ياسين الحاج صالح يوثّق «16 عاماً في السجون السورية»!

الكاتب السوري والسياسي المُعارض، ياسين الحاج صالح، وفي كتابه الموسوم بـ"بالخلاص يا شباب! (16 عاماً في السجون السورية)"، الصادر حديثاً عن "دار الساقي"، في بيروت، وفي طبعة ثانية 2017، يوثِّق تجربته كمعتقل سياسي سابق، هي تجربة سجين ومفكِّر سياسي عاش ستّة عشر عاماً من عمره، على حافة التحطم والخوف، بتنقّله فيما بين سجن حلب المركزي، ومعتقل عدرا في دمشق مدة خمسة عشر عاماً، ثم إمضائه سنة إضافية في سجن تدمر الرَّهيب، في مكان جحيمي لا تنفتح أبوابه إلا لتلقّي الطعام والعقاب.

ويوضح الكاتب في مقدِّمة هذه الطبعة الثانية قائلاً: انقضت على خروجي من السجن سنوات تعادل عمري وقت اعتُقلت، ما يقترب من عشرين سنة. وحين أنظر من وراء السنوات اليوم إلى تجربتي كمعتقل سياسي سابق، تبدو لي تلك التجربة أكثر خصوصية مما ظهر وقت كتابة نصوص هذا الكتاب، سنوات ما قبل الثورة السورية.

إقرأ ايضا: سورياليّة التعذيب في جحيم السجّان البعثي

ونورد هنا كامل مضمون مقدِّمة الطبعة الأولى للكتاب، مرفقة بالوقائع الأساسية – لعمليّتي اعتقاله والإفراج عنه: وبيان المقدِّمة هو: تحيل نصوص هذا الكتاب إلى السجن، لكن ليست كلها عنه. يصف بعضها وجوهاً من تجربتي كسجين سياسي في “سوريا الأسد” بين عامي 1980 – 1996، ويسترجع بعض آخر منها السجن كتجربة متذكّرة، فيما يتناول بعض ثالث منها جوانب من أوضاع السجناء السياسيين السابقين في سوريا.

وهذا يضع الكتاب في موضع قلق. فلا هو يندرج مرتاحاً في خانة “أدب السجون”، ولا هو بحث اجتماعي، ولا هو كذلك سيرة ذاتية لسجين، ولا هو أخيراً وثيقة سياسية أو حقوقية، تفضخ النظام وتظهر جرائمه للعموم. فإن كان لي أن أعبّر عما يوحّد هذه النصوص، غير إحالتها المشتركة إلى السجن، فربما يكون جهداً لتحويل السجن إلى موضوع ثقافي. أعني شيئاً قريباً من نزع الصفة السحرية عن السجن والمساهمة في تقويض ما يتصل به من أساطير، أسطورة السجين السياسي، وكانت قد أشاعتهما قصص وروايات وأفلام، وشغف الناس بالأساطير والأبطال.

وليس فقط لأن بعض مواد الكتاب، أكثر من نصفه في الواقع، تحكي عن غير تجربة السجن المباشرة، لا ينتمي الكتاب إلى أدب السجون، بل لأن النصوص جميعها ليست “أدباً”. فحتى التي تروي منها جوانب من تجربتي كسجين لا تتناوله كقصة أو حكاية. لو كنت أجيد القص لما كتبت غير الروايات. وفي أية حال، حكى زملاء آخرون أيضاً التجربة في مواد منشورة وغير منشورة “قصة” السجن بإجادة لا يسعني مضاهاتها. على أن في الكتاب بُعداً سيَرياً، يُلمّ بأطراف من تلك “الطفولة الثانية” التي كانها السجن لي. لقد مثّلت تلك السنوات تجربتي الأساسية والمكوّنة، فلا مخرج منها، وإن خرجت من السجن منذ سنوات تكاد تساوي السنوات التي قضيتها فيه.

كُتِب أقدم النصوص عام 2003، بعد نحو 7 سنوات من خروجي من السجن، فيما كتبت بعض الفقرات الست عشرة في نص السجن والسجين في عام 2011 أثناء الثورة السورية المجيدة. وبتوان، كتبت النصوص الأخرى في السنوات الثماني الفاصلة بين الموعدين.

إقرأ ايضا: السجون السرية في سورية «صندوق أسود» يخبئ فظائع نظام الأسد

أظن أن زمن الثورة السورية والثورات العربية هو آخر وقت مناسب لصدور هذه المواد في كتاب. كنت في مطلع شبابي حين سجنت في سياق أزمة وطنية كبرى، كانت مقاومة الطغيان الحاكم وجهاً مهماً لها. وهناك اليوم أزمة وطنية كبرى، وجيل جديد من الشباب يكافح ويعتقل ويُعذّب في مواجهة الطغيان نفسه. طغيان اليوم سليل طغيان الأمس، نسباً وهياكل ومعنى. لكن، خلافاً لشباب التمرّد القديم، لا يبدو أن شباب التمرد الجديد سينتظرون فوق خمسة عشر عاماً حتى ينشروا تجاربهم. يدوِّنونها وينشرونها اليوم أولاً بأول. “التخلص” من هذا الكتاب بالنشر وداع لتجربة تتقادم بسرعة بعد الثورة، وإفساح للطريق لتجارب جديدة لجيل جديد.

والوقائع المذكورة هي الآتية:
اعتقلت فجر يوم 7/12/1980. كنت في العشرين من عمري، طالباً في السنة الثالثة في كلية الطب بجامعة حلب، وعضواً في الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي.
تعرّضت لتعذيب معتدل ليوم واحد، في “الدولاب” وعلى “بساط الريح”.
أُحِلت مع رفاق آخرين إلى سجن حلب المركزي في المسلمية شمال حلب بعد أسبوع من الاعتقال.
سمح لنا بإدخال الكتب في صيف عام 1982، بعد عام ونصف من الاعتقال.
في ربيع 1983 صرنا نخرج إلى باحة السجن ونتريّض.
في عام 1985 توفرت لنا مواقد كاز للطبخ والشاي… كانت أتيحت على نحو متقطع في أوقات سابقة.
حصلنا على جهاز تلفزيون عام 1986.
في العام نفسه، صارت أبواب المهاجع تترك مفتوحة بين الثانية ظهراً والتاسعة أو العاشرة مساءً.
في عام 1988، توفرت لنا الأقلام بعد إضراب عن الطعام لمدة ثمانية أيام.
في أواخر عام 1991 أفرج عن أكثر نزلاء الجناح السياسي في سجن المسلّمية، وبقينا فيه 16 سجيناً.
نقلنا إلى سجن عدرا شمال شرق دمشق في 14 نيسان 1992.
وأحلنا إلى محكمة أمن الدولة العليا بدمشق بعد ذلك بأسابيع.
في ربيع 1994 نلتُ حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً.
انتهت محكوميّتي يوم 7/12/1995، لكن لم يفرج عني.
في الصباح الباكر من يوم 3/1/1996 نقلنا، 30 سجيناً من ثلاثة أحزاب، إلى سجن تدمر.
يوم الخميس 19/12/1996 أعدتُ من سجن تدمر إلى دمشق. وأفرج عني يوم السبت 21/12/1996. قضيت في السجن 16 عاماً و14 يوماً.

السابق
بالتفاصيل: إليكم حقيقة وفاة مرافق نصرالله في تصفية داخلية!
التالي
نظرة «الشيخ نعيم» وأحلام الجميلات