تمزّق الهوية اللبنانية من سنّة «أردوغان» إلى شيعة «خامنئي»

فيما كان الأتراك يخوضون استحقاقاً حول تعديلات دستورية تنقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، كان اللبنانيون ولا سيما داخل الطائفة السنية منهم ينظرون الى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كزعيم يوازي زعيمهم ويتفوق عليه.

المشهد التركي لم يكن فقط في تركيا بل كان للبنان الحصة الأكبر، صور لأردوغان جمعته مع الرئيس سعد الحريري او اللواء أشرف ريفي.

تفاعل الشارع السني مع هذا الاستفتاء كان مبالغاً به، إذ بدأت محاولات تجيير الانتصار الذي حققه الرئيس التركي لصالح تيار المستقبل وأنصار اللواء، وكلّ كان على “بروباغندا” الانتصارات يغني كما يحلو لهواجسه السياسية!
إلا أنّ هذه الهمروجة تطرح عدة تساؤلات حول دلالة هذه المظاهر وعلاقتها بالتفكير السياسي لهذه القوى وحدود هذه الظاهرة.

في هذا السياق أكّد منسق التحالف المدني الإسلامي في لبنان الأستاذ أحمد الأيوبي أنّ “هذا الموضوع له بعدان، البعد المحلي الذي يتمثل بالإحساس لدى عموم السنة بالفراغ في القيادة مع أنّ الرئيس سعد الحريري اليوم يحاول استعادة الثقة على مستوى الشارع السني وعلى مستوى الوطن، ولكن لا يمكن أن نتجاهل واقع انّ هذا الشارع يشعر بفراغ شديد لاسيما في ظل تعاظم نفوذ حزب الله في البلد، هذا ما يخلق حاجة معنوية لدى المواطنين إلى مرجعية تأوي إليها ولو على المستوى المعنوي في ظل الظروف الراهنة”.

مضيفاً “على المستوى الخارجي تركيا طرف أساسي في الصراع القائم ببعده الإيراني – السني، وبالتالي كان هناك خشية عند الجمهور السني في لبنان وفي العالم العربي، أنّ خسارة اردوغان هذا الاستفتاء سوف يؤدي إلى إصابة السياسة التركية بنكسة، كما كانت اللحظة التي حصل بها الانقلاب الأخير، حيث أنّ جمهور الممانعة و وسائل إعلامها في الإنقلاب سارعوا إلى الاحتفال ونسج السنياريوهات حول تداعيات نجاح الانقلاب على حزب العدالة والتنمية، في حين كان الجمهور السني مترقب ومتحفز ومحتفل بشدة بنجاة أردوغان منه، ما يحدث هو نفسه الآن ولكن باستحقاق آخر”.

وعن الاختلاف بين مشهد أمس وبين مشهد التابعين لولي الفقي حينما يرفعون صور خامنئي أوضح الأيوبي أنّ “تركيا في لبنان لا سياسة مباشرة لها وأتباع في حين أنّ خامنئي لديه جيش منظم ومعسكر وما إلى ذلك، التعاطف مع أردوغان يعكس اشكالية في الهوية ولكن ليس بذات المستوى الذي ينجرف فيه الجمهور الشيعي المتاثر بحزب الله، هناك نوع من التعاطف لدى الجمهور السني ولكن ليس على حساب الهوية الوطنية”.

 

 

وختم الأيوبي أنّ “التحالف المدني الإسلامي يعتبر أنّ التجربة التي خاضها الشعب التركي هي تجربة ديمقراطية وإيجابية نتمنى أن يتعلم منها اللبنانيون والعرب هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية نرى أنّ هذا التراكم الذي يقوم به حزب العدالة والتنمية على مستوى الحكم هو تجربة رائدة للحركات المتأثرة بالتجارب الإسلامية، بما معناه أننا أمام مسار يقود دولة ضخمة على مستوى الإقليم تنجح فيه حركة ذات جذور وخلفيات اسلامية بالمواءمة ما بين المدنية و ما بين الهوية الحضارية”.

إقرأ أيضاً: ترامب وبوتين قادران على الأسد وسليماني وأردوغان؟

من جهته أوضح الصحافي علي الأمين أنّ “الابتهاج لدى بعض اللبنانيين بتصويت نحو 52 بالمئة من الشعب التركي لصالح انتقال النظام التركي إلى نظام رئاسي حق مشروع، ولكن ما يبدو لافتاً هو المبالغة إلى حد التنافس بين أنصار بعض أقطاب الطائفة السنية على نشر صور زعمائهم إلى جانب صور اردوغان، واعتبر الأمين ان هذه المظاهر تنم عن ثلاثة مؤشرات هي:
1-محاولة استثمار غير لائقة لعملية الاستفتاء في تركيا ونتائجها، ومحاولة تجييرها في حسابات لبنانية ضيقة سواء في التنافس السياسي في البيئة السنية أو محاولة الإستعراض المعنوي أمام الطوائف الأخرى أو أحزابها.
2-عن مقاربة للموضوع التركي وخيارات الشعب التركي وسياسة أردوغان من زاوية عصبية، إذ أنّ الإنحياز في لبنان المتركز في أوساط السنة يتصل بشخص أردوغان لا بالنظام ولا النظام الجديد الذي جرى الاستفتاء عليه.
3- ينم عن تعطش لزعامة الشخص لا النموذج أو النظام، فكما يباهي حزب الله بولائه لزعيم إيران السيد علي خامنئي يبدو الابتهاج السني بأردوغان محاكاة لنموذج حزب الله وولائه”.
مضيفاً “الأهم من كل ما سبق أنّ العجز الداخلي وضعف القدرة على مواجهة التحديات الوطنية يساهم في هذا الميل للتعويض بالتغني بانتصارات الآخرين. وهو يعكس إلى حد ما نزعة ترى أنّ الخلاص يأتي من خارج الحدود وإنقاذ يقوم به فارس يمتطي فرساً تعبر الحدود والدول لتنقذنا من براثن الأعداء وهم دائماً أبناء وطننا”.

إقرأ أيضاً: اعتقال مشاريبوف.. هل أغلقت تركيا الدائرة؟

وأردف الأمين “في الختام وبمعزل عن رأينا في سياسة أردوغان الخارجية إن كنا نؤيدها أو ندينها إلاّ أنّ ما يثير انتباهي أنّ الانحياز المبالغ به لشخص أردوغان بجعلني غير متفائل، فهذا الانحياز يستند إلى العصبية أكثر من العقلانية فلو أعلن أردوغان إلغاء الدستور وتعليق النظام الديمقراطي ونصب نفسه سلطاناً لما تغير الحال كثيراً في لبنان..لذا الانحياز الموضوعي والعقلاني يجب أن يكون للنموذج وللنظام الديمقراطي وللمؤسسة لا للشخص هذا ما يقوله التاريخ الحديث فدائما يبدأ الاستبداد بالمبالغة في الولاء للزعيم أو القائد لينتهيَ الحال إلى اعتقاد القائد أنّه تلملهم من الله ومن الشعب ليجد نفسه أخيراً هو الدستور وهو القانون هذا ما تقوله تجارب هتلر و صدام حسين وبشار الأسد”.

معلقاً “لا نريد أن نشبه نموذج تركيا بهذه النماذج لكن ننبه أنفسنا إلى عدم الانجرار نحو تقديس الأشخاص حتى لو كانوا صادقين ومنصفين. الأهم ما يبقى ويستمر وهو النظام والمؤسسات وقواعد الحكم أما الأشخاص فينتهون مهما برعوا في طريق الحكم والزعامة”.

السابق
المعارضة السورية تستهدف مطار حماة العسكري
التالي
اتهامات للـ«mtv» بالعنصرية في تغطيتها لجريمة «قب الياس»