ملف المحاكم الشرعية الجعفرية (3): رفع سن «الحضانة» ما زال خارج البحث

رفع سن الحضانة الى 12 عاما، من العناوين التي شغلت الرأي العام اللبناني مؤخرا، وتبرز الى واجهة الجدال عند كل حالة طلاق بين زوجين من الطائفة المسلمة ـ الشيعية، يختصمان حول أحقية احتضان اطفالهم، "جنوبية" تفتح ملف المحاكم الجعفرية في لبنان، وتعالج مسألة "الحضانة".

تتخذ المحاكم الشرعية في لبنان صفة الحَكم في الاحوال الشخصية وتنظيم الاسرة من زواج وطلاق وغيرها، فهي ليست من اختصاص المحاكم المدنية في هذه الحالات، بل اكثر من ذلك يأخذ القانون المدني والمؤسسات الرسمية احكام التنفيذ من القضاء الشرعي، ولكن في حال الخلاف الكيدي المحتدم بين الام والاب حول حضانة الاطفال، وفي ظل “مجبورية” الخضوع للقانون، يقف قاضي الشرع امام اخطر القضايا واكثرها تعقيدا لارتباطها بمصلحة الطفل المتنازع على حضانته اولا، ثم بأهلية الوالدين وبتنفيذ احكام الشريعة الاسلامية وما نصت عليه منذ نشر الرسالة النبوية الشريفة ودخول عصر الاسلام.

ولعل المطالبات والحركات النسوية لرفع سن الحضانة الى 12 عاما، وتعزيز حقوق الامهات، لم تفلح، فبموجب الشريعة الجعفرية يحدد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سن حضانة الأم لأولادها بالسنتين للطفل الذكر، وما بين السنتين والسبع سنوات بالنسبة للبنات.

اقرأ أيضاً: ملف المحاكم الشرعية الجعفرية (1): قضية ديمة وإشكالية«طلاق الحاكم»

كيف يقيّم اصحاب الشأن من قضاة وعلماء دين مسلمون حال المحاكم الجعفرية في لبنان وبعض احكامها وخاصة فيما خص سن الحضانة؟

المحامي ضياء الدين زيباره الباحث في قضايا الاحوال الشخصية قال لـ”جنوبية” ان” هناك لبس في قانون تنظيم قضايا الشرع الاسلامي الجعفري حول قدمه وضرورة تجديده، وتلك القوانين قامت على نصوص شرعية تتعلق بالمادة 242 من قضاء التنظيم السني والجعفري، وتُرك للطوائف حرية تطبيق احكامها، فالمذهب الجعفري يطبق احكام فقه المذهب الجعفري، بغض النظر عن الفترة الزمنية وقدمها، هي تطبق ما زال الدهر مستمرا وتصلح في اي زمان ومكان” مضيفا” ما نطبقه هو فقه المذهب الجعفري الوارد منذ ايام الامام جعفر الصادق، والحديث عن تطويره بمعنى تغيير الاحكام يشبه التلاعب بآيات القرآن الكريم، والفقه الجعفري هو الاحاديث التي وردت على لسان الرسول وائمة اهل البيت، فلا احد يملك الحق او الاهلية بتطوير تلك الاحكام”.

المحامي ضياء الدين زيباره

واضاف زيباره “يتدخل قاضي الشرع وله استنسابية وسلطة تقديرية، في مسألة الحضانة او قضايا اخرى خلافية، وهناك قضايا تتطور في المحكمة فيما خص المساكنة، وكثيرا ما يحكم القاضي برفض طلب الزوج بالمساكنة بمعنى عودتها الى منزل الزوجية، ويحكم بنفقة للزوجة حتى لو كانت خارج البيت الزوجي في حال تعرضها للضرب والتعنيف من قبل الزوج، الا ان هناك قضايا اساسية وخطوط عريضة لا تسمح للقاضي بتخطيها”.

من جهة اخرى، اعتبر زيباره ان ” تحديد سن الحضانة للفتاة او الصبي مع تخييرهم بعد ذلك هو قمة التقدم والرقي في العلاقات الانسانية والاجتماعية، التي يلحظها الشرع الجعفري، لا بل هي لا تلحق المظلومية بالأم تحديدا، ومبدأ التخيير غير موجود في المذاهب الاخرى على سبيل المثال”.

وعن التجاوزات التي قد تحدث احيانا رأى زيباره انها ” غير مقبولة بكل المعايير الفقهية والشرعية والانسانية، وهناك طرق للطعن والاستئناف اضف الى وجود سلطة الرقابة والتفتيش”.

وختم زيباره “مشكلة القضاء بشكل عام والقضاء الشرعي بشكل خاص، هو الاعلام الذي يضغط من خلال الرأي العام في بعض القضايا، فيعجز عندها القضاء على العمل باستقلالية واصدار القرارات المناسبة، وعند استنفاد الطرق القانونية يتم اللجوء عندها للاعلام، وليس عندما نكون في مرحلة المحاكمة البدائية”.

من جهته القاضي الشرعي الشيخ موسى السموري رفض في حديث لـ”جنوبية” اعتبار المحاكم الشرعية الجعفرية “غير متقدمة في القوانين وخاصة في موضوع الحضانة”، وقال: “المطّلع على القوانين الجعفرية يدرك انها احكام متطورة وتواكب العصر” معتبرا ان” هناك محاولات لتشويه عمل واحكام تلك المحاكم”، وقال” نحن نتبع الامام جعفر الصادق الذي يستقي علومه من الله عز وجل، عبر والده ثم جده الامام علي الى النبي محمد”، مضيفا” المحاكم هي الامكنة حيث هناك نزاعات بين الناس وبين افراد الاسرة، وكل مشكلة لها حيثياتها، ولها طرق علاجها، ولا احد يملك تفاصيل المشكلة الا القاضي الذي يعمل على تدوير الزوايا لحل النزاع القائم”.

وفيما خص موضوع رفع سن حضانة الاطفال، والنزاع بين الوالدين حوله قال السموري: “اسميه نزاعا شريفا، لانه خلاف بين اب وام، كما انني احترم الام التي تحارب من اجل الحصول على حضانة اولادها، ومن اجل رؤيتهم، وكذلك الامر بالنسبة للاب، ولكن ما يحصل هو وجود الانانية المفرطة لدى احد الطرفين، بحيث يحاول احدهما حرمان الاخر على خلفية نزاع شخصي بينهما، وهنا مكمن الخلل وعلى القاضي ان يعالجه”.

اقرأ أيضاً: ملف المحاكم الشرعية الجعفرية(2): لإلغاء المكاتب الشرعية

واضاف السموري “من الامور التي نعمل عليها حاليا، اضافة الى تحصين الفتاة المقبلة على الزواج من خلال معرفة طالب الزواج منها معرفة حقيقية والسؤال عنه ووضع شروط معينة، حاليا اقوم بعقد زواج اضع فيه شرطا ان تكون الزوجة وكيلة نفسها في الطلاق او ان يكون والدها وكيلا عنها في طلاقها، في حال تبين ان الزوج سابقا قام بهجرها لفترة طويلة او يتعاطى المخدرات، وما الى ذلك من امور محرمة دينيا”، متسائلا: “الا يعتبر هذا الامر من تحصين الزوجة تطويرا للأحكام في المحاكم الجعفرية“؟

وخلص السموري بالقول “اعتقد ان المحاكم الجعفرية متقدمة جدا لناحية الاحكام وتنفيذها، وهنا اقول لا يجب التعميم فكل قضية لها احكامها وتفاصيلها التي تحل بطريقة مختلفة عن غيرها، ولقاضي الشرع رأيه في الحكم بحسب ظروف كل مشكلة لان ما نعمل عليه هي قضايا احوال شخصية”.

وبالنتيجة، يمكن القول انه على الرغم من الجهود التي يبذلها القضاة في المحاكم الشرعية الجعفرية لمواكبة العصر على حد تعبيرهم، الا ان مسألة رفع سن الحضانة تبقى خارج البحث في وقتنا الحاضر على اقل تقدير.

السابق
نجيب ميقاتي: هل تستحق طرابلس هذه العقوبة؟
التالي
إدانة حقوقية لإيران بعد بثّها اعتذارات علنية لفتيات نشرن فيديوهات راقصة