عن سرّ التضامن اللبناني المفقود في القضايا الانسانية

رغم خروج الجيش السوري من لبنان منذ 11 عاما الا ان دور بيروت الريادي على صعيد الحريات وحقوق الانسان تراجع، حتى بات بحكم الغائب. فما هو السبب؟

جاءت شهادة المعتقل المُحرر من سجون بشار الأسد، المهندس مازن الحمادة، لتفضح من لم يقتنع حتى الان بفظاعة التعذيب في السجون السورية، حيث تتوالى الشهادات تباعا عبر مقابلات او كتابات وروايات وخلافه، بعد ازالة الخوف عن اصحابها، فباتوا قادرين على الافصاح عما تعرضوا له، بعد ان كانت الشهادة في سياق المستحيل.

وكانت، جريدة “إلفاتو كوتيديانو” الإيطالية، قد نشرت تقريرا تناولت فيه بالتفصيل شهادة المعتقل السوري المُحرر من سجون النظام السوري المهندس مازن الحمادة، ابن الاربعين عاما، والذي جاء اعتقاله على خلفية تقديمه المساعدات انسانية لجمعيات خيرية بواسطة طبيبة.

وكانت فضائح سجن صيدنايا الاخيرة_ التي ضجت بها وسائل الاعلام العالمية قبل المحلية والعربية، على خلفية تقرير منظمة العفو الدولية، والتي ذكرت فيه ان 13000 معتقل قتلوا خلال السنوات الاخيرة في سجن صيدنايا، اضافة الى اشكال التعذيب التي تفوق الخيال وتضع العدو الاسرائيلي في مصاف الملائكة_ صاعقة على الكثيرين.

ففي التقرير الأممي هذا، جاء وصف دقيق لأشكال التعذيب الذي طال الاطفال أيضا. ما دفع الصحافة الاوروبية للاضاءة على الازمة الكبيرة التي تفوق تعذيب سجن ابو غريب وغوانتانامو وبدرجات.

اقرأ أيضا:سجن صيدنايا.. جحيم الموت السوري

وخلص التقرير الى شهادات تستند إلى تحقيق مكثّف امتد طيلة 12 شهراً، ما بين العام 2015 إلى العام 2016. وشمل مقابلات وجها لوجه مع 84 شاهداً، واستند إلى أدلّة قدّمها حرّاس ومسؤولون كبار في سجن صيدنايا.

وذكر التقرير قصصاً مروّعة عاشها المعتقلون داخل الجدران الرمادية لصيدنايا ومواجهتهم للموت في كل لحظة يتنقلون فيها بين ماكينات التعذيب والترويع النفسي والإذلال وإستخدام وسائل جديدة كالحرق بالنار والسجائر وتكسير العظام.

وتطول قائمة الذين ذاقوا مرّ التعذيب، اضافة الى صور مؤلمة تعيدنا بالذاكرة الى رواية “القوقعة” التي كتبها معتقل سابق وفيها من الصور ما لا يقبله عقل، ونشرت قبل اندلاع الاحداث في سوريا ضد نظام البعث الظالم.

ولا يختلف النظام السوري، عن بقية الانظمة العربية، التي ليست هي بأنظمة أشرف منه، ولا أقل سوءا، بل ان اصناف التعذيب التي طالت السجناء السياسيين، خارجة عن اطار العقل والوصف.

فلطالما كتبت روايات باسماء وهمية عن التعذيب في السجون العربية من عراق صدام حسين الى السعودية الى مصر الى سوريا الى ليبيا والبحرين… فلا تزال روايات الراحل عبدالرحمن منيف في ثلاثيتها تتناقل الوقائع، اضافة الى رصد المراكز الحقوقية والتي لم تصل الى مرحلة الاعلان الصريح والبث المباشر على شاشتنا، بل ان أغلبية اصداراتها ودراساتها كانت توزع بطريقة خفيّة ومحدودة. وكانت المراكز الاجنبية هي الأقوى حيث تعلمنا بما يجري في سجون بلادنا، وكانت بيانات النفي تلحقها دوما وبالسرعة القصوى.

مازن الحمادة، الذي قضى سنة وسبعة أشهر في السجن، أصبح يعيش في هولندا الان، بعد خروجه من المستشفى والإفراج عنه، حيث توجه إلى أوروبا من أجل تقديم شهادته، كونه يُعتبر أحد الناجين من التعذيب من السجون السورية.

إقرأ أيضا: غوانتانامو: 40 سجينا فقط باقون هنا

والمستغرب، انه خلال سيطرة الجيش السوري على لبنان كانت الاصوات الحقوقية تخرج دعما ومناصرة لقضية هناك او هناك رغم أنف الحاكم الأعلى، الا ان اللافت انه ورغم خروج الجيش السوري من بيروت عام 2005  لم تتحرك القوى الحيّة لدعم قضايا المعتقلين في السجون كافة، إلا ما ندر. فما هو سرّ هذا التراجع وهذا الخفوت؟

ولاستيضاح الامر كان لـ”جنوبية” اتصال مع عضو لجنة حقوق الانسان النيابية الدكتور أمين وهبي، الذي اجاب، ردا على سؤالنا عن سرّ غياب التحركات في بيروت دعما لقضية الحمادة وغيره، كما هي عادة بيروت، فقال: “أولا لا بد من إدانة ما حدث في صيدنايا، وهي جريمة موصوفة، هناك آلاف المعتقلين دون أية محاكمة ودون ان يرف أي جفن للنظام”.

وبرأي الدكتور وهبي “اعتقد انه رغم ان ما قرأناه عن هذه القضية فظيع، الا ان حجم التضامن مع هؤلاء المعتقلين لم يكن بالحجم المطلوب والمناسب”.

السابق
اللواء عباس ابراهيم اجتمع مع قائد اليونيفل لتطويق التوترات مع الأهالي
التالي
وراثة الزعامة الجنبلاطية لتيمور في حياة والده الوليد…