى في حرب تحرير الكويت. انضم حافظ الأسد إلى الفريق الرابح وقبض ثمن انضمامه إلى الأميركيين مسبقا. كان لبنان الجائزة الكبرى. بقي لبنان خمسة عشر عاما تحت الوصاية السورية بغطاء أميركي.

هل يعجز لبنان في العام 2018 عن البناء على ما تحقّق في 2016 لدى انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية؟ هناك خوف من ذلك. في أساس هذا الخوف العجز مرّة أخرى عن قراءة المعادلات الإقليمية والدولية على غرار ما حصل في 1990.

منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، الذي لم يوجد من يطالب بالتمديد له كما حصل مع سلفيه إلياس الهراوي وإميل لحّود بسبب “إعلان بعبدا”، أصرّ “حزب الله” على انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. كان الخيار، بعد إغلاق أبواب مجلس النواب، بين ميشال عون رئيسا والفراغ. فضّل الرئيس سعد الحريري تفادي الفراغ، خصوصا بعدما اختار الدكتور سمير جعجع السير بدوره في خيار ميشال عون. ما العمل الآن بعدما تبيّن أن هناك رهانات على تغييرات ستحصل على الصعيد الإقليمي لمصلحة النظام السوري وإيران؟

كانت مصلحة لبنان تقضي في العام 1990 بتفادي أي لعبة من نوع اللجوء إلى صدّام حسين في المواجهة مع حافظ الأسد. كان الطريق الأقصر للمحافظة على مصلحة اللبنانيين وحماية حقوق المسيحيين القبول باتفاق الطائف والحؤول دون حروب داخلية أدت إلى تهجير أكبر عدد ممكن من المسيحيين من لبنان.

لا يمكن القفز من حضن صدّام حسين إلى حضن النظام السوري وإيران، حتّى لو احتاج القيام بمثل هذه القفزة إلى ثمانية عشر عاما. ليست مهمّة لبنان التحوّل إلى “ساحة” تُستخدم إيرانيا للهرب من العقوبات الأميركية، ولا حديقة خلفية لنظام سوري لا مستقبل له من أيّ نوع.

إن رفض تشكيل حكومة وفاقية تتمتع بحدّ أدنى من التوازن الوطني في 2018 يشبه إلى حدّ كبير رفض اتفاق الطائف في أواخر العام 1989 وفي العام 1990، وصولا إلى اليوم الذي سقط فيه قصر بعبدا ووزارة الدفاع التي دخلها جنود تابعون للنظام السوري للمرّة الأولى منذ استقلال لبنان في العام 1943.

يفترض في كلّ مسؤول لبناني التعاطي مع الواقع بعيدا عن الأوهام. الأهمّ من ذلك كلّه، يفترض أن يكون هناك من يريد أن يتعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب. لا يحمي لبنان سوى العقل والتعقّل. يمرّ البلد في أزمة اقتصادية في غاية الخطورة. فوق ذلك، إنّه بلد لا ماء ولا كهرباء فيه ولا حلّ لأزمة النفايات، علما أن الماء والكهرباء وحلّ أزمة النفايات في متناول اليد.

من يريد مخرجا بالفعل يفكّر منذ الآن في كيفية تفادي الوصول إلى وضع شبيه بما حصل في العام 2014 عندما قرّر “حزب الله” من يكون رئيسا للجمهورية. تحقق له ذلك في 2016. ما حصل في مستوى كارثة اتفاق القاهرة للعام 1969 الذي كرّس الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان… فكانت بداية الانهيار المستمر إلى الآن، مع فاصل راحة قصير وفّره رفيق الحريري بين 1992 و2005 وإن بصعوبة كبيرة. هل من يمتلك حدّا أدنى من الشجاعة تسمح له بعملية نقد للذات تبدأ بقول الزعماء الموارنة، أو أشباه الزعماء، لأنفسهم أمام المرآة: نعم، أريد أن أكون رئيسا للجمهورية ولكن ليس بأيّ ثمن…

السابق
فتوحي يطلق «المشروع الوطني لإعادة النازحين السوريين إلى وطنهم»
التالي
اختفاء خاشقجي والحقيقة وتصفية الحسابات