كلّا «التحالف الثنائي» ليس «الحلف الثلاثي»

لا يعثر المتأمل في الصورة الجامعة الرئيس ميشال عون وممثله الوزير جبران باسيل والدكتور سمير جعجع في الذكرى الأولى لتفاهم معراب، الذي تحوّل حلفاً ثنائياً، على ملامح لقادة “الحلف الثلاثي” الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميّل والعميد ريمون إده على أبواب انتخابات نيابية يبدو أنها سوف تُخاض تحت رموز وشعارات دينية أكثر من أي يوم مضى، وبأقرب ما يكون إلى مَشاهد رافقت انتخابات 1968 النيابية. للقائل إن الزمن لا يتكرر أن يراجع أدبيات حملات مبكرة للانتخابات الآتية ظهرت في الانتخابات البلدية في أيار الماضي كما في التهليلات المرفوعة إلى اليوم لانتخاب عون رئيساً، يختصرها شعار لافت على لافتات: “قوة المسيحيين في وحدتهم”.
الانتخابات للبنانيين جميعاً في المبدأ، لكن بعض الدوائر محسومة نتائجها إلى حدٍ، عند الشيعة والدروز. السُنّة وضع آخر ودوائرهم تخضع لإعادة حساب، بين تجديد لزعامة الرئيس سعد الحريري وتياره “المستقبل”، وبين نقل خيارات في ضوء انتكاسات متلاحقة ألمّت بالطائفة ككل. المسيحيون على غرار 1968 يجدون أنفسهم على مفترق. مرّت 49 سنة على مشاهد تهافت مقترعين في جبل لبنان وبعض بيروت على أقلام اقتراع طالبين “ليستات المسيحيين” أي “الحلف الثلاثي” بعدما شاعت خبرية أن تمثال السيدة العذراء استدار وباركه. في النتائج حقق الحلف فوزاً كبيراً على النهج الشهابي في عهده الثاني برئاسة شارل حلو في البترون وجبيل وكسروان والمتنين الشمالي والجنوبي، وربح مقاعد في عاليه والشوف، حاصداً 30 نائبا بينهم 5 نواب مسلمين، حين كان مجلس النواب من 99 نائباً، على قاعدة 54 مسيحياً و45 مسلماً قبل زمن الطائف والمناصفة ووقف العدّ. والفوز الأكبر برمزيته تحقق في دائرة كسروان – الفتوح معقل الرئيس فؤاد شهاب حيث كان انهيار “النهج” كاملاً : 4 نواب لـ “الحلف الثلاثي” من 4.
هل يستدير التمثال هذه المرة أيضاً، ليكرر “الحلف الثنائي” مفعول الحلف الثلاثي؟
كان يجب كي تكتسح “لوائح المسيحيين” أن يكون الرئيس جمال عبد الناصر قد أصيب بنكسة استثنائية قبل سنة في حرب 1967، وأن يتدخل ديبلوماسيون أميركيون، على ما يؤكد مطلعون على خفايا تلك الحقبة، حتى في تركيب لوائح الحلف تنفيذاً لقرار اتخذته واشنطن بتقليص نفوذ الزعيم المصري في لبنان من خلال حليفه الشهابي الذي أعاد الاستقرار إلى البلاد بعد حوادث 1958 على أساس التسليم لـ “الرئيس الأمير الجنرال” بإدارة الداخل في مقابل تأييد عبد الناصر، وبما لا يضرّ بلبنان خارجياً.

إقرأ ايضًا: قانون انتخاب ليعودوا «كلن يعني كلن»!
يختلف الوضع اليوم. المسلّم به أن “محور طهران – دمشق”، ممثلاً بـ”حزب الله” في الداخل، هو حالياً صاحب النفوذ الأكبر في إدارة الشأنين الداخلي والخارجي أيضاً، لكنه لا يحظى بقبول عربي ودولي بل يفيد من عدم القدرة على التوصل إلى طريقة لرفع هذا النفوذ المتعاظم على البلاد. كما أن طرفي “الحلف الثنائي” غير متفقين على مقاربة مشتركة لعامل “حزب الله” رغم اتباعهما نظرية التعامل بعقلانية مع الأمر الواقع. جُلّ ما أمكن التوصل إليه بوساطة “التيار” بين “الحزب “والقوات” هو وقف العداء الإعلامي بينهما، وهذا لا يكفي لتوفير انسجام في النظرة بين الحليفين المسيحيين حيال الحزب وسلاحه وارتباطاته.
كان ثمة ما يشبه هذا الاختلاف في المواقف بين أركان “الحلف الثلاثي”. عندما وافق شمعون والجميّل بعد سنة على “اتفاق القاهرة” ضمناً بإعطاء حكومة الرئيس رشيد كرامي الثقة في البرلمان، وقف العميد إده وأعضاء كتلته وحدهم في البرلمان وعارضوه.
وإذا أخذنا بلاد جبيل مثالاً لتغيّر الأحوال، يقفز إلى العين واقع أن الشيعة لم يكونوا يصوّتون “بلوكات” كاملة كما يفعلون اليوم. بعضهم صوّت للعميد وبعضهم لمنافسته نهاد سعيد. وأنصار الكتائب في جبيل لم يصوّتوا لريمون إده الذي اشترط عليهم أن يرفعوا صورته على بيت حزبهم في المدينة فلم يرفعوها. وجدير بالذكر أيضاً أن وزير الداخلية آنذاك سليمان فرنجية اتُهم بعدم الحياد ومناوأة العهد الشهابي الثاني.
إلا أن خصوم الحلف رغم الموجة العالية التي ارتفعت في وجوههم، بلقاء أقطاب الموارنة الكبار وأسطورة استدارة تمثال السيدة العذراء عنهم، تمكنوا من الصمود وحققوا نتائج في بعض الدوائر. في جبيل فاز المرشح الشهابي نجيب الخوري والد النائب الحالي وليد الخوري وخسرت نهاد سعيد على 30 صوتاً فقط. وفي المتن الشمالي فاز المرشح الشهابي ميشال المر، علماً أن الطاشناق وقفوا مع الشهابيين، والقوميين السوريين مع الحلف لكرههم شهاب.
ثمة فوارق أخرى بين خمسين عاماً إلى الوراء واليوم، في الأوزان وغيرها. وحتى 1968 لم تكن لشمعون والجميّل – وبالطبع إده – أي صبغة عنفية في الداخل المسيحي ولم يتنقلوا في خياراتهم السياسية والوطنية. هذه عوامل تضعف ركنَي التحالف الثنائي الحالي لو كان في مواجهتهما “فؤاد شهاب ما”، يرعى ويجمع المعترضين على توجهاتهما الواقعة تحت سقف “حزب الله”.
والواقع أن المعارضة حتى اليوم هي معارضات. لكن المجال مفتوح لمن يجرؤ على إعلان أن التمثال الشديد الرمزية لا يبارك

السابق
روسيا والأسد وإيران.. فصول من المواجهة و«الممانعة»
التالي
أين ذهب قراء «السفير»؟