من وراء تفجير «عين الحلوة» ولماذا حركة فتح؟

مجدداً تشتعل في مخيم عين الحلوة وغداة مغادرة الرئيس الفلسطيني لبنان، فيما السؤال المتكرر لماذا في عين الحلوة وما هي الأسباب التي تجعل هذا المخيم معلقاً بين حرب وهدنة؟ أسباب ذلك منها ما هو قديم ولكن ثمّة أسباب جديدة وتداعيات نشهدها في المشهد الفلسطيني اللبناني.

من السهل جداً نسب ما يجري في مخيم عين الحلوة من اشتباكات بين جماعات إسلامية وعلى رأسها جماعة بلال بدر من جهة، وحركة فتح من جهة ثانية، إلى مؤامرات خارجية وترتيب الغرف السوداء المخابراتية، والسهولة هذه، سببها أنّ مخيم عين الحلوة بما يضم من مجموعات أمنية وعسكرية لا تخفي ارتباطها السياسي أو العقيدي بجهات خارجية متعارضة فيما بينها، وبسبب آخر، أنّ المخيم المذكور يوفر السلاح الفوضوي فيه، منصة لإطلاق رسائل تجاه الداخل اللبناني، أو نحو الخارج ودائماً على قاعدة التلويح بتفجير المخيم ومحيطه أمنياً.

اقرأ أيضاً: محمود عباس دعا لسحب السلاح الفلسطيني…فاشتعل «عين الحلوة»!

لكن جانباً آخر لا يجب تهميشه حين رصد اسباب هذا الاقتتال الأخير، الذي بدا أنّ جميع الفصائل الفلسطينية التي اجتمعت في السفارة الفلسطينية بعد ظهر اليوم (الأربعاء) لا تريد الذهاب بعيداً في المواجهة التي تغرف من الدم الفلسطيني وتستنزفه، بل دعت إلى وقف إطلاق النار وسحب المسلحين، بما يشير إلى أنّ لا نّية فلسطينية رسمية حاسمة إلى إنهاء الجماعات المتشددة في المخيم، كما تردد في بعض الصحف (الحياة)، من أنّ هناك تنسيقاً رسمياً فلسطينياً-لبنانياً للقضاء على هذه المجموعات التي يقف في مقدمها مجموعة بلال بدر.

ولكن يبقى السؤال الملح: لماذا انفجرت الإشتباكات الأخيرة وما هي الأسباب التي تقف وراءها؟ المعلومات الأمنية من داخل المخيم ومحيطه في مدينة صيدا، لا تضيف جديداً يمكن اعتباره السبب الجوهري وراء ما جرى، سوى القول أنّ حالة الترهل السياسي والأمني في المخيم، تجعل المخيم وأبناءه عرضة لمغامرات طالما كان رموزها ما يمكن أن يطلق عليهم بعض الصبية، ذلك أنّ ثمة حقيقة يعرفها أبناء المخيم، أنّ حركة فتح التي شكلت منذ تأسيسها عصب الفلسطينيين في الشتات وفي الداخل الفلسطيني، هي إلى مزيد من الترهل التنظيمي الذي زاد من الحالة الشللية داخلها، فيما المجموعات الإسلامية على اختلافها هي في حالة استقرار تنظيمي إن لم تكن في مرحلة الصعود والنفوذ والقوة.

داخل “فتح” يبرز حضور جماعة القيادي الفتحاوي محمد دحلان الذي تمت إقالته من الحركة، واضحاً في المخيم من خلال جماعات تتبع له، وعبر المساعدات المالية والعينية التي يقدمها بين الحين والآخر داخل مخيم عين الحلوة. وإلى هذه الحالة الانشقاقية تبرز خصوصيات لبعض المسؤولين في الحركة في لبنان، كاللواء منير المقدح، أو اللواء سلطان أبو العينين الذي يبقى له دوره وتأثيره رغم إقامته في رام الله.

يبقى أنّ الجماعات الإسلامية التي تتنازع أطرافها اتجاهات قريبة من حزب الله كجماعة أنصار الله أو القريبة من أفكار القاعدة كمجموعة بلال بدر وفي الوسط تبرز عصبة الأنصار التي شكلت في السنين الماضية عنصر ضبط للجماعات الاسلامية، لكنه يتراجع في الآونة الأخيرة. بينما تبقى حركة حماس الطرف الذي يشكل مظلة معنوية للقوى الاسلامية وعنصر تماسك لها حينما يطال الخطر احد المجموعات الاسلامية من قبل حركة فتح، من دون ان تكون حماس بالضرورة قادرة على الزام هذه المجموعات بخياراتها السياسية او الايديولوجية، هي باختصار تتوحد اذا كان الخصم حركة فتح، ولا تتفق بالضرورة فيما بينها اذا كان الخصم حزب الله او غيره.

الجديد الذي برز في الاشتباكات الاخيرة هو موقف عصبة الأنصار، التي اتهمت على لسان الناطق باسمها ابوشريف السعدي، “المتأسلمين الجدد بالوقوف وراء الاشتباكات الاخيرة” وهي اشارة الى جماعة بلال بدر، ويمكن الاستدلال من هذا الموقف غير المسبوق للعصبة ضد بلال بدر، بأن الأجهزة اللبنانية الأمنية والعسكرية، جدّية في دعم خيار حركة فتح في هذه المرحلة داخل المخيم.

اقرأ أيضاً: علي بركة لـ«جنوبية»: لا علاقة لحماس باشتباكات عين الحلوة

يبقى ان حركة فتح اما بسبب الترهل التنظيمي الذي تعيشه، او بسبب تحسس القيادة الفلسطينية الرسمية من خطر استخدام فتح والفلسطينيين في صراعات لا يراد لها ان تحسم الصراع لصالح الشرعية الفلسطينية، ليست في وارد الدخول في مواجهة قد تؤدي الى تدمير المخيم واعادة تشريد الفلسطينيين اللاجئين فيه. ما جرى اليوم هو نتاج غياب القرار اللبناني الموحد في النظرة الى المخيمات الفلسطينية ودور السلاح وأصل وجوده، وانعكاس هذا الغياب على اللاجئين الفلسطينيين الذين تتجاذبهم خيارات اقليمية ولبنانية ويوفر البؤس الاجتماعي والاقتصادي ارضية ملائمة لانتاج ظواهر التطرف والعنف ضد الذات قبل الآخر.

السابق
اصابة شاب في التعمير في مخيم عين الحلوة
التالي
عباس دعا لسحب السلاح الفلسطيني…فاشتعل «عين الحلوة»!