رفسنجاني في إيران: إرث من الإرهاب والقمع وراء واجهة من الاعتدال

الشيخ هاشمي رفسنجاني
المقالة مترجمة عن صحيفة الواشنطن بوست، كتبها الزميلان "راي تقية" وهو عضو بارز في مجلس العلاقات الخارجية، و"رويل غرشت" الناشط المعروف في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.

قبل وفاته بفترة وجيزة، “علي أكبر هاشمي رفسنجاني“، الرئيس الإيراني السابق، وأحد أبرز رجال الدين في إيران، قال متأملاً في المحرقة اليهودية: “على سبيل المثال، يقال ان ستة ملايين يهودي قد قتلوا. تكشف الارقام في وقت لاحق ، أنه على الرغم من ان أناساً قد لقوا حتفهم، فإن العديد من اليهود كانوا مختبئين خلال تلك الأيام . وكان “القتلى” في الواقع، لا يزالون على قيد الحياة”.

اقرأ أيضاً: من أمير كبير إلى رفسنجاني.. إيران واستعصاء الإصلاح

والنقطة الأهم من المقابلة كانت لتذكير المسؤولين الإيرانيين بعدم النقاش بشكلٍ علنيّ، في السرد الغربي المضلّل عن المحرقة، لأنها تقوّي إسرائيل فقط . كانت هذه طريقة ودهاء رفسنجاني : وكثيرا ما لوّح بصورة معتدلة أخفت حقيقة تشدده.
إن معظم نعي رجل الدين في الصحافة الغربية قد رثى وفاة “البراغماتي” الذي كان في الواقع المهندس الأكثر إرتباطاً بأدوات النظام الثيوقراطي في القمع وفي طموحاته الإقليمية. إنّ رفسنجاني، وليس معاونه -علي خامنئي الذي صار جلّاده – هو مَن كرس الإرهاب كأداة في فن الحكم الإيراني. وكان هو القوة الدافعة وراء تطوير البرنامج النووي للجمهورية الاسلامية.

يبدو أن مأساة رفسنجاني تكمن في أنه أدرك استحالة قيام الثورة الاسلامية . وكانت القيود المفروضة من رجل الدين الداهية في مجال السياسة، أكثر وضوحاً خلال فترة رئاسته. أصرّ رفسجاني بعد توليه السلطة في أعقاب حرب مدمرة استمرت ثماني سنوات مع العراق، أن ضرورات إعادة الإعمار والإصلاح من شأنها أن ترشده وتوجهه. ومع ذلك، فإن ميوله الاستبدادية حالت دون تمكين القطاع الخاص، عندما أصر على أن وجود دولة قوية هو الذي يفرض خلق اقتصاد صناعي حديث. أدت فكرته عن سيادة الدولة-الغنية إلى البيروقراطية المتضخمة، والى الكثير من الاقتراض من الخارج، والى أزمة الديون. خلال فترة رفسنجاني، أصبح الفساد مستشرياً. وكان رفسنجاني قد عمل على استمالة الحرس الثوري من خلال منحهم مناصب القيادة في القطاعات الرئيسية للاقتصاد. إن الطبقة الجديدة من الثوار الأثرياء في الجمهورية الاسلامية ، الذين جمعوا كل ثرواتهم من خلال علاقاتهم مع النظام؛ والذين جعلوا رجال الاعمال الصينيين يبدون صادقين وشفافين، هم أطفال حقيقيون لرفسنجاني.

إيران
رفسنجاني المسحور بنجاح الأنظمة الاستبدادية في شرق آسيا، لم يفكر قط بشكلٍ جدي بإعتباره القائد، في الإصلاح السياسي . في بعض الأحيان، اعترف “الملا” أن القيود الثقافية الشاقة المفروضة من قِبل الدولة، كانت تنفّر الشباب من النظام. ومع ذلك، وكواحد من مناصري ومؤيدي الدكتاتورية الدينية، لم يستطع ابداً إقرار التدابير التي تقلص سلطة الدولة. وخلال فترة رئاسته، كانت الرقابة شديدة على الصحافة، وتمّ سجن المعارضين بشكل منتظم، وتمّ اغتيال المعارضين في الداخل والخارج. وكان “علي فلاحيان” وزير الاستخبارات الأكثر رعباً منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، هو رجل رفسنجاني. أحياناً كان رفسنجاني يحاكي الشعارات الإصلاحية، ويعقد اجتماعات حول الطاولات المستديرة مع المثقفين، ولكن جهاز الإرهاب الايراني بقي على حاله إلى حد كبير.

بالنظر إلى أبعد من إيران، كان رفسنجاني يحبّذ عقد مؤتمرات للمسلمين السنة المتشددين الذين يمكن، على سبيل الإحتمال ، أن يعتقدوا أن السنة والشيعة يجب أن يتوحدوا معاً ضد الولايات المتحدة وإسرائيل . رفسنجاني الذي هو، على الأرجح، اكثر مَن سافر الى الخارج، من بين النخبة الدينية الحاكمة في إيران (سافر رفسنجاني في السبيعينات على نطاق واسع، بفضل ثروة عائلته ) لم يكن مرتاحاً ابداً للنزعة الطائفية التي تميّز حالياً، السياسة الخارجية لطهران، ومع ذلك، كان مرتاحاً للغاية، لفكرة فرّق تسد بين الكفار: لقد قاد الانفتاح على أوروبا، ورأى أن التكنولوجيا الأوروبية والاستثمار، هما من الشروط الأساسية للهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط . ولتحقيق هذا الحلم، لم يكن لرفسنجاني أي مشكلة في إبرام اتفاقات مع شركات النفط الأمريكية.

في النهاية، قد يكون إرث رفسنجاني الأكثر ارتباطاً به، هو طموحات إيران النووية . في البداية ، عرقلت ثورة عام ١٩٧٩، مع ما رافقها من اضطراب وفتنة، البرنامج النووي الذي هو البرنامج الذي كان الشاه قد بدأه . في أواخر الثمنينات وأوائل التسعينات ، ظهر رفسنجاني كأبرز متبرع في الصناعة النووية. خلال الحرب بين إيران والعراق، كان لنظام الملالي العديد من الاحتياجات الملحة، وكان الثوار يسعون الى توطيد حكمهم في الداخل ، وفي نفس الوقت الى صدّ جحافل صدام حسين. ولكن رفسنجاني كان دائما يجد المال للحفاظ على التقدّم في أبحاث الأسلحة النووية ، الأمر الذي تسبّب لأجهزة الاستخبارات الغربية ببعض القلق.

خلال فترة رئاسته ( ١٩٨٩ – ١٩٩٧) وبعد تجديده منظمة الطاقة الذرية، سعى رفسنجاني الى جذب العلماء الإيرانيين من الخارج، وذهب في جولة تسوق للتقنيات النووية ذات الاستخدام المزدوج. المجلات اليومية التابعة لرفسنجاني، والتي تغطي فترة رئاسته، كشفت عن أدلة محيرة على التعاون مع كوريا الشمالية فيما يخصّ الصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل. كما أنها كشفت أيضاً، عن غبطة رفسنجاني في التفوق بالحيلة على المراقبة البحرية الأمريكية.

إن المهمة في المضي قُدماً مع أحلام إيران النووية، ستكون الآن في عهدة ألمع ربيبٍ لرفسنجاني، وهو الرئيس “حسن روحاني” الذي أظهر دهاءه في سحر الغربيين. لقد لُعن، وليس منذ وقت طويل، رفسنجاني وروحاني، من ِقبَل الإصلاحيين المضطهدين في إيران، الذين اعتبروا ان الرجلين هما تجسيد للشر.

اقرأ أيضاً: تشييع رفسنجاني: لا موت للشيطان الأكبر وإنّما «الموت لروسيا»

واليوم تمّ التفجّع على رفسنجاني، ونائبه السابق المحترم من قِبل نفس الرجال والنساء بإعتبارهما عرّابي خلاصهم المحتمل . رفسنجاني الموهوب بخفة دم لاذعة، وحسّ جيد بالتاريخ، كان ليقدّر بالتأكيد هذه المفارقة المبهجة، قبل أن يوقف قلبُه الضعيف عقلَه المتوقد، عن التآمر ضد أعدائه الكُثر.

السابق
ولكن أين «الشعب» في النداء الموجَّه إليه؟
التالي
المفتي حسون يترحم على روح بشار الأسد!