لعزل دعاة الفتنة بين المسلمين!

في المرحلة التاريخية الراهنة كان أسلافنا في عصر النهضة الأخير حريصين كل الحرص على استمرار الكيان الإسلامي السياسي الذي تضعضع بعد سقوط الدولة العثمانية، وقد برزت أصوات كثيرة في العالم الإسلامي من مفكرين ومثقفين وعلماء دين تضع الوحدة الإسلامية في أولوية النهضة الجديدة التي كانت تتطلب فعلاً الوعي السليم بين انهيار الكيان الإسلامي السياسي وبين بقاء المسلمين أمة واحدة، وكان هناك إصرار على أولوية الوحدة، لأن بعض المسلمين اعتبروا أن انحلال الكيان السياسي هو نهاية الإسلام، وليس نهاية مرحلة من مراحل السلطة الإسلامية.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: أنا ضد الدولة الدينية

و الآن أثبتت الأزمنة والأحداث التي مرّت على سقوط الدولة العثمانية أن المسلمين كافة مازالوا أمة واحدة، ولم يتناقص عددهم، بل ازداد أضعافاً مضاعفة، مما يدل أن الإسلام ليس مجرد نظام سياسي يسقط فتسقط موجباته، وإنما الإسلام دين جوهره التوحيد على مستوى العقيدة، والوحدة على مستوى الإجتماع، لذلك يعترينا العجب من ظهور النزعات المذهبية المتطرفة، والتي تتنافى مع جوهر الإسلام كدين للوحدة والتآخي والإئتلاف، لذلك ونحن نشعر مع كثير من المسلمين أن هذه المرحلة لا تمثل أهداف الإسلام، وأن عملية إصلاح حقيقية يجب أن تبدأ بقوة وبسرعة تتناسب مع حركة التاريخ، أن يبدأوا بالتركيز على المبدأ الأول، وهو الوحدة، ولا أعني بالوحدة هنا الوحدة السياسية، التي لا بد منها لكن بعد إنجاز وحدة العقيدة والمشاعر والقيم، التي تحدّ من أشكال التعصب، وصولاً إلى مرحلة التوافق والتركيز على القيم المشتركة، وعلى رأسها عقيدة التوحيد، وهذا أمر يحتاج إلى عملية إصلاح قد تكون عوامل السياسة عقبةً في سبيل إنتاجها، لذلك فإن الإصلاح يجب أن يبنى بعيداً عن الصراعات السياسية والمصالح الفئوية، فإذا أنعمنا النظر جيداً فإننا لا نعرف سبباً للفرقة بين الشيعة والسنة، وإذا كان ثمة أسباب أسست لقيام المذاهب الإسلامية فهي كانت تعبيراً عن مرحلة الغنى والتوسع في فهم الإسلام بدل ان يكون سبباً للفرقة، ينبغي أن نجعل منه سبباً للقاء والتواصل، ويجب أن نضع في اعتبارنا أن التهديد في الصراعات والحروب، ولو البائدة بين المسلمين هي أخطر ما يمكن أن يواجهه الإسلام كدين سماوي وكمشروع إنساني حضاري، لا بد أن تتنوع فيه المذاهب والإتجاهات، ولكن لتصب جميعها في بنية واحدة هي بنية الإسلام.
إن التنظيمات الإرهابية التي نشهدها الآن وتمارس جرائمها باسم الإسلام ليست سوى ضربة لمشروع الإصلاح الديني، وليس صحيحاً أنها ضربات موجهة لأعداء الأمة، أو للفاسدين في هذه الأمة، من حكام ومتسلطين.
نعم نحن من دعاة تجديد البنية السياسية لكل دول المسلمين، وهذا جزء لا يتجزأ من مسيرة الوفاق والتقارب الإسلامي، فإن الذي يغذي الإرهاب هو عوامل عديدة، ولكن أحد أهمها الأنظمة السياسية الظالمة والفاسدة التي يتخذها هؤلاء الإرهابيون ذريعة لإرهاب أسوأ من إرهاب الحكومات والنظم.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الانقسامات العربية سببها غياب المشروع الحقيقي

على الصعيد العملي أعتقد أن هذه الأفكار ليست نتيجة وعي خاص، وإنما هي قائمة في عقول الكثيرين من علماء المسلمين، ولكنها تحتاج لكي تغدو حقيقة فاعلة إلى ما يشبه المؤتمرات التي تنعقد في سبيل قضايا أقل بكثير من أهمية البدء بمرحلة جديدة في علاقات المسلمين بعضهم بالبعض الآخر، ومن فوائد هذه الخطوة الإسلامية الكبيرة أنها تعزل أولئك المتعصبين والمتشددين سواء من رجال الدين أو غيرهم ممن يتعايشون على الفتنة بين المسلمين، والذين يؤَمنون غطاءً لحركات الإرهاب وتنظيماته، فلم يعد مقبولاً إدانة هذه الحركات الإرهابية لمجرد الكلام والشعارات، بل لا بد من حركة إيجابية تجعل المعتدلين والمنصفين والمؤمنين حقا من المسلمين أمام مشروع لا بد من إنجازه، وان يكون هذا التحرك جزءا من تطلعنا نحو ما أسميه بالتجدد الحضاري للأمة الإسلامية.

السابق
تنسيق دولي لانطلاقة المعركة ضد «داعش»
التالي
«فرانس برس»: عنف واضطرابات بين اللاجئين