المد الإيراني ينحسر.. وسوريا الاختبار الأول

ايران - اسرائيل
وضع الميليشيات الإيرانية ومن بينها حزب الله لم يعد مستقراً على الساحة السورية، فما بين الغارات "اليومية"، والقرار الإقليمي بإخراج القوات الأجنبية من الآتون السوري.. السؤال الذي يُطرح حالياً، ما هي هوية المرحلة المقبلة!

بات واضحاً أنّ الميليشيات الإيرانية المنتشرة في سوريا ليست مستعدة لخوض أي حرب ضد العدو الإسرائيلي، وهذا ما يؤكد التراجع من قبل حزب الله عن معادلة “الرد في الزمان والمكان المناسبين”، والتزام سياسة الصمت أمام الغارات اليومية التي تستهدف المشروع الإيراني في سوريا، والذي كانت آخر حلقاته الغارة التي استهدفت ليل أمس مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله في محيط مطار الضبعة في ريف حمص الجنوبي.
هذه الصورة الواضحة للمشهد السوري والتي باتت فيها كل من القوات الإيرانية وقوات حزب الله في العراء أمام الغارات التي يتم وصفها “بالمجهولة”، عززها اليوم خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي لم يرفع إصبعه مهدداً اسرائيل كما جرت العادة، ولم يتوعد بالرد في عمق تل أبيب، بل لم يأتِ حتى على ذكر التجاوزات الاسرائيلية المتكررة.
واللافت في المقابل أنّ حزب الله الذي كان يقول ويؤكد أنّ العقوبات لا تقدم ولا تؤخر، ها هو اليوم يطلب من الحكومة اللبنانية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الأشخاص الذين شملتهم العقوبات في تطور نوعي لمسار تعاطي الحزب مع الأزمة!

وبالعودة إلى الغارات التي تدك يومياً المواقع الإيرانية والمواقع التابعة لحزب الله، أكّد العميد الركن الدكتور نزار عبد القادر في حديث لـ”جنوبية” أنّ “هذه الغارات تقوم بها اسرائيل، ومساء أمس أكدت مصادر اسرائيلية أن طائراتها هي التي قامت بعمليات ضد مواقع تابعة لإيران وحزب الله في مطار الضبعة في ريف حمص. من هنا يبدو لي أنّ كل ما نشهده يأتي كنتيجة لزيارة رئيس الوزراء الروسي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى موسكو واجتماعه بالرئيس الروسي ببوتين، حيث يبدو أنّ نتنياهو قد حصل على ضوء اخر باستعمال كل الأجواء السورية وليس فقط منطقة دمشق وجنوبها وهذا ما تدل عليه هذه العمليات في العمق السوري وصولاً إلى أرياف حمص وتدمر”.

وأضاف “كذلك يوجد لدى الاسرائيلي ضوء أخضر أمريكي أيضاً، فاسرائيل تنفذ إلى حد ما تهديدات الرئيس ترامب بالتخلص من تواجد إيران وتواجد حزب الله في سوريا، وهذه خطوة أساسية للاقتصاص من إيران وللحد من هيمنتها على دول المنطقة. وهذا يعد إحدى ركائز السلام التي تضمنتها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو مؤخراً. وأعتقد أنّه مع هذين الضوءَين الأخضرين الروسي والأمريكي فإنّ الاسرائيلي سيستمر في حرب الاستنزاف ضد إيران وضد حزب الله، كما أعتقد كذلك أمّه منذ الغارات السابقة فإنّ النظام السوري بالتوافق مع روسيا لن يتصدى بعد اليوم للطائرات الاسرائيلية، وإذا تصدى فسيكون ضد الصواريخ التي يطلقها وهذا يتطلب أن تكون له الوسائل التكنولوجية المتطورة لإسقاط مثل هذه الصواريخ”.

وفيما يستبعد عبد القادر القول بوجود حرب، فإنّه يؤكد أنّ “حزب الله وإيران يثبتان بأنّ هذه الخسائر الجزئية التي يدفعانها تبقى دون سقف الخسائر التي يمكن أن يدفعوها في حال قاموا بالرد فعلياً على الاعتداءات الاسرائيلية أو شكلوا خطراً على الطائرات الإسرائيلية أو ردوا على الداخل الاسرائيلية، فتصريح نصر الله وتهديداته والوعيد الإيراني الذي سبقه والذي سمعناه بعدما قصفت محطة تيفور في تدمر لم نعد نسمعه في هذه الأيام لأنّ الوعيد في النتيجة يعني تعهد بالرد، وقد رأينا ان محاولة الرد في اتجاه القنيطرة والجولان قد كلفت قيادة الحرس الثوري ومعه حزب الله الكثير عندما قامت 28 طائرة اسرائيلية بالهجوم على ما يقارب الـ28 هدفاً، من الأهداف الإيرانية والأهداف التابعة لحزب الله”.

ورأى العميد الركن أنّ اسرائيل التي بقيت لمدة 7 سنوات صامتة على كل ما قام به النظام السوري ضد شعبه معتبرة أنّ وجود بشار الأسد على رأس سوريا يمثل ضمانة لأمن اسرائيل وهي تستشهد أنّها منذ 1978 وحتى اندلاع الثورة لم تطلق رصاصة على الخط الفاصل في الجولان، وقد جاء الوقت لكي تدفع اسرائيل كلفة عالية في محاولاتها لاحتواء هذا التمدد الإيراني الذي يشهر ليل نهار العداء لاسرائيل ويتوعدها بالدمار الشامل، لذلك الآن اسرائيل ولأجل احتواء هذا الخطر الإيراني مجبرة على أن تدفع فواتير وأن تنفذ عمليات كبيرة ومكلفة، ولا بد من توقع بين الحين والحين حدوث بعد الخسائر في الجيش الاسرائيلي على غرار سقوط طائرة إف 16 بعد غارة على سورية”.

وتوقف عبد القادر عند الموقف الأخير الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من القوات الأجنبية في سوريا ومطالبته بانسحابها، فأشار إلى أنّ “الرئيس الروسي يفكر بأنّه هو القوة الوحيدة التي يجب أن يسمح لها أن تبقى في سوريا في ظل البحث عن حل سياسي من خلال عمليتي آستانة وسوتشي بعدما دخلت عملية جنيف في موت سريري، من هنا يريد بوتين أن يكون هذا الحل السياسي بصنع روسي وبضمانات روسية”.

وتابع معتبراً أنّه “لا يمكن لإيران أن تكون في حل هذا من هذا القبيل، لأن إيران يرتبط مشروعها منذ البداية وحتى النهاية بوجود شخص بشار الأسد وامتلاكه لكامل عناصر السلطة والقرار، بينما الروسي لديه منظار يدرك خلاله أن الحل لا بد أن يأتي متوافقاً مع مصالح أطراف دولية أخرى وخاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية”.
وختم العميد الركن الدكتور نزار عبد القادر بالتأكيد أنّ “النتيجة ضمن التصور الروسي للحل، تقوم في نهاية الأمر على أنّه يجب التخلص من بشار الأسد أو أن يبقى الاسد صورة ورمزاً للحكم دون أن تكون لديه السلطات التنفيذية التي تجعل منها حاكماً مستبداً يظلم شعبه، والتي تسمح له بأن يكون مصدراً للشرور في المنطقة على غرار ما كان هذا النظام البعثي في سوريا”.

في المقابل يرى مدير مركز «أمم للأبحاث والتوثيق» الباحث والمحلل السياسي لقمان سليم أنّ ما يجري يجب قراءته في أكثر سياق، وأنّ السياق الأوّل هو الأكثر مادية والمرتبط بحجم الغارات وحجم الاستهدافات المجهولة التي لا يعرف من وراءها. وأشار سليم في حديث لـ”جنوبية” أن “ما حدث يوم 10 ايار بعدما أعلنت اسرائيل أنّها شنت خلال ساعات عشرات الضربات على عشرات المواقع الإيرانية في سوريا، هو تقديري هذه ليست فقط رسالة عسكرية أنّ ميزان القوى غير متكافئ، ولكن هو تأكيد أيضاً بأنّ هذه الجهة التي قد دخلت في الصراع مع إيران لن تتراجع لاسيما وأنّ الردود قد بدت وبشكل واضح أنّها رمزية وفولكلورية”.

إقرأ أيضاً: تفاصيل الغارات الإسرائيلية «السرّية» على المواقع الإيرانية في سوريا

ورأى المحلل السياسي أنّه “ليس فقط ميزان القوى العسكري ليس راجحاً لمصلحة إيران، إنّما هناك أيضاً ميزان قوى سياسي ليس راجحاً لمصلحتها وهذا ما يعبر عنه الموقف الروسي الذي بدا واضحاً أنّه قد أعطى الضوء الأخضر لهذه الطائرات ولهذه الصواريخ بأن تدخل المجال الجوي السوري وأن تسقط حيث تشاء”.

لقمان سليم

 

ولفت سليم إلى أنّه “اليوم نستطيع أن نقول أنّ إيران ليست في حالة تسمح لها بالرد وعملياً تعتبر أنّ الصمت عن هذه الغارات هو الأستر”، ليضيف في هذا السياق “عادة الأستر كان القول عبارة الرد في المكان والزمان المناسبين، اليوم أصبح الأستر بالنسبة لإيران ولحلفاء إيران هو أن يتصرفوا وكأن شيئاً على الإطلاق لم يحدث، علماً أنّ من سمع خطاب السيد حسن نصرالله هذا المساء يدرك جيداً أنّه لربما هناك الكثير مما يحدث ليس فقط على الجبهة العسكرية، حيث أنّ كل كلامه عن موضوع العقوبات وتحميل المسؤولية للدولة اللبنانية يدل على أنّ هذه العقوبات بخلاف ما كان يقول ليست نكتة ولا تؤثر كما كان يردد دائماً، إذ يبدو أنّها تؤثر وتؤثر كثيراً. فإن تحدثنا على 3 قوائم السياسة والعسكر والمال، وفي الثلاثة إيران لا تملك إمكانيات حقيقية للتصدي نفهم أنّ السترة هي الشيء الوحيد الباقي”.

إقرأ أيضاً: «غارة على مطار حماة»

ما هو مستقبل إيران وحزب الله في سوريا في ظلّ هذه التطورات؟ يرى الباحث والمحلل السياسي لقمان سليم أنّه ما زال من المبكر الحديث عن المستقبل إذ “لا شك أنّ هناك اليوم لحظة مد للقوى المناهضة لإيران، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أنّ إيران فقدت كل أدواتها، فإيران لا تعتمد دائماً على القوة الصلبة والخشنة والمباشرة وهي ما زالت تمتلك الكثير من خلال ما اخترقته للمجتمعات في هذه المنطقة خلال العقود الماضية، وخطر اختراق إيران لمجتمعاتنا لا يتدنى على الإطلاق عن خطر ما تملكه من قدرات صاروخية. وبالتالي بتقديري أنه علينا أن لا نستعجل في الحكم، فهناك لحظ جزر إيرانية ولكنها في هذه اللحظة، وعلينا أن نتريث لنرى ما ستكون عليه الأمور”.

السابق
تعرض النائب السابق عاصم قانصوه لحادث سير مروع
التالي
مسلسل «الهيبة» يشوه صورة أهل البقاع.. والإعلامي حسين شمص ينتفض لتطويقه!