عون: حرب سنوات مع الخارج ولا حرب ساعات في الداخل

ألقى الرئيس ميشال عون كلمة في إفطار بعبدا الذي شارك فيه كل من الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه برّي.

أيها الحضور الكريم
يقول نابوليون “إن السياسة هي ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والجغرافيا ثابتة لا تتغير”، وقدر وطننا أن يكون جغرافيا وسط منطقة بركانية، إن استكانت حممها لفترة فلتثور لفترات، وما بين استكاناتها وثوراتها يخط تاريخنا، مثقلا بأحماله، مثخنا بجراحه، وأيضا فخورا بإنجازاته.
في العام 1967 بدأت موجة قاسية من تلك الحمم، لا نزال نعاني من تداعياتها حتى اليوم، مع الحرب الإسرائيلية واحتلال ما تبقى من فلسطين وتهجير أهلها، ثم الاتفاقيات التي افتقرت الى بعد النظر فأسست الى صدامات مع الفلسطينيين بدأ على إثرها التشلع يضرب جسم الوطن، وأخذ يتسع ويتعمق بدعم من الخارج، حتى سقط لبنان في أتون حرب على مدى 15 عاما، كلفته أغلى الأثمان، بشرا وحجرا واقتصادا.
في العام84، عندما تسلمت قيادة الجيش كان تشلع الوطن في ذروته، كان هناك خمسة لبنانات، وكل منها مرتبط بدولة ما، ولا وجود للبناننا بينها، وأي عمل أمني نقوم به كان يصنفنا في خانة فريق ضد آخر. يومها توجهت الى العسكريين بالقول “عليكم أن تختاروا بين أن تكونوا مرتزقة للعبة دولية أو جنودا للوطن والهوية. خيارنا الوطن والهوية”.
هذا الخيار هو الذي رسم مسيرة حياتي السياسية، “لبنان اللبناني”، الذي لا “شريك له في أرضه ولا وصي على قراره”، وهو الذي وضعني في موقع المصطدم الدائم مع اللعبة الدولية وملتزميها.
أيها الحضور الكريم، لقد استعدت للحظات تاريخنا المؤلم لأقارن اليوم بالأمس، ليس لإثارة المشاعر لكن لأخذ العبر، فجغرافيتنا ثابتة ولا نزال في قلب البركان إياه، إلا أن لبنان هذه المرة استطاع أن يحمي نفسه منه ولم يسقط في أتونه، لأن ذاكرتنا التي حملت أحداث السبعينات وما تلاها، قد أعطتنا المناعة، وعلمتنا أن وحدتنا الوطنية هي صمام أماننا. نختلف في السياسة، نعم، نتجادل، نتنافس، نعم، ولكن سقفنا وحدتنا، ولا يجب أن نسمح لأي حدث أن يهددها. ومن غير المقبول ولا المسموح أن نسمع عند كل استحقاق سياسي أصواتا تهدد، تصريحا أو تلميحا، بالعودة الى الحرب.
جميعنا جربنا الحرب، عشنا مآسيها ونزفنا من جراحها، وبعضها لم يختم حتى اليوم.. وجميعنا نعرف أن لا حل يأتي من خلالها سوى المزيد من التدمير. لذلك، يجب على ذاكرتنا أن تبقى حية كي لا تتكرر الأخطاء، وما سبق وقلته أول أيام حرب تموز أعيده اليوم: “سنوات من الحرب مع الخارج ولا ساعات من الاقتتال في الداخل”.
ولتعزيز هذه الوحدة يجب سد الثغرات في نظامنا السياسي، وذلك من خلال إرساء حالة التوازن فيه، فنغنيه بجمع الإيجابي في خصائصنا بدلا من أن نفقره بطرحنا السلبي منها.

إقرأ أيضاً: الإسلاموفوبيا مرض عربي أيضاً

بعد سقوط الأحاديات المجتمعية، الدينية منها والسياسية والعرقية، وبعد ما نشهده في العالم اليوم من تطرف متبادل، حيث الغرب يعمم على الإسلام تهمة الإرهاب والإسلام يتهم الغرب بإطلاق وتغذية الإسلاموفوبيا، يبرز دور لبنان، وأيضا الحاجة الى هذا الدور.
فلبنان، بمجتمعه التعددي، الذي يجمع كل الأديان والمذاهب، لا يزال محافظا على توازن النظام وميثاقيته، حتى وإن كانت الانقسامات السياسية فيه تفسد هذه الصورة أحيانا عندما تتموه بطابع ديني بينما هي سياسية في مضمونها وحقيقتها، ما يسمح له أن يكون النموذج لكل المجتمعات التي تلفظ الأحادية وتتلمس طريق التعددية.
إن لبنان لم يكن يوما أرضا لصراع الحضارات والثقافات والأديان، بل على العكس، كان دائما أرض لقاء وتفاعل وحوار، لذلك هو الأقدر أن يكون في هذه المرحلة مركزا لحوار الأديان وأن يلعب دورا محوريا في إعادة وصل ما انقطع.وكلنا على يقين أنه إذا تشوه وجه الإسلام ينتهى الشرق، وإذا هجر المسيحيون منه تندثر الروح المشرقية القائمة على التعددية والانفتاح والتسامح الديني، وتنتصر الأحادية العنصرية المدمرة. لذلك علينا أن لا نستهين بدورنا أو نتهاون فيه، وهو الأقرب الى الرسالة منه الى الدور.

إقرأ أيضاً: هل الانتخابات النيابيّة قريبة؟

أيها الحضور الكريم
إن الهدف الأساسي لهذا العهد هو بناء دولة قوية، واستعادة الثقة كما يقول شعار الحكومة الحالية. فالشعب اللبناني مقتنع أن الدولة فاسدة بجميع إداراتها، وهو لا يوليها أي ثقة.
إن الدولة القوية التي تتمتع بثقة المواطن والتي نتطلع إليها
هي الدولةالصادقة بوعودها، التي إن وعدت وفت، وإن التزمت نفذت،الدولةالتي تكرس عملها لشؤون المواطن والوطن، فتبني اقتصاده، وتحفظ كيانه وسيادته واستقلاله، وتحمي حرياته.وإنجاز قانون الانتخابات، خلال الأيام الآتية، سيكون بداية استعادة الثقة لأنه سيبرهن عن إرادة تحسين التمثيل الشعبي وجعله أكثر توازنا، أفقيا بين مكونات الشعب اللبناني كافة، وعموديا داخل كل مكون بحد ذاته.
أيها اللبنانيون،
إن الدولة لا تبنى بين ليلة وضحاها، ولا تبنى أيضا بإرادة فردية. الدولة لن تقوم، والثقة لن تستعاد إلا بتضافر الإرادات الطيبة واجتماع النوايا الصافية لما فيه مصلحة الوطن. وكل خطوة على هذا الطريق هي نجاح لنا جميعا، وأي تراجع هو فشل لنا جميعا.
هي دعوة صريحة للجميع، أن تتقدم مصلحة الوطن على كل المصالح الأخرى، فتسهل عندذاك كل الحلول.
رمضان كريم أعاده الله عليكم بالخير والبركة.

السابق
القضاء وهو يتحول أداة ترهيب وتجاوز من قبل وزير العدل وحزبه
التالي
بعد افطار بعبدا: برّي «كل شي منيح» والحريري «اتفقنا على النسبية»