من يكسب في انتخابات إيران: العقلانية أم الشعبوية؟

الانتخابات الايرانية
كما كان متوقعا، فقد اخذ المشهد الانتخابي في ايران شكله النهائي وبات المرشحان الرئيسيان منذ اليوم وجها لوجه في المعركة التي تتجه لمزيد من الاحتدام في الايام المتبقية قبل الوصول الى ساعة الصفر وفتح صناديق الاقتراع يوم الجمعة في 19 الشهر الجاري.

وما الاحتفاظ باستمرار المرشحين الاخرين، اي مصطفى مير سليم عن حزب المؤتلفة المحافظ ومصطفى هاشمي طبا الاصلاحي سوى في حدود الحفاظ على الصورة والمظهر العام للعملية الانتخابية وحتى لا يقال انها اقتصرت على مرشحين فقط، وقد يكونا في لحظة ما حاجة من اجل الجولة الثانية في حال لم يستطع اي من المرشحين حسم المعركة من الجولة الاولى.

النظام او الدولة العميقة التي تشكل المؤسسة العسكرية ونظام المصالح اعمدتها الرئيسة كشفت منذ امس كل اوراقها ووضعت كل ثقلها وما تملكه من نفوذ لتحقيق الفوز من الجولة الاولى وايصال مرشحها ابراهيم رئيسي الى السلطة. ولم تتردد في وضع كل السيناريوهات التي تحقق لها هذا الهدف، من تحشيد الجهود بين الكتل والاحزاب المحافظة لتأكيد الدعم له وتجلت في القضاء على طموحات عمدة طهران الجنرال محمد باقر قاليباف واعدام فرصه في الوصول الى سدة الرئاسة للمرة الثالثة التي يترشح فيها لهذا السباق.

ولعل الاخطر في اللعبة الانتخابية للتيار المحافظ ما يمكن تسميته بالخطاب الشعبوي الذي قد لا يكون نافعا بدرجة كبيرة في المدن الكبيرة، الا ان نسبة مؤيديه تزداد كلما ابتعدنا على مراكز المدن الكبيرة في المحافظات باتجاه الريف، وهو الرهان الاكبر لهذا التيار الداعم لرئيسي في استعادة السلطة من التيار الاصلاحي والمعتدل، وفي هذا الاطار وبناء على نشره موقع “تسنيم” الاخباري التابع لحرس الثورة الاسلامية من ان الارياف والمدن الصغيرة تشهد ارتفاعا كبيرا ومتسارعا في نسبة تأييد المرشح ابراهيم رئيسي” وهذا التركيز او محاولة تسويق مسألة ارتفاع نسبة تأييد رئيسي في الارياف والمدن الصغيرة يدفع على الاعتقاد بان معركة حسن روحاني تبدأ من الريف وليس من المدن، وان الخطر الكامن والمصيري الذي يتهدده سيأتي من اصوات الارياف والمناطق البعيدة عن مراكز المدن، لان امكانية تسويق الخطاب الشعبوي في هذه المناطق اكثر سهولة منه في المدن الكبيرة، وان ما يتم الترويج له من رفع قيمة المعونات المالية ثلاثة اضعاف من قبل رئيسي يستهدف بالدرجة الاولى هذه الشرائح التي تعتبر بالحد الادنى امية سياسيا، ولا يعنيها من العملية الانتخابية المشروع الاقتصادي العام للدولة بقدر ما يعنيها المشروع الاقتصادي الخاص بها، وانها مع رئيسي ستحصل على مداخيل مالية مجانية اكبر مما حصلت عليه مع روحاني او ستحصل عليه في حال استمراره، وان هذا المبلغ قد يوفر لها راحة اقتصادية ويقلل من سعيها وراء مصادر دخل في ظل تراجع فرص العمل، من دون التفكير بالعواقب الاقتصادية التي يحملها مثل هذا الطرح على البلاد اولا وعلى هؤلاء انفسهم ثانيا.

إقرأ أيضاً: إيران… قراءة افتراضية لوقائع انتخابية

ما بين خطاب روحاني الاقرب الى العقلانية في مختلف الابعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وبين خطاب رئيسي الذي يعيد انتاج خطاب محمود احمدي نجاد وبالادوات نفسها التي انتجته سابقا، يمكن اعتبار انسحاب قاليباف لصالح رئيسي يصب في سياق استكمال الحلقة الشعبوية حول هذا المرشح الى جانب سعيد جليلي وكل فريق احمدي نجاد الوزاري الذي يتولى حاليا مفاصل المسؤولية في مكتبه وحملته الانتخابيين.

إيران

في المقابل فان انسحاب اسحاق جهانغيري، وان كان متوقعا منذ البداية خاصة وان الاخير دخل السباق بهدف واضح وبناء على اتفاق مسبق ليكون ظلا ومساعدا لروحاني في مواجهة خصوم لا يتوانون عن استخدام اي وسيلة لتدمير خصمهم، فان يأتي في لحظة حاسمة بعد ان ادى الدور والمهمة المخطط لها حيث تولى الرد العلمي على كل ادعاءات المحافظين الاقتصادية والادارية، وبالتالي وفر الكثر من العناء على روحاني في الدفاع عن برنامجه الانتخابي.

إقرأ أيضاً: تركيا وفرنسا وإيران: انتخابات على وقع الدماء السورية

وعلى الرغم من ان التقديرات واستطلاعات الرأي المحايدة تذهب الى الاعتقاد بامكانية فوز حسن روحاني من الجولة الاولى، في مقابل تأكيد احصاءات رأي مؤيدة للمحافظين تؤكد فوز مرشحهم رئيسي من الجولة الاولى ايضا، الا ان الشارع الايراني يعتقد انه ما لم تحدث تتطورات مفاجئة يمكن وصفها بوصف “هندسة النتائج” على غرار “هندسة الجينات” فان الرئيس المقبل لن يكون سوى روحاني، لكن المخاوف من قيام النظام بالتدخل لصالح رئيسي من بوابة اصوات الريف والمناطق النائية، وبالتالي فان الفائز سيكون رئيسي بمساعدة…

ما بين هذه التأكيدات المحافظة من جهة ومخاوف الاصلاحيين الممزوجة بامكانية الفوز من جهة اخرى، قد يكون من الصعب ترجيح كفة اي من المرشحين للفوز قبل الانتهاء من عملية الاقتراع وفرز الاصوات، وحتى لا تكون هناك نتائج مفاجئة سيبذل كلا الفريق كامل جهدهما لمنع اي تدخلات او محاولات تأثير على مسار الاقتراع، بانتظار يوم السبت، ثم اليس السبت بقريب!

السابق
شيطنة جبران باسيل!
التالي
ترامب سيشكّل «ناتو أميركي اسلامي» مع السعودية لمجابهة ايران