عائلات سورية فككتها سجون الأسد

يتبنى العالم حقوقاً للإنسان ، ومنها حق الحياة وحق الحرية ،لكن هذين الحقين يقابلان ببنادق الظلم وحديد الزنزانات، و يعلو الظلم عرش المملكة، ويتعالى حقد الطغاة فيقابله أنين الألم الراسخ في كل زاوية من سورية.

تلك القضبان الحديدية والأبواب الموصدة، تختزل كل الحكاية وكل الألم وتفصل العالم قسمين، ويغدو المسافر آلاف الكيلومترات أقرب من ذاك الذي يقبع خلف القضبان..
هم ليسوا عشرات وليسوا مئات هم ألوف يقبعون في سجون آل الأسد، وصيغت لهم جرائم لم يسمعوا بها من ذي قبل ، وعندما كان العالم أجمع يبني سجوناً كان آل الأسد يبنون قبورا، لا تناسب بحال من الأحوال جنس البشر، ناهيك عن طرق التعذيب المبتكرة يومياً، وعن كل الأسى والحزن الجاثم على صدور هؤلاء المظلومين.

اقرأ أيضاً: السجون السرية في سورية «صندوق أسود» يخبئ فظائع نظام الأسد

ولا شكّ أنّ لكل إنسان الحق بأن يكوّن و يبني أسرة ويربي أطفالا، وتتفق على ذلك كل الأعراف والأديان والملل والنحل، بل إن البنون هم زينة الحياة الدنيا،كما وصفهم الله جل جلاله، لكن أبى آل الأسد وأتباعهم إلا أن يعكروا صفو الحياة في سورية، فوضعوا حاجز الصمت والحديد بين الأب وابنه وأهله وعائلته.
وكما هو معلوم عن سجون الأسد، السجين إما مغيب مختفي أو ممنوع من الزيارات أو تم إعدامه، و خلف القضبان تارة يقبع الأب مخلفاً أطفاله دون معيل لهم، يحمل همهم وهمه، ويتمنى أن يراهم ولو لدقيقة واحدة، في سجون قد يكون أكبر همك أن تنتظر لعدة أشهر زيارة قد لا تتجاوز دقيقتين فقط.
كل الهموم تعتلي المعتقل عند التحقيق معه بشأن أطفاله، أحد السجناء خضع للتحقيق وطلب منه أن يفصح عن أسماء أولاده وأعمارهم، وبعد الضرب يجيب فيقول له المحقق سنغتصب أولادك أمام عينيك.
وتارة ثانية يقبع الإبن خلف القضبان ليبحث عنه والده، يبذل الغالي والنفيس كي يعرف شيئاً عن ابنه، ولكن إن كنت في دولة آل الأسد فانس سؤالك عن الذي خلف القضبان.
هذه الأخت “أم عبدو” تذرف كل يوم دموعاً على ولدها الذي لا تعلم مصيره المجهول، فتقول بحرقة القلب “ابني لا أعرف عنه أي شيء منذ حوالي أربع سنوات، حاولنا أن ندفع أموالاً ودفعنا الكثير كي نعرف عنه أيّ معلومة لكن عبثاً، خرج أحد الأشخاص وأخبرنا أن ابني “ع.إ” موجود في أحد سجون الأسد، أسرعنا بالذهاب إلى السجن ،لكنهم أنكروا وعدنا عدة مرات لكن لا فائدة..
ثم سلمت أمري لله.. “.

وهذه “أم محمد” تبكي ابنها المعتقل حديثاً في سجون الأسد، فتقول”كل ما اعلمه عنه أنّه اعتقل على حاجز تابع للنظام، لا أعلم أين هو، نبحث عنه في كل الأفرع، فيجيبونا لايوجد هذا الاسم لدينا”.

وعلى لحن آخر يعزف أطفالاً لم يروا آبائهم يعزفون سمفونية في الحزن و الألم، ويقف بعض الأطفال حائرين أمام رفاقهم لدى سؤالهم أين والدك؟ وهل ترك آل الأسد جواباً، فالسجين عندهم يحمل ألف تهمة، وجريمة، يكتنفه الخجل أن يقول أبي في السجن، تلك الكلمة التي تعني عالميا أن السجين هو المجرم، على عكس ما قد تعنيه في سوريا فيكون السجان مجرماً.
السجين “ع.ح” اعتقل من حيه منذ حوالي ست سنوات تاركاً خلفه زوجة وثلاثة أطفال، أليس من حق هؤلاء الأطفال أن يشعروا بذرة من الأمان بوجود أبيهم ؟!
ما يقارب الست سنوات غيب المعتقل “ع.ح” عن الأنظار وغداً مصيره مجهولاً كما الكثير غيره. وفقد أبناؤه الأمل بعودة والدهم إلى منزله مرة أخرى.
ويقف ضمير الإنسانية حائرا، وتسيل دموع العين مجبرة، ويكاد القلب يتوقف حزناً وألماً، أمام كلمات الطفلة” أنا بدي بابا، بس بدي شوفه متل كل رفقاتي، شو ذنبنا نحن؟!! شو عملنا نحن؟!!”.
ماذا عسانا أن نجيب هذه الطفلة في زمن غابت فيه الضمائر وأصبحت في عداد الموتى.
وعلى العكس ما نتوقعه.. أننا يجب أن نزرع الأمل في نفوس أطفال المعتقلين، باتوا هم من يزرعوه لنا، فتجد نفسك حائراً أمام ظلم الطغاة وحديد القضبان الذي لا يرحم إنسان، الطفل “م” يزرع في نفوسنا قبل نفسه أملاً بجيل لا يهاب أحداً إلا الله فيقول “أنا أفتخر أن أبي بالسجن، السجن للرجال، وأفتخر أن أبي ضد بشار الأسد، وأنا سأكمل الطريق حتى يموت الظالم. و أحرر أبي من السجن”.

اقرأ أيضاً: المرأة السورية في السجون

وأخيراً (لا يفنى الحق في قوم وفيهم رجل مطالب) تبقى مسؤولية هؤلاء الأطفال ورعايتهم وعنايتهم و مساعدتهم رهينة المجتمع الإنساني وكل المنظمات التي تدعم حقوق الطفل، فبأي ذنب تزر الوازرة وزر الأخرى؟! وتبقى قضية المعتقلين هي المحورية في كل من له ضمير ويدعي الإنسانية، أمام وحوش البشر الذين ينتقمون من السجين وأهله وأطفاله.

السابق
ماذا تفعل الطائرة الأميركية في مطار رياق؟
التالي
أميركا تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة في سوريا