من يريد ديكتاتورية بيضاء

هناك تشابه كبير بين نتنياهو واردوغان وبين اسرائيل وتركيا من حيث الديمقراطية التي تستخدم وسائل ديكتاتورية لتحقيق أهداف امبريالية.

عندنا، حيث من المتعارف عليه، أن يكون عداء طبيعي للتمسك بالمباديء، كانوا سيسمونهم بكل اسم سيء ممكن: غرباء، خاضعون وضعيفو النفوس. ولكن من بعيد من السهل تأييدهم: خصوم سياسيون، مثقفون، اعلاميون عانوا من قبضته الشديدة، مواطنون يعتبرون اردوغان وحكمه خطر على حياتهم، استجابوا لدعوته وتجندوا من اجل افشال الانقلاب. باسم الديمقراطية أنقذوا دولتهم من الانقلابيين وقدموها مرة اخرى للقائد الذي أدار ظهره للمباديء من اجل أن يدوسهم أكثر ويقوي حكمه.

إقرأ أيضاً: اسرائيل: ايران افشلت الانقلاب ضد اردوغان عبر مدير مخابرات تركيا وشمخاني يعترف
كل ذلك قد يبدو غريبا لمن يعتبر حرية التعبير وحقوق الانسان وسلطة القانون نوعا من الخيال النبيل ولكن الصبياني. من يؤمن أنه يجب تأسيس الحياة السياسية والقومية على الوحدة، والصلاحيات والقيادة القوية المستعدة عند الحاجة الى استخدام صلاحية الطواريء والتحول بشكل مؤقت الى ديكتاتورية، فقد اعتبر أن تضحية الشعب التركي برهان على الضعف السياسي الموجود في لب الفكرة الديمقراطية. لذلك، بعد أن تم ابعاد الدبابات من الشوارع وعادت السيطرة على الاستوديوهات من قبل محرري الاخبار وتم فتح المطار أمام الحركة، لا يمكن عدم التساؤل عن الخطر الذي يهدد الديمقراطية من نفسها. ايضا اذا كان الاستنتاج المؤلم قد عاد الى نقطة الانطلاق: ما هو المبدأ المناسب لاتخاذ قرار الدفاع عن الديمقراطية في وجه من يحاول ازاحة قائد ديكتاتوري بوسائل غير ديمقراطية؟ خصوم اردوغان السياسيين الذين يريدون رؤية بلادهم ديمقراطية ليبرالية، ولهذا هبوا لمساعدته، حصلوا على سخريته المرة. لقد عبروا عن نقطة الضعف الاخلاقية للدولة.
تشبيهات معينة تشير الى طريقة التفكير. ومع ذلك نتنياهو، اسرائيل، اردوغان وتركيا يتواجدون في وعي بعضهم البعض على شكل حادثة سلسلة من التداعيات لاسباب ثلاثة: الاول، اتفاق المصالحة الذي وقع مؤخرا ووضع حدا لقطع العلاقة بين الدولتين. الثاني، الصراع العميق على الهوية في تركيا منذ انهيار الامبراطورية بين من يريدون أن يكون تأثير للغرب وبين القومية التي تشدد على الهوية العثمانية. والثالث وهو الاهم، التعامل المشتبه فيه للرئيسين مع الليبرالية الحديثة والافق الديكتاتوري المعتدل الذي يتطلعان اليه.

إقرأ أيضاً: «جورج فريدمان»: التداعيات المحلية والجيوسياسية للانقلاب الفاشل في تركيا

أورهان باموك، من الكتاب الكبار في هذا الوقت، يقول عن اسطنبول، التي تمثل روح تركيا، إنها تعيش في “مرارة سوداء مشتركة لملايين الناس”. الألم، كما يقول، يوجد في كل مكان، وأحد مصادره هو التوتر بين انقاض الماضي وبناء المدينة الفاضلة المتوجهة للغرب. حزب العدالة والتنمية لاردوغان يستمد الالهام نحو تركيا الحديثة من ماضيها الامبريالي، ويضيف باموك أن الاصلاح المطلوب لبلاده يجب أن يكون نحو ديمقراطية ليبرالية.
في هذا الموضوع يوجد تشابه ايضا: تحت الديمقراطية الحديثة توجد بقايا من الماضي، حيث أن الحكومة الحالية وبتأثير البيت اليهودي تحاول نقل هذه البقايا. الحلم الامبريالي لملء الحدود التوراتية للبلاد لم يغب عن الوجود. وماذا سيفعل المعسكر الديمقراطي اذا اقتربت الحكومة ومن يرأسها بشكل خطير من تحقيق ذلك بوسائل ديكتاتورية؟.
إن هذا نص بدون سطر أخير. هناك سخرية، يعتبر مجرد النظر اليها عملا سياسيا.

السابق
بالفيديو.. عدوى الأسد تنتقل إلى المعارضة: جريمة بشعة بحق طفل في حلب
التالي
بيان صادر عن الحراك الشعبي في مخيم عين الحلوة