محنة الحرية بين سلطة الدولة والمجتمع

تزايدت في الآونة الأخيرة الإستدعاءات لناشطين على خلفية كتابة بوستات على الفايسبوك، ما إستدعى تحركاً بدأ بهاشتاغ ضد القمع على وسائل التواصل وتبعه تجمع مدني في حديقة سمير قصير في وسط بيروت تنديداً ورفضاً لما بدا أنّه محاولة من السلطة لقمع حرية الرأي والتعبير.

الواقع أنّ أول ما يتبادر إلى الذهن هو التساؤل عن خلفية هذه الإستدعاءات خاصة وأنّها تستهدف شبانا من الذين لا يرتبطون سياسيا او عقائديا بأحد أطراف السلطة، بل هم أقرب ما يكون إلى المجتمع المدني المتعدد المشارب وغير المنظم وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه السلطة وعلى الرغم مما يقوله مناصروها بحق أطرافها بعضهم البعض وبأقسى العبارات التي تصل أحيانا إلى ما هو أكثر من قدح وذم ، متفقة فيما بينها على الرغم من كل خلافاتها السياسية على شيء واحد ألا وهو قمع الطرف المدني الغير مدعوم سياسيا والذي يمثل الحلقة الأضعف في البلد والذي هو بالحقيقة من يتحمل العبء الأكبر من تداعيات ونتائج فساد هذه السلطة ممثلة بطبقتها السياسية من كل الإتجاهات، الأمر الذي يجعل الحرية في لبنان في وضع لا تحسد عليه ويضع لبنان في خانة الدول التي تعادي الحريات العامة وهو الذي كان دائما يتباهى بتميزه في هذا المجال ولو أن الوضع ليس بجديد فمنذ ما بعد الحرب الأهلية ولم يعد لبنان هو نفسه لبنان ما قبل الحرب ولكن كان الوضع على علاته مقبولاً نسبيا.

إقرأ أيضاً: من باسيل الى المشنوق: سيرة قمع الناشطين وسجنهم

والمفارقة هي أن يحدث كل هذا في الوقت الذي تعجز فيه هذه السلطة عن الإتفاق على حكومة تدير البلد بسبب خلافات على الحصص، ما يدعو إلى التساؤل هل هو العجز الذي يجعل السلطة تضيق بمنشور يعبر فيه مواطن عن وجعه وما يراه من مكامن خطر على معيشته ومستقبل أولاده ، أو أن يشير بالإسم لأشخاص يعتقد بأنهم سبب لما يعانيه في وطنه؟ ولا يخفى على أي مراقب للوضع العام في البلد أن ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن ضيق الصدر هذا قد إنسحب على المجتمع أو غالبية شرائحه فلم يعد مكان بيننا لتسامح أو تقبل ولو مجرد نكتة، ولا بد هنا من الإشارة إلى ما جرى مع الشاب شربل خوري وزميلته من تهجم وتهديد بالضرب والقتل والإغتصاب لمجرد نكتة على سماجتها ولكنها لا تستأهل كل هذا الذي جرى من ترهيب.

إقرأ أيضاً: #ضد_القمع.. صرخة ضد عودة «الدولة البوليسية» من بوابة «الاستدعاءات»

وكذلك ما جرى مع الدكتور عصام خليفة من تحقيق معه على خلفية دعوى من رئيس الجامعة اللبنانية. أسارع لأقول بأنني لست ضد اللجوء للقضاء لتصفية النزاعات لأنه يبقى الطريق السليم والحضاري بدلا من طريق العنف ، ولكن اللجوء للقضاء يجب أن يكون آخر الحلول بعد أن نكون قد إستنفذنا كل وسائل التواصل والحوار الودي والسلمي والعلمي لكي يصل كل صاحب حق لحقه. بالحوار والتواصل نحمي مجتمعنا وحريتنا التي هي قاب قوسين أو أدنى من الضياع بين سلطة عاجزة مأزومة وفاجرة وبين مجتمع باتت تسيطر عليه نزعة الشراسة والعنف والتطرف السياسي والديني . حريتنا في محنة وهي آخر ما تبقى لنا فلنناضل من أجلها كي نحفظ حقنا بالحياة الحرة فلا حياة بلا حرية ، هي الإكسير والأمل بغد أفضل.

السابق
شو عدا ما بدا؟
التالي
وقفة «عهد» مع جاندارك فلسطين‬