ملاحظات أساسية حول اتفاق وقف إطلاق النار في سورية

ماجد عزام

لا يمكن ولا يجب التشكيك أصلاً في أهمية اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، الذي جرى التوصل إليه برعاية وضمانة من تركيا وروسيا.

اقرأ أيضاً: تركيا الهدف الأول للإرهابيين

الانفاق مهم شكلاً ومضموناً، ومن حيث المبدأ والجوهر هو ينزع من النظام العصابة والعصابات التي استجلبها سلاح جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية ويعيد للثورة وهجها السلمي الأول، الذي أحرق النظام البلد وحتى الإقليم كله للتغطية عليه وحرّفه عن مساره الأصيل.

يمثل الاتفاق نجاح سياسي كبير لتركيا وروسيا، علماً أن الخلفيات متباينة بالتأكيد. روسيا اعتقدت أنها حققت نجاح ميداني في حلب وتريد تسوية واتفاق خروج يقيها من التورط والغوص أكثر في الوحول السورية، هي تفهم بالطبع أن من المستحيل تطبيق الخيار الشيشاني على كامل الأراضي السورية، أو قتل 62 ألف ثائر، تم التوصل مع لاتفاق. كما قال وزير دفاعها، علماً أنه هو نفسه كان قد تبجح بقتل 34 ألف ثائر لفرملة مسار الثورة في سورية في العالم العربي بشكل عام، أي أنه قتل ثلث الثوار لصنع تسوية مع الثلثين الآخرين. هذا منطق إسرائيلي بامتياز يتجاهل حقيقة وجود الخلية الثائرة الأكبر، والأصل المتمثلة بالشعب السوري مع استثناءات أقلوية تثبت القاعدة ولا تنفيها.

موسكو كانت قد سعت لتحسين مواقعها ميدانياً بتدمير حلب وتهجير أهلها، وسياسياً؛ بإطلاق مسار التسوية قبل تولي الإدارة الأمريكية الجديدة لمهامها منتصف شهر يناير القادم.
تركيا من جهتها تعاطت من قاعدة مختلفة هى سعت إلى تقوية موقعها وتكريس دورها السياسي والميداني في سورية، وعملت على وقف المجزرة، وقف التطهير العرقي، وتعميم وقف إطلاق النار بدلاً من الخيار الشيشاني، وهي استغلت حاجة روسيا لاستراتيجية خروج من أجل الدفاع عن مصالحها، كما مصالح حلفائها الممثلين الشرعيين للشعب السوري الثائر.

أحد أهم معاني الاتفاق تمثلت باستبعاد أو عدم حضور إيران مباشرة في صياغته وضمانه، ورغم مشاركتها في لقاء وبيان موسكو الثلاثي، إلا أنها لم تكن حاضرة في اتفاق وقف النار، ولا ضامنة له، بينما في الجوهر ضمنتها روسيا هي نفسها، كما ضمنت النظام وبقية ميليشات الحشد التابعة لهما في تعبير عن حقيقة المشهد الراهن في البلد.

ايران تركيا روسيا

للتذكير فإن طهران تفكر بعكس موسكو رغم مشاركتهما في الجرائم الموصوفة ضد الشعب السوري الثانية حيث أن الأولى قلقة ومتوجسة من الخيار العسكري الكامل، وتورطها كدولة في سورية، إلا أن الثانية لا تكترث، ولا مانع عندها من تحويل البلد إلى العراق أو اليمن أو لبنان لسنوات بل لعقود للسيطرة عليه عبر الميليشيات والكيانات الموازية، وخوض حرب استنزاف متواصلة أو حتى الاكتفاء بسورية الطائفية المفيدة لها في حالة تعذر الخيار الشيشاني الكامل، وهي كانت تتهم كل الثوار بالارهاب وترفض أي تسوية أو تفاوض معهم مع رفض تام لمفهوم التهدئة المتزامنة والكاملة في عموم سورية.

في البنود نص الاتفاق على وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية بدون أي استثناء للغوطة والوعر وبردى أو أي مناطق أخرى، كما طالبت إيران والعصابة، مع استثناء داعش والنصرة وبي كاكا السوري، ولا يتم استهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حتى لو تواجدت بها النصرة طالما أن المنطقة كلها تلتزم بالتهدئة ووقف إطلاق النار.

لا يقل عن ذلك أهمية تفاوض موسكو مباشرة مع أحرار الشام، جيش الإسلام، وبقية فصائل الجيش الحر، وهي أيضاً كانت تعتبرهم إرهابيين، وترفص الاعتراف بشرعيتهم، ناهيك عن الحوار معهم وهذا تحقق أساساً بفضل صمودهم المحق، كما بفضل الديبلوماسية التركية وقناعة موسكو باستحالة التوصل إلى اتفاق تهدئة أو اتفاق سياسي شامل دون التفاهم مع الثوار والمعارضين الجديين والحقيقيين.

كان مهم جداً كذلك الإقرار بحصرية تمثيل المعارضين ميدانياً بالفصائل الموقعة على الاتفاق. وسياسياً بالهيئة العليا للتفاوض ما يخرج كل المعارضات الكرتونية والوهمية والمصطنعة معارضات حميميم الداخل وحميميم الخارج من المشهد، وهي أي الهيئة ستكون ممثلة للشعب السوري في مواجهة الاحتلال ومخولة التفاوض في الاستانة أو في أي مكان آخر.

واحد من البنود اللافتة الأخرى التي تضمنها الاتفاق كان تجاهل جماعة بي كاكا السوري، ورفض حضورهم إلى أي مائدة تفاوض، ودعوتهم للانضمام إلى وفد حليفهم النظام، إذا أرادوا، ولا يقل عن ذلك أهمية استثناء المناطق الخاضعة لسيطرتهم من التهدئة، والتي فرضوا سطوتهم عليها نتيجة طعنهم للثورة، وتواطؤهم مع النظام، ثم تماهيهم مع مخططات أمريكا المشبوهة فى المنطقة بما في ذلك طبعاً فكرة إقامة الكيان الشوفيني البشع والبغيض الشبيه بنظام او بقايا نظام الأسد.

يفترض أن التفاوض سيكون خلال شهر بعد سريان وقف إطلاق النار، وسيجري في مدينة الاستانة، علماً أن نقاشات سياسية جرت على هامش مفاوضات التهدئة، لكنها كانت أولية وتمهيدية، ولم تدخل في العمق غير أن النجاح الابرز كان في الإشارة إلى بيان جنيف، والقرار الأممي 2254 بحيث لا يتم من جهة تجاوز جنيف ودلالاته، ومن جهة أخرى إبقاء الأمم المتحدة كطرف أساسي لا يمكن ولا يجب الاستغناء عنه أصلاً، خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات وضمان بقاء العملية على سكة جنيف ومحدداتها . لان من الصعب تصور الوصول إلى نهايات جدية وملموسة وناجحة بدون انخراط المنظمة الدولية فيها كما قوى عربية مهمة مثل السعودية وقطر ودولية مثل أمريكا والاتحاد الاوربى الى جانب تركيا وروسيا طبعاً.

ثمة مهام جسيمة ملقاة بالتاكيد على عاتق الهيئة العليا للتفاوض، وهى مطالبة بتحضير ملفاتها جيداً لجهة التنسيق الكامل مع قادة الفصائل، وتشكيل وفد موحد سياسي عسكري منسجم بالمعنى الحقيقة للكلمة.

مهمة صعبة تنتظر الائتلاف ايضاً في الداخل والخارج على حد سواء، عليه إعادة تنظيم صفوفه ضخ المزيد من الحياة والحيوية الى مؤسساته، القيام بعمل كبير للاشراف على تنظيم وتسيير مناحى الحياة فى المناطق المحررة، وقيادة ورعاية الفعاليات الجماهيرية السلمية فيها، كما مواصلة حشد التاييد للقضية السورية العادلة أمام الرأى العام العالمى والقيام بحملة سياسية اعلامية مكثفة ومتواصلة للمطالبة بانسحاب الميليشيات الاجنبية من الاراضى السورية والمضى قدما فى التحضير لمحاكمة كل المسؤولين عن جرائم الحرب فى سورية بدون استثناء.
فى الاخير باختصار وتركيز الاتفاق الموقع فى أنقرة جيد على الورق، ومع العمل الدوؤب الجاد والمخلص والتنسيق التام مع تركيا الحليف والصديق، كما مع حلفاء وأصدقاء عرب وقوى دولية أخرى مناصرة للثورة السورية، يمكن إجبار روسيا على الانصياع والقبول بعملية سياسية عادلة ونزيهة وفق بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة دون تذاكى وتشاطر ودون بشار الأسد ونظامه طبعاً، أو المخاطرة بمواجهة حرب استنزاف طويلة مرهقة مضنية لا أمل بالانتصار فيها سوى للشعب الثائر الباحث عن حقه المشروع في الحرية الكرامة وتقرير مصيره ومستقبله بنفسه.

السابق
أحوال بين الصخر والماء
التالي
لا نريد زعيماً بل رئيس دولة