قتل السفير الروسي: الآتي أعظم

اغتيال السفير الروسي هو من تداعيات الإرهاب الذي تمارسه سوريا بحق الشعب السوري، هو نتيجة لفائض العنف وللهمجية التي اتبعت في حلب الشرقية

إغتيال السفير الروسي في أنقرة من قبل رجل أمن تركي (الاثنين) يندرج في سياق الحرب الجارية في سورية. وأيّا تكن أداة القتل نتيجة ترتيب استخباري أو مجرد تصرف من قبل فرد، فإنّ الجريمة تأتي في سياق الحرب الجارية في سوريا، وإحدى ارتدادات التدخل الروسي الذي ظهر في مشهد حلب الأخير بوجه همجي، سواء لجهة القتل والتدمير الذي طال الجزء الشرقي من مدينة حلب، نتيجة السياسة التدميرية التي وصلت إلى حدود الإبادة بالقوة الروسية، أو لجهة دفع عشرات الآلاف من المدنيين من أبناء المدينة للخروج من مدينتهم إلى أماكن أخرى خارج سلطة النظام السوري. فيما بقي المجتمع الدولي متفرجاً إن لم يكن متواطئاً مع هذا السلوك الروسي التدميري، ودائماً بذريعة مواجهة الإرهاب.

السلوك الروسي في سورية لا يمكن أن يوفر شروط الحل، بل يفضي بطبيعته إلى مزيد من إستيلاد العنف. فكل عنف يميل إلى الإبادة لا يمكن أن يقابله سلوك مسالم تجاه مصدر العنف، وما كان الإرهاب الذي باتت مواجهته لسان حال الأنظمة العربية والإقليمية والدول الكبرى، سوى نتيجة لعنف مورس دولياً أو من قبل الأنظمة ضد المجتمعات. من هنا تتحول الحرب على الإرهاب إلى وسيلة وليست هدفاً، ذلك أنّ كل سياسات القهر التي تستهدف المجتمعات ولا سيما في سورية والعراق، تتم تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، ونتيجتها بقاء نظام الأسد رغم كل ما ارتكبه ضد شعبه، ورغم ملايين الحناجر السورية التي دعت إلى إسقاطه. هذا هو قهر للشعب السوري، خصوصاً أنّ السياسات الإقليمية والدولية تظافرت على حمايته من السقوط، وهي لا تستطيع ذلك من دون ذريعة اسمها الحرب على الإرهاب.

الحرب على الإرهاب هي الوسيلة التي تتيح لإيران مثلاً أن تتجاوز كل قواعد القانون الدولي والقانون الإنساني (ولا نريد أن نستحضر الإسلام باعتباره صار شعاراً يتلطى به الكثيرون لتبرير جرائمهم وارتكاباتهم) وهي الوسيلة التي تتيح لها تبرير انسجامها مع السياسات الدولية التي تريد تقاسم هذه الدول على حساب تفتيتها، وتبرير السلام المريع والهدوء غير المسبوق على حدود الكيان الاسرائيلي لاسيما من الجانب اللبناني والسوري. الحرب على الإرهاب وسيلة لتغطية الفرز الديمغرافي في بلد مثل سورية، عبر اقتلاع شبه كامل لسوريين من بلداتهم ومدنهم. الحرب على الإرهاب أيضاً هي وسيلة لطي آخر الشعارات الكاذبة عن الوحدة الاسلامية، عبر خلق نظام مصالح يحمي مشروع الإنقسام على أساس مذهبي تنفيذاً للهلال الشيعي.

حلب

 

القهر هو النتيجة التي آلت إليها سياسات روسيا في سوريا، فالتحالف الإيراني-الروسي على ضرب كل ما هو معادي لنظام الأسد وتدميره، يفضي موضوعياً إلى ما يشبه الحرب على الشعب السوري. فالإرادة التي عبّر عنها الشعب السوري أظهرت ما يشبه الاجماع على تغيير النظام. خلال السنوات الخمس الماضية شهدت سورية رغم كل محاولات التشويه لإرادة تغيير النظام، أنّ هدف التغيير لا مناص منه حين البحث عن حل ينقل سورية من الحرب إلى السلام. لكن ثمّة إصرار على ليّ ذراع الشعب السوري وكسر إرادته ودفعه إلى الإستسلام لإرادة دول خارجية، لا تريد للتغيير أن يتحقق على مستوى السلطة السورية التي لم يعد من وجود فعلي لها خارج النفوذ الإيراني والروسي.

إقرأ أيضاً: اغتيال السفير الروسي لن يؤثر على التقارب الروسي التركي

اغتيال السفير الروسي أحد التداعيات لفائض العنف وللهمجية التي اتبعت في حلب الشرقية، وهو مؤشر على أنّ فائض العنف سينتج عنفاً مقابلاً، خصوصاً أنّ آفاق الحلول التي يتمّ تداولها سواء من قبل روسيا أو إيران أو تركيا، ترتبط إلى حدّ بعيد بمصالح هذه الدول في سورية ولا تولي مصالح الشعب السوري أيّ اهتمام يذكر. بل من الواضح أنّ هذه المصالح تجري محاولة تثبيتها عبر أشلاء الشعب وعلى تدمير غير مسبوق للمدن وللبنى الإقتصادية، وتغيير ديمغرافي لم تشهده سورية الحديثة.

إقرأ أيضاً: كيف تستثمر روسيا اغتيال سفيرها؟

القهر سبيل لإطلاق موجات عنف جديد لا هوية سورية تختصره لكنّها ستجعل من المصالح الغربية والروسية والإيرانية على وجه التحديد أهدافاً له. لكن ذلك لا يعني أنّ مصالح الدول العربية ستكون هدفاً لهذا العنف بعدما تخلّى النظام الإقليمي العربي عن مسؤوليته بشكل كامل تجاه سورية. في الذاكرة كان رد الفعل الأول على احتلال فلسطين من قبل الفلسطينيين والشعوب العربية، تحوّل الرأي العام ضد الأنظمة العربية التي تهاونت في التصدي للإحتلال الإسرائيلي لفلسطين. فما الذي يمنع تكرار المشهد إزاء المقتلة السورية والتي تجاوزت في دمويتها احتلال فلسطين؟

السابق
خيّطوا بغير هذه الإبرة
التالي
جيش الفتح يتبنى اغتيال السفير الروسي: ثأرٌ أولي للنساء والأطفال