سنة من عمر العهد: سياسة المقايضات المفخخة 

ميشال عون سلاح حزب الله
يدخل العهد فاتحة سنته الثانية وسط سيل من التعليقات والمقاربات على السنة المعلقين والسياسيين والقوى السياسية المشاركة في التسوية السياسية التي أفضت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. 

وتنحو غالبية هذه المقاربات والتعليقات منحى تعداد تقني يسجل لائحة من الإنجازات والاخفاقات، في حين يذهب بعضها إلى تعداد الرابحين والخاسرين خلال السنة الأولى من عمر العهد.

من تشكيل الحكومة، الى قانون الانتخاب، وسلسلة الرتب والرواتب وطرد الارهابيين، والموازنة، والتشكيلات القضائية والدبلوماسية والأمنية.

على أن هذا التعداد لا يعكس فعلا صورة حقيقية عن حصاد السنة الأولى ، ذلك أن هذه الاستحقاقات جميعها لا يمكن مقاربتها في معزل عن السياق السياسي الذي حدثت في ظله، كونها ليست استحقاقات تقنية قائمة بذاتها، وغير متأثرة بمسار العملية السياسية التي انطلقت بانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، وهي عملية حملت منذ بدايتها كل عناصر التعقيدات والتناقضات السياسية والطائفية في البلد.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد اللبناني في عهد الرئيس عون.. إخفاق وعجز ومديونية عالية؟

والحال هذه يصبح هذا التعداد عاجزا عن عكس حقيقة الصراع الدائر في البلد، وحقيقة الترابط المكين بين حلقات المسار الذي سلكته العمليةالسياسية الداخلية وبين تطورات المنطقة، وهو صراع لا يدور في الدرجة الأولى على حقائب وزارية ومناصب في إدارات الدولة، بل ان تناتش هذه المناصب ليس سوى ظاهر لصراع أشد وأعمق يتعلق أولا بموازيبن القوى داخل السلطة من ناحية، وعلاقات لبنان العربية والإقليمية من ناحية أخرى. ذاك هو المدخل الواقعي لمقاربة حصاد سنة من عمر العهد.

انتخاب عون غير قواعد اللعبة السياسية القديمة، من دون أن يرسي قواعد جديدة، إذ أن إرساء قواعد مختلفة عبر هذه الاستحقاقات ليس سوى شوط تمهيدي للشوط الحاسم المتمثل بالانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل، وهي انتخابات – لا يمكن ضمان نتائجها مسبقا – جرى الصراع حول صيغ التحكم بنتائجها بين القوى السياسية خلال هذه الاستحقاقات ومحطاتها المتتابعة، منذ انتخاب الرئيس عون وحتى اليوم.

في هذا السياق ليس خافيا ان حزب الله وحلفاءه في ٨ آذار ، ومنذ معركة حلب خصوصا يعتمد سياسة قائمة على أن استواءه قوة إقليمية، هو أحد مداخل التو ظيف السياسي في المعادلة اللبنانية، التي ينبغي استثمارها لإعادة صوغ توازنات السلطة، واحراز مزيد من الامساك بمفاصل القرار الوطني السياسي الداخلي والخارجي، وهو الأمر الذي أكدته تطورات الأحداث منذ انتخاب عون ، مثلما أكدت سعي هذا المحور إلى فرض أمر واقع دائم، وبحيث لا ينعقد استحقاق دستوري أو سياسي في البلد الا وينبغي أن يعكس انتصار هذه القوى ومحورها في المنطقة، أو أقله ينبغي أن يبين تراجع قوى المحور الداخلي والإقليمي المقابل.

اذا كان هذا شان حزب الله وحلفائه، لكن ماذا عن الرئيس عون الذي أخذ شعار “بي الكل” في دلالة على نيته الوقوف على مسافة واحدة من القوىالسياسية؟ وهل ظل كما أوحى في خطابه الرئاسي عقب انتخابه فوق الاصطفافات السياسية، أم أنه “ساير” طرفا على حساب آخر تبعا لموازين القوى الحاصلة؟

هل انحاز الى جانب حزب الله ؟

اذا كان ميزان القوى على الصعيد العام وداخل الحكومة يميل لمصلحة حزب الله، فإن ترجيح هذا الميزان يبقى الى حد بعيد مرهونا برئيس الجمهورية، انطلاقا من موقعه على رأس الدولة، ومن حصته داخل الحكومة، الا ان ذلك يبقى محكوما بجملة عوامل يصعب تجاوزها: اولهاالمأزق الذي يواجه الحكم للجمع بين تفاهماته مع عدد من القوى السياسية المتناقضة، وثانيها بأنه محكوم بان يبقى أسيرا لموقعه الطائفي الفئوي، وثالثها اصطدامه بالوقائع المتوالية للتطورات الإقليمية التي تعمل لمصلحة المحور الإيراني السوري ، ورابعها وهو الاهم يتمثل في ان العقدة الأساسية ستبقى قائمة: اين السلطة في لبنان، ومن يمتلك عناصر القوة والقرار والكلمة الفصل في الخيارات الاستراتيجية الداخلية والخارجية؟

وبعد ذلك كله اي لبنان سيترك للرئيس ان يحكمه؟

لقد بدا واضحا لأي مراقب لمسار تشكيل الحكومة وا قرارقانون الانتخاب، ومعركة جرود عرسال، وإقرار الموازنة والتشكيلات الديبلوماسية والقضائية والأمنية، كما اعتبر كثيرون، ان ما حصل خلال بعض هذه المحطات يستعيد في بعض منها الى حد بعيد المشهد الذي كان يحصل إبان حقبة الوصاية السورية، وذلك انطلاقا من ان هناك من القوى من يريد تشكيل الحكومة واقرار قانون الانتخاب وفق ما يريد وتحت سقف قواعد وشروط متحركة، على وقع التطورات الإقليمية والخطوط الحمراء التي يرسمها.

ذلك أن حركة حزب الله في هذه الاستحقاقات كانت واضحة انطلاقا من سياسة الممر الإلزامي التي اعتمدها الحزب، وهي سياسة لم تقتصر على اعتبار أن انتخاب عون هو ممر إلزامي لانتخاب الرئيس، بل تعدتها الى تشكيل، الحكومة – تركيبة وعددا – ثم الى قانون الانتخاب في صيغته النسبية كممر إلزامي لإقرار القانون، وجميع هذه الممرات الإلزامية أظهرت حزب الله وكأنه وصي على العهد وعلى تحديد سير العملية السياسية برمتها.

واذا كانت المعضلة الأساسية التي واجهت عون تكمن في عدم قدرته على توسيع هامش التقاطع بين القوى التي ايدته للرئاسة، فإنه كان يصطدم بسعي حزب الله على تضييق هذا الهامش ما امكنه ذلك، علما ان الحزب دأب قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها على تأكيد انه غير ملزم بأي من تفاهمات وتحالفات عون المستجدة، ولاسيما تحالفه مع القوات اللبنانية التي لم يكن الحزب مرتاحا لها، بدليل بروز التناقض بين الثنائية المارونية وتلك الشيعية في المرحلة الأولى من عمر العهد، ذلك أن المباراة السياسية لم تنته أشواطها بمجرد جلوس عون على كرسي بعبدا، حتى ولو كان حليفا استراتيجيا لحزب الله الذي طالما إستهدف تحالفات الرئيس المستجدة، وساهم في رسم حدود لها، لاسيما أن القوى الأخرى ليست وازنة في ميزان القوى القائم، وليست جدية في مواجهة حزب الله، وتعتمد سياسةعقد المقايضات وتعطيه التغطية الشرعية مقابل صفقات تسووية في السياسية عبر الالتزام باستمرار ربط النزاع معه حول المسائل الخلافية، وفي المشاريع وتوزيع المناصب في الإدارات العامة، ياخذمنها ما يريد ويترك للآخرين ما يتخلى عنه.

في هذا السياق فإن دخول العهد في لعبة المحاصصة السياسية فهو حسب مقربين من التيار الوطني الحر يأتي كتعويض جزئي عما فقده المسيحيون من مراكز في الدولة والإدارات العامة على مدى فترة الوصاية السورية، وتغييب دور الأحزاب المسيحية.

فضلا عن ذلك كله، ان العلاقة بين الحزب والرئيس لم تتعارض مع توجهات الحزب، خلافا لكل الرهانات على فك الارتباط بينهما بعد انتخاب الرئيس، بل ان الأخير وفر تغطية شرعية كاملة لسلاح حزب الله، اذ شدد غير مرة، وفي غير محطة ومناسبة دولية ومحلية على انه ” طالما هناك أراض لبنانية محتلة والجيش اللبناني ليس قويا كفاية لمحاربة إسرائيل، فان سلاح حزب الله مهم، وهو جزء أساسي للدفاع عن لبنان، ولا يتناقض مع مشروع الدولة”.

اقرأ أيضاً: سنة أولى عون: لا إنجازات بمواجهة الفساد

“وهو وقال في حديث آخر الى تلفزيون سي بي سي المصري: “حزب الله يعتبر مكملا للجيش اللبناني، والسلاح الذي يمتلكه هو للدفاع عن نفسه ضد الاحتلال الإسرائيلي”.

اما استعادة الدولة واحترام الدستور وفصل السلطات – والتي أستبيحت غير مرة خلال السنة الأولى من عمر العهد – واقتلاع الفساد، والانعاش الاقتصادي، وتأمين الخدمات العامة، فهي مهمات وشعارات لا تملك قوى لبنانية تحملها، وان كانت تملك قوى تستفيد من طرحها، فلا يبقى منها سوى أنها تتحول في الواقع، الى ما يشبه المخدر الذي يحدث الاغماءة المؤقتة لدى الرأي العام ، الذي بقي لفترة يطير على جناحي شعار الاصلاح والتغيير، فيما الصراع الحقيقي يدور في مكان آخر، حول حصص الطوائف، وموقع لبنان الاقليمي، ممايفتح الباب العريضامام القوى التي تمتلك مقومات القوة، من اجل ارساء ومأسسة توازنات القوى المختلة في لحظتها الراهنة واعطائها مشروعية، وتكريس هيمنة القوة على القانون والمؤسسات.

السابق
إزالة المخالفات في الجاموس
التالي
ماذا ينتظر الحريري بعد عودته من الرياض الى بيروت؟