التنّين الصيني: الى الشرق الأوسط دُّر

جومانة نمور

إنها طريق الحرير الجديدة، أكثر المشاريع الصينية طموحا. مبادرة أطلقها الرئيس الصيني عام ٢٠١٣ تربط الصين بدول آسيا وأوروبا وإفريقيا، مرورا بأربعة وستين بلدا. وقد بدأ العمل عليها من خلال الاستثمار في العديد من مشاريع البنى التحتية من طرقات وجسور وأنفاق وسكك حديد ومرافئ. ومؤخراً، سُلّطت الأضواء على المبادرة بموازاة المؤتمر الذي خصصته الصين لها، وحضره تسعة وعشرون رئيس دولة، وممثلون عن مئة وثلاثين بلدا حول العالم.

يكتسب المشروع الصيني في مرحلة التغيير الاستراتيجي التي يمّر بها العالم هذه الأيام، أهمية خاصة، قد تضع المارد الآسيوي التاريخي مجددا في قلبه، إذا ما وجد طريقه الى التنفيذ المتكامل. وهنا تتعارض وجهات النظر، البعض يرى أن التأثيرات ستقتصر على الداخل الصيني، عبر تطوير الصناعة وتسهيل التجارة والوصول الى الأسواق ما يساعد على حلحلة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. فيما عين البعض الآخر خارج الحدود، حيث يمكن أن يتيح المشروع للصين دورا أكبر على مسرح السياسة العالمية، وتمددا للنفوذ وسطوة لن تقتصر على الاقتصاد.

الهدف الصيني المعلن، هو الدفع باتجاه التعاون الاقليمي والدولي، وتحقيق مصالح متبادلة، واستخدام التنمية كمفتاح لحل المشاكل. عمليا، يهدف المشروع الى خلق ممراّت إقتصادية آمنة، وبدائل تستخدمها الصين في تجارتها مع العالم بشكل يضمن مصالحها، بصرف النظر عن أي صراع أو نزاع (خاصة قي بحر الصين الجنوبي). وقد تتيح السيطرة على تلك الممرات للصين موقع الطرف الذي لا يمكن الاستغناء عنه، في عالم ينحو أكثر وأكثر صوب الاعتماد على الاقتصاد محركا أساسيا لتطوره وصيرورته وتحديد سياساته. موقع يثير مخاوف العديد من الأطراف.

الأطراف المعنية وأبرز التحديات

تأتي الهند على رأس قائمة المتخوفين من الحزام الصيني المفترض، وهي كانت الغائب الأكبر عن المؤتمر الأخير. فبعد أن فرضت الصين نفسها قوة إقتصادية من الصعب منافسة بضائعها في شبه القارة الهندية، ها هي تبرم اتفاقات ثنائية مع باكستان، الجار اللدود للهند، وتعمل على ممر اقتصادي يمر عبر كشمير. وهنا انقسام بين المحللين الهنود في توصيف ذلك، أهو فرصة اقتصادية تاريخية، أم تهديد استراتيجي؟ خاصة بعدما تم استقطاب دول مثل النيبال التي وقعّت على المبادرة قبيل المؤتمر، بالاضافة الى الخشية من علاقات وثيقة مع دول جنوب آسيا يترافق مع حضور دائم في المنطقة.

من المتخوّفين أيضا اليابان. فالى جانب أزمة الثقة والصراع التاريخي بين البلدين، هناك خشية من تمدّد النفوذ والمنافسة الاقتصادية، إلا أن ذلك لم يمنع اليابان من المشاركة في المؤتمر. أما روسيا، فقد شاركت على أرفع مستوى بشخص الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، رغم القلق الروسي من الوجود الأمني المتنامي في دول الاتحاد السوفياتي السابق، ومن التغلغل الصيني في مناطق النفوذ الروسي، ومن منافسة طريق الحرير لمشروع بوتين المتعلق بتكامل أوراسيا.

في الاتحاد الاوروبي الذي يعاني من خلافات متصاعدة وتحديات جمة، يختلف الموقف من المشروع بين دولة وأخرى، بعضه قلق مما يحمله المشروع الصيني، ويطالب الالتزام بمقاييسه وبتجارة عادلة وحرة، (المانيا، بلجيكا..) وبعضه الآخر يرى فيه فرصا لتحديث البنى التحتية، وتحفيز الاقتصاد، رغم الخشية من المنافسة (أوروبا الشرقية، اليونان، اسبانيا..). وهنا إشارة الى أن الصين، تنظر الى أوروبا بوصفها بوابة أسواق صينية جديدة، وبنفس الوقت مصدرا لتلبية احتياجات تقنية تحتاجها الصناعة الصينية وقطاع البحث والتطوير. في حين وصفت بريطانيا الصين بالشريك الطبيعي في التجارة والاستثمار.

الولايات المتحدة الاميركية شاركت بدورها في المؤتمر، وقد تباينت التعليقات على ذلك بين من اعتبر ان التعاون يبقى ايجابيا، وآخرين رأوا فيها خطأ استراتيجا. وقد كان ملفتا ملاحظة أوردتها صحيفة «نيويورك تايمز» مفادها أن انسحاب الرئيس ترامب من معاهدة الشراكة عبر المحيط الهادئ، رمت بالمنطقة في أحضان الصين.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الذي حضر المؤتمر، رأى أن المشروع واحد من أهم المشاريع المستقبلية العالمية، وهو سيفسح الطريق أمام حقبة جديدة تتيح التعاون بشكل يسمح بالقضاء على الارهاب، واعدا بكل مساعدة تركية ممكنة. في حين أن إيران كانت حاضرة أيضا، علما أن أول قطارات طريق الحرير الجديدة كان حط رحاله في إيران.

إقرأ أيضاً: الحل في الشرق الأوسط سياسي بين إيران والعرب

عربيا، اقتصر الحضور في المؤتمر على السعودية التي يمر الحزام الصيني قبالتها في البحر الأحمر، وهي كانت أيدت المبادرة وتحدثت عن دمجها في رؤية ٢٠٣٠، وعلى مصر، حيث لقناة السويس حيثية في المبادرة الصينية. ما يطرح تساؤلا عن احتمال مشاركات فعالة مستقبلية تحاول استحضار دور تاريخي لعبه العرب في طريق الحرير القديم.

وبين من يعتقد أن المشروع لن يتخطى كثيرا الاطار النظري وهدر الاموال، ومن يشبّهه بخطة «مارشال» التي وضعت اللبنة الاساسية لتطور أوروبا، يبقى النظر بواقعية الى صعوبات تقف عائقا أمام التنفيذ، الا أن تخطيها ليس مستحيلا.

قد يكون من أبرز الصعوبات، العراقيل التي من المتوقع أن تضعها الدول المتخوفة، مثل خلق اضطرابات بهدف تطويع المشروع لبعض مصالحها إن لم تنجح بالوقوف بوجهه، أو عقبات قد تكون سياسية أو قانونية أو بيروقراطية..الخ وهذه ستتطلب من الصين تعديل بعض السياسات والكثير من الليونة لتحاول التلاؤم مع نظام عالمي متغير، فهل تكون مستعدة لذلك؟

موقع المنطقة من المشروع

السؤال الأهم ما الذي يمكن أن يعنيه نجاح الصين بمشروعها بالنسبة الى المنطقة العربية ـ الاسلامية؟ (من الهند الى باكستان وإيران وتركيا والعالم العربي). كيف سينعكس دخول الصين من بوابة الاقتصاد على طريق حريرية الى منطقة الشرق الأوسط؟ هل ينتج عنه صراع على النفوذ مع الغرب الذي أحكم قبضته لعقود وما زال؟ وكيف سيكون شكل صراع من هذا النوع؟

في أدبيات المشروع، ركزت الصين على نيتها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول المعنية، وعلى التنمية والسلام والمصالح المشتركة المتبادلة. ومن مقر الجامعة العربية أشار الرئيس الصيني، في خطاب له العام الماضي، الى تجاوز حواجز الزمان والمكان ومشاركة بلاده بشكل أكثر إيجابية في شؤون الشرق الأوسط بما يؤدي الى جعل الأصدقاء القدامى أكثر قربا.

إقرأ أيضاً: روسيا والصين وإيران.. «مقتل» ترامب؟
إنها القوة الناعمة تلك التي تعتمدها الصين استراتيجية لها. قوة تسير وفق قوانين عصر العولمة القائمة على الأسواق المفتوحة أمام الشركات العملاقة والبضائع، قوة قد تسمح لها بالسيطرة على أوراسيا (أوروبا-آسيا)، وكما يقول ماكيندر“من يحكم أوراسيا يحكم العالم”. وغني عن القول إن المنطقة العربية-الاسلامية تقع في قلب القارة الأوراسية، وفيها مخزون من النفط تتعطش اليه القوى الآسيوية الثلاث الصاعدة ( الصين، الهند واليابان)، فهل يكون الحرير طريقا لتنافس ايجابي بين هذه الدول على كسب ود المنطقة؟ وهل ينتج عنه تقهقر غربي للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الأولى؟

الأمل أن يكون التنافس المقبل المتوقع إيجابيا في منطقة عانت وما تزال الكثير، وأن يحمل معه تنمية منشودة تؤمن البنية التحتية لتعاون بين دول وقوميات المنطقة، أضحى مطلوبا أكثر من أي وقت مضى.

السابق
أمن موسكو سيأتي الخير: بوتين يعترف بالقدس
التالي
حسين مرتضى للحريري: هل تستطيع الوقوف إلى جانب من يذبحون على يد بني سعود!