السيد الأمين: الصراع بين الأكثرية المسلمة والأقليات نشب لتطويق الثورات العربية

مسألة الأقليات وصراعها ضد الأكثرية المسلمة يبدو انها أصبحت سمة الواقع السياسي والاجتماعي الذي تمرّ به منطقتنا، وقد فُتح هذا الصراع على مصراعيها عقب الثورات العربية التي اندلعت قبل سنوات بمواجهة استبداد الحكام، ولما مال الكثير ممن ثاروا نحو منظمات اصولية او سلفية اسلامية، فان الاقليات اصابها الذعر من سيادة هذا الفكر الذي حسبوا انه سيقصيهم عن المشهد الساسي نهائيا وربما سيبيدهم ويقتلعهم من أراضيهم كما حدث في المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش الارهابي.

حول نظرة الإسلام للأقليات غير المسلمة في اجتماعه، يشرح العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين ويقول ان “أبرز ما يتجلى في الصورة التي رسمها الإسلام للاجتماع البشري هو مبدأ المساواة، اذ يصرح ان لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأسود على أبيض، والتي ذهب فيها بعيداً باعتبار أن الناس سواسية حتى عندما يكون بعض الناس غير مؤمنين بالإسلام وينتمون إلى أديان أخرى. وقد عبّر عن ذلك الإمام علي(ع) بقوله: الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”. أي أن الإسلام لا يفرّق في مجال الحقوق والواجبات المفروضة بين مسلم وغير مسلم”.

اقرأ أيضاً: السيّد الأمين: «سيادة الدولة» مدخل رئيسي لأي نشاط إصلاحي للنظام اللبناني

غير ان السيد الأمين يستدرك قائلا “والحق أن النزعة العنصرية التي حاربها الإسلام لم يتم القضاء عليها، وكلما كان يتراجع وهج الإسلام الحقيقي، كانت تبرز تلك النزعات العنصرية والاثنية والدينية، ما يدل على أن الاجتماع البشري لم يتشرّب هذه العقيدة، عقيدة المساواة. ومن المؤسف أن الغرب أو بعض الغرب استطاع أن يحقق هذه المساواة، ولكن ليس انطلاقاً من قيم روحية دينية، وإنما من إدراك بأن المجتمع لا يمكن أن يستمر ويتطور أو يستقيم دون تحقيق مبدأ المساواة، فاكتشفوا مبدأ المواطنة التي تجعل المواطنين كلهم سواء في الحقوق والواجبات.”

أما لماذا الأسف يجيب السيد الأمين “أقول من المؤسف لأن هذا الغرب احتكر هذا المبدأ ومارس نوعاً من السلطة الاستعمارية على الشرق عموماً، ولم يكن يعنيه أن يتطور الاجتماع الشرقي والإسلامي خاصة، فظهرت وتظهر هذه النزعة العنصرية والاثنية وحتى داخل القوميات نفسها على النحو الذي يمكننا القول ان مجتمعاتنا العربية من جهة لم تمتثل لروح الإسلام ومقاصد الشريعة، ومن جهة أخرى أنها حين نزعت إلى تقليد الغرب، كانت هذه النزعة نزعة شكلية بتقليد المظاهر والتقنيات الغربية دون النفاذ إلى روح المبدأ الذي يحكم هذه المجتمعات الغربية ويجعل منها مجتمعات مستقرة، وإن كانت قد مرّت بفترة من الصراع الديني والقومي ولكنها اكتشفت أخيراً أن مثل هذا الصراع هو تدمير للاجتماع. ولذلك تطورت مفاهيم الاجتماع الغربي ومبدأ المواطنة، كما الحريات والحكم الديموقراطي، وشكلت هذه الإنجازات كنزاً كبيراً تحرص بلدان الغرب على صيانته والابتعاد عن كل شكل من أشكال النزاع التي تؤدي إلى الحروب. أما نحن الشرقيين، ومنهم المسلمين بالرغم من تبني الإسلام عقيدة وشريعة، إلا ان القواعد التي حكمت اجتماعنا السياسي ما زالت بعيدة عن هذه الروح، وما زال الصراع هو وسيلتها لحلّ مشاكلها، ومن الطبيعي في مجتمع لا يملك فيه الفرد “حق المواطنة” أن تشيع فيه الصراعات والفتن بين أفراده وأحزابه وسلطاته.”

وحول ما جرى منذ منذ عدة سنوات ابتداءً من الثورات في تونس ومصر وصولاً إلى الفتنة في أقطار عربية متعددة وتأثيره على وجود الاقليات يقول السيد الأمين” صحيح أننا إذا نظرنا إلى أسباب هذه الثورات أو هذه الفتن لوجدنا أن الفئات المعنوية والمهمشة أعلنت رفضها لصورة العنف الذي شجعته السلطات الحاكمة لأنه يساعدنا على البقاء والاستمرار، لكن هذه السلطات استطاعت أن تستولد منظمات وجماعات مغالية وتكفيرية، كل ذلك بقصد إبعاد مفهوم الثورة العادلة واستحضار الفتنة وبإظهار ذلك عن طريق إطلاق العنان للحركات التكفيرية والتي نتبرأ منها نحن المسلمين، ونعتبرها ثمرة تآمر مشترك فيه الأنظمة السياسية مع القوى الدولية التي لا تريد لهذه المنطقة أن تضع قدمها على الطريق الصحيح لإنجاز الاجتماع الإسلامي الحقيقي الذي لا يختلف من حيث المبادئ السياسية عما يمارسه الغرب.ولا يمكن إزاء المشهد الدموي والمأساوي الذي يتسم به واقع العالم العربي الا ادانة استهداف الأقليات من قبل أكثرية تنادي بالاسلام، ومن المفارقات أن أقليات أخرى تمارس السلطة على أكثريات من غير دينها أو بنزعتها القومية. فالعرب، إما أكثرية تضطهد أقلية في وطنها، أو أقلية تضطهد أكثرية، وهذه الظاهرة نلحظها في كثير من الدوائر التي يجري فيها الصراع المسلح. وعلى الأقليات المضطهدة والأكثريات المضطهدة أن لا تنجرف إلى أسلوب الصراع الذي غالباً ما تعمل السلطات على جعله صراعاً دموياً. وليس عندي سوى القول بأن تطوّر الوعي، والوعي السياسي بالنسبة لهذه الشعوب هو قدرها الحتمي من أجل الخروج من هذا النفق المظلم، وأن المسلمين بصورة خاصة مطالبون بأن يتمثلوا روح الاجتماع الإسلامي وأن يعزفوا عن تأليف منظمات متطرفة تكفّر حتى المسلمين لا يمكن أن تعود على الاجتماع الذي تنتمي إليه إلا بمزيد من الهزائم أمام الحكام والسلطات”.

اقرأ أيضاً: العلاَّمة الأمين: الانعكاس الرّوحيّ لتغيُّر أعمارنا والعلاقة الثابتة بين الاجيال

ويختم السيد الأمين “إن وعياً إسلامياً حقيقياً كفيل لأن يؤسس لانقلابات وثورات عادلة وهذا ما يجب العمل عليه من كل النخب الإسلامية والتقدمية المؤمنة بضرورة تغيير هذه الأنظمة البائسة، وهذا أمر لن يتحقق بالسرعة التي نرغبها، بل لا بد من وضع منهج بين النخب المذكورة لتنطلق الدعوة الإسلامية من جديد بمفاهيمها وقيمها الأصيلة والجوهرية التي من البديهي أن تضع في لائحة اهتماماتها إرساء الحريات وحقوق الإنسان، وعلى الأخص حقه في مجتمع خال من الفقر الذي يشكل عنصراً سلبياً أمام محاولة أي إصلاح على المستوى الاجتماعي والسياسي. فلا يمكن أن نعطي معنى لدولة إسلامية إن لم تطبّق فيها قيم الإسلام وأخلاقياته وخاصة في مجال السلطة أو في مجال العلاقة بين المحكوم والحاكم.”

السابق
هكذا حوّل الارهابيون السيارات الى اسلحة قاتلة!
التالي
المشنوق في ردّ على اتهامات باسيل بأنّه «مش مقلّع»: دورنا نستمده من شرعية البرلمان