تعقيباً على مقالات حسن صبرا (3): ملاحظات على مؤسسات السيستاني وفضل الله

فضل الله
كي لا يكون كلامي بالعموميات فالأجدى أن أتوقف عند بعض المواضيع التفصيلية التي أثارها الأستاذ صبرا حول مؤسسة الإمام السيستاني في لبنان و مؤسسة السيد فضل الله.

مؤسسة الإمام السيستاني في لبنان

تعرّض الأستاذ صبرا في مقال له تحت عنوان: “السيستاني على الأرض وحامد الخفاف في القصر” في العدد 1840 (الصادر بتاريخ 12 آذار 2018) لموضوع ممثليّة المرجع الديني السيد علي السيستاني في لبنان.
وهذا الأمر ينبغي مقاربته بطريقة صريحة وشفافة، حيث ضرورة بقاء مؤسسة “المرجعية الشيعية” على الحياد، وتعاطيها بنفَس أبوي جامع، من دون الدخول في الزواريب السياسية والإجتماعية الضيقة.

اقرأ أيضاً: تعقيباً على مقالات حسن صبرا(1): المؤسسات الدينية غير معصومة وإصلاحها واجب شرعي

وبهذا الصدد لا يمكنني التغافل عن الجوانب الشخصية الإيجابية في مدير مؤسسة السيد السيستاني في لبنان الحاج الخفاف؛ رغم مآخذ العلماء الفضلاء عليه، والتي لا يجاهرون أمامه بها، لكنهم لطالما تداولوا بها في جلساتهم الخاصّة.. حول عدم كونه من علماء الدين.. على اعتبار أن مَنْ يتبوّأ هذا الموقع ينبغي أن يكون مرتدياً للزي الديني؛ احتراماً للمرجعية نفسها، بل وتقديراً لأهل العلم في لبنان..

وبمعزل عن هذه الملاحظة التي قد لا أتبنّاها، لكنني أتوقف كثيراً عند الدور المفقود لممثليّة السيد السيستاني في الساحة الشيعية اللبنانية، فهي ليست كممثليّة أي مرجع شيعي آخر، على اعتبار أن السيستاني كبير مقدّمي الحوزة العلمية الشيعية، ناهيك عن الإمكانيات المالية الضخمة التي يحوز عليها.. وهذا ما يفرض مزيداً من دور رائد لهذه المرجعية، ولا يقبل منها أن تبقى متحفظة حيال بعض الأمور، كما لا يجوز لها أن لا تكون على مسافة واحدة من الجميع..

مؤسسة السيد فضل الله

توّج الأستاذ حسن صبرا مقالاته حول الجسم الديني بالحديث عن ورثة المغفور له السيد محمد حسين فضل الله، في العدد 1850 (الصادر بتاريخ 21 أيار 2018)، حيث تناول بعض الجوانب المهمّة التي لا يجوز إغفالها. من دون أن نتطرّق للتفاصيل التي أثيرت حول المهندس جمال مكّي وإشكاليّة أموال فندق الساحة وأموال الأيتام..

وهذا يستدعينا الإضاءة على بعض النقاط:

أوّلاً:
لم تعد مؤسسة السيد فضل الله مرجعيّة فكريّة تنويريّة بالمعنى الذي كانت عليه في عهد السيد الراحل (قدس سره)، بل تحوّلت -بشكل رئيسي- لمجرد جمعية خيرية يديرها نجله السيد علي فقط، الذي يُشْكل عليه بعض أخوته والمحيطين به أنه يصرف من رصيد والده، ويعيش عليه، ولم يتمكن من تشكيل شخصية خاصّة به بصورة مستقلة.. وانطلاقاً من ذلك فأكثر من شخص – ممن ذكرهم الأستاذ صبرا من الورثة الفكريين للراحل – يمكنهم أن يعبّروا عن فكر السيد محمد حسين فضل الله بجدارة أكثر مما يتمكن السيد علي منه.

وقد صار ظاهراً للعيان أن أولى أولويات هذه المؤسسة هو جمع الأموال وجبايتها، من الداخل والخارج، ولم تعد تتحرك هذه المؤسسة إلا على وقع مصالحها المالية الخاصّة.. ومعلوم أنّه “عندما تكثر الجباية تشرف الدول على النهاية” كما قال عالم الإجتماع الشهير ابن خلدون.

و”الشبق” لجمع الأموال جعلهم يستخدمون “المشتركات” على الطرقات والأرصفة لوضع “صناديق الجباية” بشكل مزعج. كما جعلهم يتوسلون أي شيء يجذب الناس للدفع، وحتى لو كانت صورة السيد محمد حسين (قدس سره) على صناديق الجباية، بشكل مسيء للسيد الراحل. كما لا يمانع السيد علي من مدح إحدى الدول الخليجية في خطبة الجمعة حينما يتقاضى منها مبلغاً مرقوماً.. وهكذا استباحوا كل شيء في سبيل جمع الأموال وتكديسها.. وكأنّ المال هو الهدف الوحيد في الحياة وليس وسيلةً..

ثانياً: تعيش مؤسسة السيد فضل الله حالة إرباك في دورها المناط بها، وحول مستقبلها، فلم تتمكن من بلورة دور خاصّ بها، فبين سعيها للإستمرار بالحالة الدينية التي زرعها السيد محمد حسين (قدس سره)، وبين كونها جمعية خيرية، وبين المؤسسات الإنتاجية والإقتصادية التي تمتلكها..، وبين اهتمامها في المجال السياسي ومحاولتها التمايز عن السواد الأعظم الشيعي.. كسباً لساحات عربية وإسلامية. وبين الاهتمام المستجد للسيد علي على مستوى الحوار بين الأديان، بشكل جعله يخلق إطاراً لهذه الغاية، ما حدّ من حضوره وقزّمه، بعد أن كان الفضاء متاحاً بشكل أرحب، فصار جهة وطرفاً، وهذا ما ضعّفه!
ومن دون تفاصيل عديدة في المصاريف المالية الكبيرة التي صُرِفت على “ملتقى الأديان”.. وهل هي من أموال الأيتام والحقوق الشرعية؟!

طبعاً فشلت المؤسسة في الجمع بين الأدوار التي تحاول لعبها، وستفشل أكثر، إلا في الجانب الخيري، المتمثّل بجمعية المبرات، وليت الأخ السيد علي يدرك ذلك جيداً، ما يجعله يوجّه الطاقات، ويقتصر على “المبرات”، من دون محاولته لتشكيل زعامة دينية لا يمتلك مؤهلاتها، ومن دون تعاطيه في الشأن السياسي الذي أظهره هزيلاً، وكأني به يحاول تقليد والده الذي كان يجيد مخاطبة كل الأفرقاء والمختلفين، ويحسن تطبيق “لكل مقام مقال”..، في حين أن السيد علي أخفق في تظهير نفسه كحالة متمايزة ضمن الجو الشيعي، حيث إنه يتحرك ضمن “سقف المسموح للثنائي الشيعي” ولا يمكنه تجاوز الخطوط الحمراء، بل يمكننا اعتباره جزءاً من منظومة الثنائي أيضاً.

كذلك لم يتمكّن من مخاطبة الأطراف الأخرى التي أجهد نفسه للإيحاء إليها أنه “غير الثنائي”، ولكن اتضح للجميع أنه – على الأقل – حاجة للثنائي، لإظهار “التنوع” ضمن الطائفة، ولو كانت حدود هذا التنوع لا تتجاوز السقف.. ناهيك عن ارتباط السيد علي بجملة مصالح ضمن بيئة الثنائي ما يمنعه من التفريط بها، بل يجعله أسيراً لتلك المصالح.

ثالثاً: إنّ التساؤل حول بيع العقار في منطقة المزرعة في بيروت يجعل السيد علي مطالباً بالكشف عن مصير هذا المبلغ الضخم الذي ليس ملكاً شخصياً له، فأموال جمعية المبرات ملك للأيتام والفقراء، وقد تبرّع الناس بأموالهم وممتلكاتهم للجمعية بهذه الخلفية..

علماً أن ثمن العقار باهظ جداً، ويتجاوز الخمس والعشرين مليون دولار.

وهذا السؤال الذي طرحناه – بل كررنا إعادة طرحه بعدما طرحه الأستاذ صبرا – لا ينتقص من قيمة السيد علي فضل الله إطلاقاً، بل ما ينتقص من قيمته هو إبقاء الأمور مبهمة، وهذا ما يجعله في موضع التهمة أيضاً..

وهناك أكثر من قضية مشابهة يجب أن تثار لكن في وقتها المناسب.. فالمقام لا يتسع لأكثر من ذلك.

رابعاً: لا أطالب بأن يتعامل المجلس الشيعي مع “جمعية المبرّات الخيريّة” كما تعامل مع “الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية” – التي يرأسها الوزير السابق محمد يوسف بيضون، حيث وضع المجلس يده على مسجد الصفاء في منطقة العاملية، والذي يعود بملكيته للجمعية – ولا أن يتعامل المجلس كما تعامل مع “الجمعية الخيرية الثقافية” – التي يرأسها الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، حيث وضع المجلس يده على مسجد الإمام الصادق في منطقة شاتيلا، الذي يعود بملكيته للجمعية – ولكن يجب أن تتعزز الرقابة على جمعية المبرّات.

والنص القانوني واضح في ذلك، حيث إن من مسؤوليات المجلس الشيعي الإشراف على جمعيات الطائفة ومراقبتها، وهذا ما جاء في البند الرابع من المادّة (30) من النظام الداخلي للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في فصل صلاحيات الهيئة التنفيذية، حيث جاء:
[الإشراف على مؤسسات وجمعيات الطائفة الخيرية، وعلى انتخاب هيئاتها الإدارية وتصديق نتائجه، والإطلاع على حسابات وموازنات هذه المؤسسات والجمعيات والمصادقة عليها].

خامساً: يجب إنهاء المهزلة بإبقاء “مكتب السيد محمد حسين فضل الله” حيث إنه مرجع متوفٍ وانتهى، ولا يجوز الإستمرار بالضحك على السذج في هذا الإطار، والتعامل وكأنّ السيد محمد حسين حيّ..

وهذا لا ينفي حق بعض العلماء المجتهدين في إدارة مؤسسات السيد فضل الله لطرح مرجعيتهم، وبعضهم يمتلك المستوى العلمي والفقهي الذي يؤهّلهم لهذا الموقع.. لكن الكثيرون لديهم ملاحظات على الكفاءات المحدودة للأخ السيد علي، فشخصيته طيبة لكنها ضعيفة، ولا تؤهّله لإدارة أي شيء.. وتالياً في ظل غياب مؤهّلات شخصية ليست علميّة فحسب، بل في الإطار الإداري والتنظيمي.. يحسن تطبيق: “رحم الله امرئ عرف حده فلم يتعدّ طوره”

أكرر ما أسلفت قوله في إحدى كتاباتي بأن مرجعية السيد محمد حسين فضل الله “منتهية الصلاحية” فقهياً، وذات مرّة استفتيته خطياً – وما زال الإستفتاء في حوزتنا – حول مشروعية تقليد الميت، فقد حبّذا (قدس سره) الرجوع للحي، رغم تجويزه للبقاء على تقليد الميت.

أخيراً:

ويبقى أنه لا يجوز إبقاء الأمور متفلّة في الساحة الدينية الشيعية، ولذلك تداعيات وخيمة ترتد على انحدار مستوى التدين والأخلاق والتقوى والورع في جسمنا، فإخفاق تجربة القادة الدينيين يضعف إيمان عامّة الناس، بل وخاصّتهم أيضاً.

وإذا لم يتم إصلاح الأمور، وإرجاع الحقوق، والأموال العامّة، فينبغي الإستعانة بالقضاء لوضع الأمور في نصابها.. عملاً بقانون “مِنْ أين لك هذا؟” الذي ينبغي سريانه على الجميع دون استثناء، وإذا كانت علاقة البعض بمواقع النفوذ – في وقتنا الراهن – تحميهم، فلا شكّ سيأتي اليوم الذي تتغيّر فيه المعادلات القائمة..

يجب أن يطبّق قانون “مِنْ أين لك هذا” ليس على آل فضل الله وآل قبلان فحسب، بل على الجميع، لاسيما العاملين ضمن مؤسسات الدولة الدينية الرسمية؛ ولتكن الشفافية سِمة لهذا الجسم العلمائي صاحب التاريخ الناصع والمشرّف، والذي تميّز أبناؤه بالزهد والتقوى والورع والإعراض عن الدنيا وما فيها..

اقرأ أيضاً: تعقيباً على مقالات حسن صبرا(2): ملاحظات على المجلس الشيعي والإفتاء والمحاكم الجعفرية

لقادة الطائفة حصراً

بعد كل ما مرّ ينبغي وضع النقاط على الحروف، والتوجّه بشكل صادق وشفاف لدولة “الأستاذ” ولسماحة “السيد”، حيث انحصار القيادة بهما، وتالياً فهما مسؤولان مباشرة وبشكل شخصي عن كل ما يحصل في “عهدهما”، ف”مَنْ حسُنت سياسته دامت رياسته” كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، و”ملاك السياسة العدل” وفقاً لحديث آخر له عليه السلام.

إنّ التاريخ سيسجل أنه في ظل قيادتكما حصلت كل هذه الأمور.. هذا إذا لم يتم تحميلكما المسؤولية كاملة عن كل هذا الخلل.

وأكرر على مسامعكما قول علي عليه السلام لابن عباس: “أما بعد: فلا يكن حظك في ولايتك مالاً تستفيده، ولا غيظاً تشتفيه، ولكن إماتة باطل وإحياء حق”.

السابق
تقدم قوات المقاومة اليمنية من مطار الحديدة
التالي
الحريري وصل إلى موسكو