الحل في الشرق الأوسط سياسي بين إيران والعرب

لم توفر قوات مكافحة «داعش» وسيلة عسكرية إلا واستخدمتها من الدعم الجوي والمدفعي واللوجيستي. وتتعاظم الحاجة إلى تعزيز القوات البرية المؤلفة من الجيش العراقي والمقاتلين الأكراد. فهذه القوات هي من سيمسك بمقاليد الموصل. وقوات التحالف استعادت شرق المدينة ونصفها الغربي، ولكن التعب أصابها. والمعضلة هي جواب السؤال: هل يُترك مخرج أمام مقاتلي «داعش» لمغادرة الموصل إلى سورية أم لا؟ وهذه مسألة حيوية واستراتيجية على المستوى العسكري. والعراقيون والأميركيون لا يريدون إغلاق كل المنافذ أمام المقاتلين ليتوجهوا إلى سورية من العراق. فهذا التكتيك جسر إلى استعادة سريعة للمدينة. فيسعهم تالياً التبجح بهزيمة التنظيم الإرهابي وإحراز نصر رمزي. وفرار المقاتلين ال«داعش»يين إلى سورية يفاقم مشكلات نظام الأسد والروس والإيرانيين. ولكن مصلحة هؤلاء (أي النظام السوري وروسيا وإيران) تقضي بغلق «باب» الموصل للقضاء على أكبر عدد من المقاتلين «الجهاديين».

والطريق أمام مقاتلي «داعش» إلى شرق الموصل موصد، فهذه المناطق يسيطر عليها الإيرانيون والنظام العراقي. وليس في مقدورهم التوجه إلى الشمال، حيث ينتشر الأتراك والبشمركة، ولا إلى الغرب حيث الروس وجيش بشار الأسد. والجهاديون المحليون هم حوالى نصف مقاتلي «داعش». ولا خيار أمام المقاتلين الأجانب غير التوجه إلى الجنوب، وهذا يقلق الأردن ومصر ودولة عربية بارزة. ولا يصب التحرير السريع لمعقل «داعش» في الموصل في مصلحة أي من دول المنطقة.

إقرأ أيضاً: النهايات التدميرية للأيديولوجيا الإيرانية

وتقيد المنافسات الجيو – سياسية الإقليمية عملية تحرير الموصل. فمصالح القوى متباينة. والتنافس على المثلث الاستراتيجي الموصل – الرقة – دير الزور، محتدم. فكل القوى تريد ترجيح كفتها والحؤول دون سيطرة خصومها الإقليميين. وإيران والعراق في عجلة لاستعادة الموصل وإعلان النصر، ولكن هذه ليست حال الأتراك والروس الذين يخشون عودة المقاتلين إلى سورية. ويسعى الإيرانيون إلى جسر بري مباشر إلى المتوسط لتوريد المشتقات النفطية إلى أوروبا. وفي الرقة، يشل حركة الأتراك الروس والأميركيون. فالروس لا يرغبون في أن يكون وزن تركيا راجح في المفاوضات المستقبلية، لذا، يحولون دون تقدمها في الرقة. ووراء رغبة الأميركيين في سيطرة قوات البيشمركة على الرقة أسباب سياسية. ولكنهم يحتاجون إلى تركيا للسيطرة على الحدود وإذا احتاجوا إلى إمدادات في عملية تحرير الرقة.

إقرأ أيضاً: هل بدأ بشار الأسد يشكل عبئا على روسيا وإيران؟

وغَرَض تركيا في الموصل تاريخي، لذا تحظر كل من طهران وواشنطن على أنقرة دخول الموصل مخافة أن تحكم سيطرتها، من جهة، وتستسيغان تشريع أبواب الموصل أمام الجيش العراقي، من جهة أخرى. ولا أحد يدري على أيه وجه تدبر الموصل بعد تحريرها. فإثر القضاء على «داعش»، سيتواجه اللاعبون المحليون، ويجبهون طموحاتهم المتباينة، سواء كانوا عراقيين أم سوريين أم إيرانيين أم أتراك أم روس وكل من يدعم الميليشيات السنية. وهذه حال ولاّدة أزمات، وتقتضي حواراً سياسياً بين اللاعبين الإقليميين. والسيطرة العسكرية على معاقل «داعش» لن تذلل الأزمة الإقليمية في غياب حل متفق عليه بين القوى المحلية على مصير مستقبل السنّة السياسي في العراق والأكراد في سورية. والحق يقال الحلول العسكرية تطفئ نيران حرائق على الأمد القصير، ولكن إخمادها ونزع فتيلها يقتضيان حل الأزمة حلاً طويل الأمد، أي جمع اللاعبين الإقليميين لبلوغ تسوية. ومثل هذه التسوية أمكنت في رئاستي رفسنجاني وخاتمي (1989 و2005).

السابق
جبهة النصرة تعتقل مدمر دبابات النظام «سهيل أبو التاو»
التالي
Mosco, Bashar, and the chemical Trifecta!