بيان نصرالله عندما تتحدث اسرائيل بالروسية

عندما ينهض زعيم حزب الله، حسن نصرالله في الصباح، فان آخر أمر يشغل باله هو جدار آخر تبنيه اسرائيل على طول الحدود. من ناحيته، حين تستثمر اسرائيل المليارات في تحصينات مختلفة على خط الشمال، فان هذا نصر صغير آخر. الحرب التي يديرها ضد اسرائيل هي حرب شاملة: احيانا تجد تعبيرها بالنار، ولكنها في معظم الوقت نفسية واقتصادية. هدفه هو ان يحمل اسرائيل على تبذير المال وعلى العيش بقلق. هكذا يؤمن بانه سيكسر شوكة المجتمع الاسرائيلي.

اما ما يشغل بال نصرالله حقا حين يفتح عينيه فهو مسألة من أين يحصل على المال كي يواصل الاعالة بشكل معقول الجهاز الهائل – السياسي، العسكري والمدني – الذي بناه في لبنان. فحزب الله غارق في السنتين الاخيرتين في ضائقة مالية عسيرة. فقد قل الدعم الايراني ببضع مئات ملايين الدولارات؛ وثمة انخفاض في حجم الضرائب والتبرعات، والامريكيون، السعوديون وغيرهم اعلنوا عنه كمنظمة ارهابية، والعقوبات تعطي اثارها على حياته اليومية. ولانعدام البديل باع حزب الله بعض الممتلكات وخفض الرواتب.

اقرأ أيضاً : هكذا يشبّح أبناء مسؤولي حزب الله في «قهوة» إبن السيّد حسن نصرالله

ثلث القوة المقاتلة لحزب الله توجد منذ أربع سنوات في سوريا. ثلث المقاتلين قتلوا أو اصيبوا، وعبء الدفعات لعائلاتهم هائل. كما توجد ظواهر الصدع المعنوي. القادة لا يسارعون الى جولة قتالية اخرى في سوريا بعد أن عادوا من هناك بصعوبة. ولا غرو أن حزب الله يدفن في السنتين الاخيرتين فتيان ابناء 16 – 17 ممن تطوعوا للقتال في صفوف المنظمة في سوريا.

وبالتالي لماذا قرر احد ما في جهاز الامن إثارة عنوان رئيس هذا الاسبوع يربط بين بدء الاشغال على جدار الحدود في الشمال وبين حرب في الصيف ضد حزب الله. قوات حزب الله في جنوب لبنان لا توجد اليوم في ذروة فخارها. فقدراتها على أن تواجه وتصد مناورة برية اسرائيلية قلت، إذ ان جزءاً لا بأس به من القوات المختارة او المهنية التي تكثف منظومات الدفاع في جنوب لبنان لا توجد هناك بالحجم اللازم. واذا ما قرر احد ما في اسرائيل بانه يجب تدمير منظومات حزب الله في جنوب لبنان – فهذا هو الوقت.

لا يفكرون في حزب الله في أن يخرجوا اليوم الى حرب من حدود لبنان بمبادرتهم. فعلى حد فهمهم، فان احد السبل لتجاوز “خط مجينو” الذي تبنيه اسرائيل على حدودها الشمالية هو هضبة الجولان. هناك تدير اسرائيل وحزب الله – ايران منذ الان مناوشات تتخذ اشكالا مختلفة. فالاعمال النارية الاسرائيلية ضد الجيش السوري في الايام الاخيرة – كنتيجة لتسلل قذائف للاراضي الاسرائيلية – هي جزء من هذه المناوشات، في اطار الصراع على تصميم وجه هضبة الجولان في المستقبل.

يتبين أنه منذ أن وصل الجيش الروسي الى سوريا، لا تكف اسرائيل عن التعلم منه كيف تعمل قوة عظمى. واحدى الادوات التي يستخدمها الروس بشكل مستمر تسمى “القوة الرقيقة”: خداع، تضليل، حرب نفسية، اثارة النزاع بين اجزاء مختلفين من السكان. يوم الاحد من هذا الاسبوع مثلا، بعد أن قصف سلاح الجو وحدة للجيش السوري في القنيطرة، نشرت وكالة الانباء الروسية الرسمية بان الجيش الاسرائيلي هاجم مواقع لتنظيم ثوار جبهة النصرة. هذه ليست الحقيقة، ولكن ماذا يهم هذا؟ في الشيفرة الروسية يقول بلاغ من هذا النوع للسوريين: “نحن لا نعتزم ممارسة الضغط على اسرائيل في نزاعاتكم في منطقة القنيطرة. اما لاسرائيل فهو يقول: نحن نعترف بمصالحكم في هذه الجبهة.

اقرأ أيضاً : هل يقع السيد حسن نصرالله ضحية مناصريه؟

اسرائيل لا تفكر حقا بانه ستكون حرب في الصيف بسبب الجدار. اذا ما نشبت مواجهة، فهذه ستكون لاسباب اخرى. وهي ببساطة تعمل حسب النموذج الروسي كي تمارس روافع ضغط نفسية وسياسية. ففي الاسبوع الماضي يعرض سفير اسرائيل في الامم المتحدة، وبعده رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ابراج مراقبة لحزب الله ويشتكيان من قوة الامم المتحدة في لبنان بانها لا تقوم باعمال الرقابة كما ينبغي، بينما يثير مصدر عسكري هذا الاسبوع عنوانا رئيسا في الصحف يفيد بان الجدار هو ذريعة للحرب.

هذه ليست صدفة. توجد رسالة لحزب الله بانه اذا لم يخفض مستوى الجهود للاستيلاء على مواقع في هضبة الجولان فان من شأن اسرائيل أن تستغل ضعفه في جنوب لبنان كي تهاجم. كما أن هذه الرسالة تجدد لدى سكان جنوب لبنان، ولبنان بشكل عام، المعرفة بان من شأن حزب الله ان يجعل حياتهم جحيما. وهي تنقل الى العالم رسالة تقول: شددوا العقوبات على حزب الله، لان هذا هو تنظيم ارهابي يعرض استقرار المنطقة للخطر.

المشكلة مع الطريقة الروسية هي أنه في المجتمعات الديمقراطية من شأن رسائل شوهاء كهذه ان تصبح سهما مرتدا. فالجليل في حالة ازدهار. واجازة الصيف على الابواب. ومن شأن مثل هذه الرسالة ان تجفف الجليل. في اليوم الذي تظهر فيه الصورة الاولى للاشغال على الجدار – سيهرب الناس.

السابق
جو معلوف: تدخلات أدّت لإخلاء سبيل أصالة
التالي
سفير الإمارات: عقوبات جديدة سوف تفرض على قطر