أحوال بين الصخر والماء

هاني فحص

“ألف أول الحروف” أدونيس
اتئد اتئد واقصد في مشيك، للا ريث ولا عجل واغضض من صوتك، لا جهر ولا إخفات “إنك لا تنادي غائباً”.
واخفض جناح الذل لأمك ثم أمك ثم أبيك {حملته وهناً على وهن} .. {حملته كرهاً ووضعته كرها}.
وما دام المدام دَيما دائماً فلا تبارح، والمكان بالمكين واحلل عقدة لسانك وزنارك ومزمارك.. خل عنك “يفقهوا قولك”..
خفف حتى لا تطير نفسك شَعاعا، ولا تحنث، لا تخلف وعدك {فاستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم}.
واعلم حباك الله.. “المؤمن لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه”.
” لا يطمع طمع الغراب” يصحو كالوسنان، ينام ولا ينام والناس نيام.
” إذا ماتوا انتبهوا”

اقرأ أيضاً: إمام الأزهار والقصائد والوعود المؤجلة

عندما تشرق شمس السكينة، أو يطلع قمر الصمت، ليلاً أو نهاراً، يقوم الألف يأتلف ويؤالف ويؤلف، يألف ويؤلَف، تنهض من رقدتها الحجارة، ينبجس الماء أنهاراً، تلامس نقطة النون شغاف نونها، وينوء بذنبه الجاهل والناسي والغافل، ويرضى، يؤوب ذون النون، يثوب.. وإذ ذهب مغاضباً ظن أن الواحد قد التبس بصوره ” ومن حده فقد عده” “ومن قال فيم فقد اخلي منه”.
فلما انجابت العتمة وانداحت وكان “إذا أخرج يده لم يكد يراها”
تبددت سحب الجهالة، أشرق الواحد، أقبل الواحد، صار كل اثنين كأنهما واحد، سار الواحد الى الواحد، أوت الآحاد إلى الواحد فآواها، وقامت المغايرة حالاً ومحلاً للكدح ووعداً باللقيا.
تباعدنا حتى التقينا.. صمتنا حتى حكينا.. وعطشنا حتى ارتوينا..
وصعدنا حتى استوينا.. وصعّدنا حتى بلغنا، لامسنا عروق الطين، قرأنا الحصى، تعلمنا لغات كثيرة، وعندما اختلينا في غلالة من صوف شفيف.. اجتوينا “تلبدت بالأرض أكثر صبراً من الأرض”..
أرخينا العين في الصدر، وصار الكلام كلّاماً.. فكان الصمت أحجى.
فسكتنا وفي الحلق شجى، وصارت.. طارت ثيابنا للهوى نهباً.
واستترنا من حالنا على حالنا بحالنا، حتى إذا طغى الماء حُملنا على الجارية.. وليس بعد الحب إلا الحب.
{لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}.
ها هو ذا أنا طالعاً من مشاش الذات وأمشاجها.. رائحاً سرباً الى حيث تنشج الترائب ماء دافئاً دافقاً، تاركاً بحار الأنوار رهواً، متيمماً صعيداً طيباً، ميمماً شطر الحبيب رغباً “عندي لعينيك هالات ولوع.. لوجهك الطفل وجه مثله” يأخذني النهر الى البحر، والكناري إلى النسر، والسنجاب الى النمر، والعوسج الى النرجس، وقصف الرعد إلى وجع الناي، ولمع البرق إلى قوس قزح “سمعت العقارب كيف تصيء.. هديث القطا في المجاهل”.
تفتح المغاور أحضانها، أستلقي على الأريكة، بين صخرة تتحلب سلسبيلاً وكيف تنبسط الراح منها بالراح بيضاء..
لا يغولني غَوْل ولا غُول.. لا نزف ولا نزيف.. أقوم لصلاتي بمنزلة السنبلة، تميلني الريح
” مولاي زين العابدين.. لستُ مولى، لستكهفاً للأنين” أنا ريح في الريح، أنا روح وروح في الريح.. صوتي يكابد الريح، يشاكل الريح، يلابس الريح، يلبس الريح، يلتبس بالريح، ويبزغ الريحان في روحي.

اقرأ أيضاً: أتذكر لأحيا وأحلم – أنا قانون الانتخاب –

“هدأت صيحة البراري.. الغيوم تسير على النخل، تجنح في آخر النخل وردية الصواري”
“في الشقوق تفيأت.. كنت أجس الدقائق أمخض ثدي القفار.. صارت الأرض أضيق من ظل رمحي.. عقرت الحصى والغبار”
كلمني في مكة حجر كان يكلمه، سلم عليّ وكان يسلم عليه، يحبني جبل أبي قبيس كما كان يحبه، وأحب أبا قيس كما أحبه، وأَمضي، أُمضي سحابة ليلي وآناءه وأطراف نهاري، على قيد فتر أو جفن من المذود في بيت لحم، ينام جديٌ على ركبتي، يتوسد زغلول كاسٍ معصمي ويعلو حمل منكبي ويثغو، وتبغم الغزالة في منابت الشيخ فتزدهر الصحارى بالكمأة والحنظل، يقطر الرمل حلاوة، يبترد الضب والظبي في مسارب السراب الذي كان سراباً وآل آلاً للظمأ الى البر، مأباً مثاباً.. سبحان محول الأحوال.. “حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده “.

(من كتاب في وصف الحرب والحب)

السابق
الجيش الروسي في حلب مشروع لإحتلال سوريا
التالي
ملاحظات أساسية حول اتفاق وقف إطلاق النار في سورية