وجوه مأساة الأم السورية، هي، بالطبع، وجوه متعددة ومختلفة ومتنوعة، بالغة الدلالة، وبعضها متمثل في هذا الكتاب بشهادات، أدلت بها اثنتان وثلاثون أمّاً مفجوعة حيث تراوحت فجائعهن: ما بين فقد الإبن أو الإبنة، أو الزوج، أو الأخت، أو الطفل أو الطفلة… إلخ.
اقرأ أيضاً: المرأة السورية الثائرة هي العاشقة التي لا نتحدّث عنها
وهُنَّ – بطبيعة الحال – من مناطق سورية مختلفة، يُشهدنا على مآسيهنّ، هذا الكتاب الذي يضمّ صوراً شخصية لمعظمهنَّ، تُظهر علامات الحزن الشديد على سيمائهنّ المكتئبة. إذْ إنّ شهاداتهن المؤلمة، ربما يمكن اختصارها، بأحد عناوينها، وهو: “أيّةُ خساراتٍ نعيشها”!
ويتصدر الكتاب، توضيح من الناشر ويفيد: هذا الكتاب ينقل، بأمانة وصدق، أجزاءَ من أحاديث طويلة سجّلت مع النساء الواردة أسماؤهن كما أردن لها أن تظهر. وبالتالي فإن كل ما يرد من حديث وأقوال في هذا الكتاب هو لصاحباته دون أي تدخل من قبلنا سوى تدخل التحرير اللغوي الأمين. وقد آثرنا في كثير من المقابلات على الاحتفاظ بالعامية عندما كنا نجد أن أي تغيير للفصحى سيخنق روح النص.
جرت المقابلات في الأماكن التي تعيش فيها النساء صاحبات الشهادات. أما الصور فهي أيضاً صورهن في الفضاءات التي اخترن أن يتصوّرن فيها، باستثناء صور السيدات في الصفحات (16 – 20 – 64 – 88) فهي صور رفيقات لصاحبات الشهادات وافقن على الظهور بدلاً من رفيقاتهن المتحدثات اللواتي امتنعن عن التصوّر تعففاً أو خوفاً.
تليه كلمة للمديرة العامة لمجموعة بسمة الدولية للمساعدة الإنسانية، غولشان صغلام. وجاء فيها: مجموعة “بسمة” الدولية للمساعدة الإنسانية هي منظمة غير حكومية، مستقلة، غير تابعة لأي جهة سياسية أو دينية، وتعمل مع كل فئات المجتمع دون تمييز على مشاريع مستدامة من مقاربة حقوق الإنسان.
تستهدف مجموعة “بسمة” في مشاريعها، بشكل خاص، المرأة والطفل والشباب. رؤية “بسمة” هي رسم البسمة على وجوه الناس، من خلال تحسين نوعية حياة تليق بكرامة القيمة الجوهرية للإنسان، وتحترمها، انطلاقاً من مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
تأتي مشاركة مجموعة بسمة في هذه الشهادات تعبيراً صادقاً من أسرتها عن التضامن التام مع الأمهات السوريات في ظل ما يعشنه من محن، ووقفة تقدير واحترام لصمودهن أمام هول ما يحصل.
لماذا الأم السورية؟ لأنها أكثر من امرأة، فهي الوطن عندما أصيب الوطن، وهي الحياة في مواجهة ثقافة الموت، وهي الأمل بعدما عمّت الخيبة…
شهادات حية سيبقى صداها إلى الأبد. شهادات صادرة من قلوب طاهرة نقية تقاسمت الوجع والحزن. قلوب تتأرجح بين الألم والأمل بانتظار عودة أحباب وعودة وطن.
سيداتي الأمهات السوريات، يبقى الأمل معكن في صناعة السلام، وفي نشر ثقافة حقوق الإنسان بدل ثقافة الموت والعنف، وفي التغلب على المصاعب والمصائب.
معكن سيداتي ستتغلب رائحة الياسمين على رائحة النار والبارود، وسينبثق شعاع فجر جديد.
ثم كلمة الرابطة السورية للمواطنة، بقلم حسّان عباس وفيها: اعترفت الأمم المتحدة في عام 2000، عبر مجلس الأمن، بالتأثير الخاص للنزاعات على النساء. واعترفت أيضاً بالحاجة إلى تضمين النساء، باعتبارهن صاحبات مصلحة، في مجال درء الصراعات وحلها. وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 1325 والقرارات الملحقة به، وصولاً إلى القرار 2122 بشأن المرأة، مشدداً على الحاجة إلى مراعاة خصوصية المرأة وإشراكها في عمليات الحفاظ على الأمن، وبناء السلام، وخاصة في المناطق المتضررة من النزاع. وشدّد أيضاً على تمثيل نساء المجتمعات التي شهدت صراعات مسلحة لإسماع أصواتهن في عملية تسوية الصراعات، وليكن جزءاً من جميع مستويات صنع القرار كشريك على قدم المساواة لمنع الصراعات وحلها وتحقيق السلام المستدام.
والرابطة السورية للمواطنة ترى أن توثيق شهادات “الأمهات السوريات” بالصورة والكلمة هو جزء من عملية بناء السلام والمصالحة في ظل المساءلة.
وإن كانت موضوعات التذكّر الخاصة بكل مواطن في مجتمع ما تشكِّل ذاكرته الفردية، الحميمة الخاصة به، فإن هذه الذاكرة “الفردية” ليست “فردية” إلى هذه الدرجة. فموضوعات التذكّر، والذكريات، بقدر ما هي مرتبطة، بالضرورة، بالانساق المجتمعية الخاص التي ينتمي إليها الفرد، مرتبطة بالقدر نفسه بالتاريخ الجمعي الذي تصيب أحداثه الجماعة بمجملها.
والنزاعات المسلحة التي تأخذ شكل حرب لا ينجو أحد من شررها، كالنزاع القائم في سورية الآن، ولادة لذكريات خاصة لكل مواطن في الوطن، إذ لا يمكن القول إن ثمة من يصبه ذاك النزاع بشيء من الأذى. لكن، ولأن النزاع المسلح شرّ عميم، تصبح هذه الذكريات الخاصة ذاكرة جمعية لجميع المواطنين.
اقرأ أيضاً: نصيب المرأة في الحريق السوري: أم الشهيد، أخت الشهيد، أرملة الشهيد.
للأمهات في النزاعات المسلحة ذاكرات أليمة لا تندمل جراحها. وهي ذاكرات حبلى بذكريات فريدة فرادة الألم الذي يحملنه. وعميقة عمق الكرامة التي يفتخرن بها. وهذا ما يظهر في تفاصيل وجوههن وفي ثنايا كلماتهن.
إن هذا الكتاب يحاول تماماً أن ينقل، من خلال الصورة، ذاك الألم المحفور في الوجوه؛ ومن خلال الكلمات، ذاك الفخر المتواضع الذي يستبطن الكلمات. ويريد، قبل كل شيء، أن ينقل للعالم صرخة الأم السورية: أوقفوا الحرب!