نظام الحدود في الاسلام وجهة نظر فقهية معاصرة

محمد حسن الامين

من الملاحظ والمثير للاهتمام ان الجمهورية الاسلامية الايرانية التي وضعت دستورها وقوانينها وفقاً لقواعد الشريعة الاسلامية، أدركت وفقاً لاعتبارات وظروف العصر الذي نعيش فيه يقتضي إعادة النظر في مسائل وقضايا اقتصادية وجنائية بما يتناسب مع العصور السابقة، ولكنه لا يتناسب مع عصرنا الراهن، ومنها على سبيل المثال النظام الاقتصادي ونظام المصارف الذي لم يخرج إلا من الناحية الشكلية أحياناً عن الأنظمة المعمول بها في عالمنا المعاصر، ويمكن الاشارة هنا إلى ما يسمى بالفائدة المصرفية والتي تعمل بها المصارف الايرانية ولكن تحت تسمية تقديم أجور عن الخدمات المالية التي تقوم بها هذه المصارف كما أنها تخلت عن بعض الحدود المنصوص عليها وخاصة حد السرقة، فقد اعتبرت ان المقصود من هذا الحد هو الردع لا العقوبة المنصوصة بذاتها (أي قطع يد السارق) واستندت في ذلك إلى أمرين، منها أن الحدود تدرأ بالشبهات، ومنها عدم التقبل مثل هذه الحدود في قيم عالمنا المعاصر وما يعود من تطبيقها على المواطنين وفق النصوص الشرعية بالسمعة السيئة لقوانين الاسلام، والأهم من ذلك هو إعادة النظر بالغايات والاهداف التي وضعت لها هذه الحدود، وهي لا شك تنحصر بهدف الردع عن ارتكاب الجرائم التي استوجبت هذه الحدود، وبما ان للردع وسائله المتعددة الأخرى، فلا ترى مانعاً من اعتماد هذه الوسائل الأخرى لأنها تؤدي إلى الغرض نفسه – أي إلى ردع المنحرفين – من جهة ومن جهة أخرى ان هناك قاعدة واضحة في الاسلام تنص على ان الحدود تدرأ بالشبهات، ولذلك فإن تطبيق هذه الحدود بنصها يمكن أن يقع دون الأخذ بقاعدة ان الحدود تدرأ بالشبهات ومن جهتنا فإننا نوافق هذا الرأي ونؤكد ان الحدود بذاتها ليست مطلوبة بالقدر اللفظي لهذه الحدود الغاية منها الردع الذي يمكن تأمينه وتوفيره في عقوبات عديدة أخرى، ويمكننا أن نستلهم أو نستشف موقف الاسلام من هذه المسألة من كون الاسلام وضع شروطاً قد لا يمكن تحقيقها لإقامة بعض الحدود، كحد الزنا مثلاً الذي يتطلب إيقاعه حضور أربعة شهود يشاهدون عملية الزنا بتفاصيلها، وبأن حد السرقة لا يُصار إليه في حال وجود مجاعة أو ظروف شاقة ترتكب فيه السرقة لا بدافع الانحراف وإنما بدافع الحاجة الشديدة لسد ضرورات لا يمكن سدها بالوسائل المحللة.

وأشير في هذا المجال إلى مرحلة من مراحل التاريخ الاسلامي كما في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عندما أوقف حد السرقة في عام المجاعة، ووافقه على ذلك الصحابة، مما يدل ان الاسلام متشدد أولاً في شأن إقامة الحدود، وبما يوحي بأن الحدود لم تشرع كأهداف في ذاتها، وإنما كوسائل للردع، على أننا نميز بين الحدود المنصوص عليها فتوى ان جريمة القتل العمدي والقصدي لا يمكن رفعها ذلك للتشديد القرآني الكريم على فظاعة مثل هذه الجريمة. بقوله تعالى: ((من قتل نفساً بغير نفسٍ فكأنما قتل الناس جميعاً)).

وفي هذا المجال أود أن أشير إلى ان الاسلام هدفه صلاح المجتمع.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: شعار «الصليبيون» تحريضي عفا عليه الزمن

وفي روح الاسلام وشريعته ما يؤكد ان الأساس في شريعته وفي قيمه ومبادئه وأخلاقه إنما يهدف إلى نفي القيم المرذولة ونفي العدوان، وتعميم قيم الخير والحق بين أفراد المجتمع. فإذا أمكن أن يذهب المسلمون إلى إقامة مؤسسات تعتني بإصلاح المنحرفين، وتخريج هؤلاء من هذه المؤسسات كبشر أسوياء وصالحين، فإن الاسلام لا يمنع من ذلك فحسب، بل يحث عليه، وإذا ثبت ان المؤسسات الاصلاحية هي الأقدر على تقويم سلوك بعض المنحرفين أو المتجاوزين لقيم المجتمع الصالح فطبيعي ان الشرع الاسلامي يقدم هذا السلوك على سلوك العقوبات التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الانحراف، هذا هو في رأينا هدف الشرع ومقاصد الشريعة على ن ذلك لا يمنع من إيقاع القصاص في الحالات التي لا ينفع فيها الإصلاح، والتي يكون فيها أمر الاصلاح ميؤوساً منه، كجريمة القتل المتعمد والتي لاحظنا ان كثيراً من الدول الغربية ألغت عقوبة الإعدام، ونحن غير مقتنعين بجدوى إلغاء هذه العقوبة فهي عقوبة عادلة وضرورية وليس صحيحاً كما يشاء من أنها غير رادعة، كما أنها عقوبة عادلة وهل يوجد عدالة في مثل هذه الحالة، كأن يقتص من القاتل المتعمد وبدون سبب بالوسيلة نفسها التي ارتكب فيها جرمه وألغى حياة إنسان آخر، فهو إذن يُعاقب بمثل ما اقترف، وهذا عين العدل والصواب.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الدين يفقد معناه اذا لم يحارب الظّلم

يبقى أن نشير إلى ان الاسلام شرّع القصاص لأن هدف الشريعة الاسلامية – كما أشرنا سابقاً – فإنه ترك للحاكم أو القاضي أمر تقدير القصاص ونوعيته حسب الجريمة التي تستوجب هذا القصاص، بما يدل على ان الشريعة أعطت للمجتمع عموماً ولولاة الأمور أمر تقدير كثير من القضايا وفيها أمر تقدير القصاص الملائم والمناسب وفق مفاهيم وقيم العصر الذي يختلف غالباً عما سبقه من العصور.

وأخيراً فإن الدين الاسلامي لم ينـزل ليقيض تقييضاً تاماً ودائماً بصيغة محددة، ويدل على ذلك قوله تعالى: ((وأمرهم شورى بينهم)) فلو اقتضى التشاور بين المسلمين إلى تعطيل شيء من الاحكام الظاهرية بسبب الاضرار المادية أو المعنوية المترتبة عليه، فإن قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) تغدو قاعدة كافية للنظر في كثير من الأمور ومنها موضوعنا هذا الذي بحثنا فيه مسألة الحدود في الاسلام.

السابق
النائب السابق صلاح الحركة يقدم اقتراحين لحل معضلة الانتخابات
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم السبت في 22 نيسان 2017