السجون السرية في سورية «صندوق أسود» يخبئ فظائع نظام الأسد

يعقد مؤتمر جنيف 3 للمفاوضات بين المعارضة السورية ونظام بشار الأسد، وسط إصرار من وفد المعارضة على تنفيذ بند يتعلق بالإفراج عن آلاف المعتقلين السوريين من سجون النظام قبل الشروع بالمفاوضات، حيث ما يزال مصير هؤلاء مجهولاً سواءً أكانوا في المعتقلات المعروفة أو في السجون السرية التي يتكتم النظام عليها.

وتنتشر في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وميليشياته من المرتزقة الأجانب، عشرات السجون السرية التي يزج بها المعتقلين السوريين ويقضون فيها أوقاتاً طويلة دون محاكمة، فضلاً عن مقتل العديدين منهم تحت التعذيب، حسبما تؤكد المعارضة السورية.

وعلمت “السورية نت” أن مدينة اللاذقية (إحدى أكبر تجمعات قوات النظام وميليشياته في سورية) تحتوي على سجون سرية تديرها ميليشيات يتبع بعضها لقوات رئيس ميليشيا “الدفاع الوطني” سابقاً هلال الأسد (قتل عام 2014)، وأخرى إلى شخصيات متنفذة في نظام الأسد ترتكب الانتهاكات لعدم مسائلتها قانونياً.

ويصف المعارض والناشط الحقوقي علي خليل من مدينة اللاذقية في تصريح خاص لـ”السورية نت” المدينة الرياضية في اللاذقية بـ السجن السري الذي شهد قتل المئات من المعتقلين واغتصاب آخرين، مضيفاً أن المدينة الرياضية من أخطر وأكبر السجون السرية في اللاذقية التي يتعرض أبنائها المعارضين للاعتقال بشكل مستمر.

وأُنشئت المدينة الرياضية بعد استيلاء النظام على أراضي مدنيين لإنشائها قرب منطقة المروج بجانب الشاطئ الأزرق، وذلك بهدف بناء مدينة رياضية لاحتضان ألعاب البحر الأبيض المتوسط زمن حافظ الأسد في ثمانينات القرن الماضي.

وبقيت المدينة الرياضية والمسؤول عنها الآن المهندس سامر خاسكية بعد سلفه هلال الأسد الذي يتبع مباشرة لتمويل ايراني متنفساً لسكان اللاذقية إلى أن بدأت الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، إذ بدأت تتحول شيئاً فشيئاً إلى معتقل سري، وفي هذا السياق يشرح علي أنه “مع استهداف قوات النظام لمخيم الرمل الجنوبي (الذي ثار سكانه على النظام عام 2012) نقلت قوات النظام المدنيين الهاربين من القصف عنوة بحافلات إلى المدينة الرياضية باللاذقية”.

ويضيف أن قوات النظام سحبت هوية 5 آلاف شخص تم وضعهم بالمدينة الرياضية، وعاش هؤلاء ظروفاً صعبة نتيجة الاعتقال والتضييق عليهم، ويذكر مصدر آخر على اطلاع بظروفهم أنهم كانوا يطلبون الخروج بأي شكل من الأشكال خوفاً على حياتهم. ولكون عناصر النظام استغلوا حاجتهم للطعام والدواء فكانوا عرضة للاستهزاء والمعاملة السيئة.

وحولت قوات النظام وميليشيات المرتزقة المساندة لها المدينة الرياضية إلى سجن سري عبر تسييجه وإحاطته بحزام أمني، كما أصبحت أحد أكبر مراكز احتجاز المعارضين السوريين الذين نادراً ما يخرجون منه بعد اعتقالهم، بحسب قول علي.

إقرأ أيضاً: ويكليكس: الأسد لن يوقف القتل في سوريا

ويواجه المعتقلون في السجن السري بالمدينة الرياضية 3 احتمالات، الأول أن يخرجوا من المعتقل بعد عناء طويل عبر دفع مبلغ مالي كبير لعناصر “الشبيحة” مقابل إخلاء السبيل، والثاني أنه في حال كان المعتقل فقيراً واعترف خلال التعذيب الشديد بارتكابه “أفعال غالباً لم يرتكبها” يجري تسليمه للأمن العسكري في اللاذقية شبه ميت من شدة التعذيب، لكن الناشط الحقوقي علي أوضح لـ”السورية نت” أنه مؤخراً يحول المعتقلين في المدينة الرياضية إلى داخل سجن سري موجود في جبل قاسيون بمدينة دمشق، بإدارة رئاسة فرع ميليشيا “الدفاع الوطني” هناك.

أما الحالة الثالثة فهو بقاء المعتقل بالمدينة الرياضية إلى أمد غير محدود خصوصاً إذا لم يكن يملك “الفدية” لدفعها مقابل الخروج، أو لم تثبت عليه الأدلة لكي يحول إلى دمشق. وعلمت “السورية نت” أنه من النادر جداً خروج المعتقل من سجن المدينة الرياضية بشكل طبيعي.

إقرأ أيضاً: جاد الحاج ابن عرمتى الجنوبية (2/2): سجن عادل داخل بيروت يحلّ أزمة السجون

ويقول أحد الأشخاص الذين أفرج عنهم مؤخراً بعد سجنه بالمدينة الرياضية إن “أكثر شيء كان يعذبنا هو مشهد اغتصاب النساء، حيث وصلت نسبة الاغتصاب بالمدينة الرياضية إلى 95 بالمئة”.

ويسود غياب القانون عما يجري في السجن السري بالمدينة الرياضية، إذ يتعرض المعتقلون للتعذيب من قبل المسؤولين عن السجن أو زعماء الميليشيات الأخرى كما حاصل في حادثة قتل سليمان الأسد – ابن هلال الأسد- لعدد من المعتقلين غداة مقتل والده.

ويقول الناشط الحقوقي علي بناءً على معلوماته الموثقة أن سليمان الأسد (الذي اعتاد على عمليات القتل والاغتصاب وترويع المدنيين باللاذقية) بعد معرفته بمقتل والده هلال، توجه إلى المدينة الرياضية وقتل عدداً من المعتقلين بالرصاص، وسبق ذلك ممارسة سليمان للتعذيب “مزاجياً” بحق المعتقلين في المدينة الرياضية وفرع الأمن العسكري.

سجون أخرى

ومن بين السجون السرية الأخرى في اللاذقية، سجن يعود إلى رجل الأعمال أيمن جابر، ويقع عند مستودعات المرفأ وفيه مئات المعتقلين المغيبين الذين ما يزال مصيرهم مجهولاً، وتذكر مصادر “السورية نت” أن جابر كان ينشأ مجمعاً تجارياً قبل أن يحول البناء إلى سجن سري ومكان لصناعة البراميل المتفجرة إضافة لمركزه الرئيسي بمعمل “درفلة الحديد” بين جبلة وبانياس الساحل.

كما أن مراكز ميليشيا “الدفاع الوطني واللجان الشعبية” في المدن السورية والتي هي عبارة عن ممتلكات ضخمة كانت قد صودرت في الغالب من أصحابها واستعملت أيضا كسجون سرية لصالح هذه المجموعات.

ويشير علي إلى أن هنالك سجوناً سريةً أخرى كـ سجن “كراكون الشيخ”، الموجود تحت مقبرة الشيخ حسن المعروف في دمشق، وسجن وسجن دير شميل المشهور بفظاعة ممارسات “الشبيحة” هناك من أبناء قرى حماه الموالية و”الذين يتفننون بتعذيب المعارضين من أبناء القرى المجاورة أو مدينة حماه، وسجون قرى القرداحة التي تعج بالمخطوفين مع سياراتهم وعائلاتهم بانتظار تسليم الفديات للخاطفين تحت نظر وسمع اجهزة الدولة”، حسب قوله.

إقرأ ايضاً: أزمة السجون: من التعذيب إلى الإحصاءات مؤتمر «البيال» يُطلِق اليوم جرس الإنذار

وتكمن خطورة هذه السجون بـ”أن المعتقلين فيها غالباً ليس لهم أي وثائق أو تسجيل، فهم بحكم المغيبين قسريا (المفقودين) ونادرا ما يتم تسليمهم لأي فرع أمني نظامي”، يضيف علي.

ويؤكد أن لدى قوات النظام وميليشيات المرتزقة المساندة لها عدداً آخر من السجون السرية في اللاذقية، مشيراً إلى أن بعض المعتقلين أفرج عنهم من مناطق مهجورة أو من منازل غير معروفة بأنها معتقل، ويلفت إلى أنه من مصلحة نظام الأسد عدم علمه بهذه السجون لكي ينجو من المحاسبة الدولية.

ويضيف خليل أن النظام غير قادر على كبح ممارسات ميليشياته سيما وأنه يتعامل معها على أساس “تبادل المصالح” من جهة، ولشعوره أنه بحاجة إليهم من جهة أخرى، وربما ذلك ما يفسر حجم النفوذ الكبير للميليشيات في اللاذقية وارتكابها الكثير من الانتهاكات على مرأى من أجهزة النظام. كما “أن القانون الجديد الذي يبيح إنشاء شركات أمنية مستقلة لحماية رجال الأعمال وغيرهم سيسمح بقوننة هذه الممارسات وانتشارها بشكل أوسع. مما سيزيد من حالة القمع غير القانوني التي يستفيد منها النظام كرديف لممارساته بحق المواطنين”.

(السورية نت)

السابق
وعن ثقافة حاشية «وئام وهّاب» نتحدث…
التالي
المشنوق لمتطوعي الدفاع المدني: إقرار ملف الدفاع المدني في الجلسة المقبلة