قاسم سليماني في حلب… إذاً الحرب ستطول كثيراً

مشهدية حلب عكست الإصرار على البعد المذهبي الذي كشفت عنه إيران، فما بين استعراض قاسم سليماني في أطلال حلب وما قاله خطيب جمعة طهران الذي اعتبر النكبة انتصاراً على الكفر، يتبلور مشروع حرب المئة عام.

مشهد الميليشيات الإيرانية والطائفية غير السورية التي تقف على أطلال حلب الشرقية، يشير إلى أنّ الحرب السورية تدخل مجدداً في فصل جديد من الموت والدمار، وستشهد سنوات آتية أشدّ وأقسى على السوريين وعلى محيطها العربي. والصور التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام لقائد فيلق القدس قاسم سليماني السبت في أحياء حلب المدمرة، أو أمام قلعة حلب الشهيرة، ليست إلاّ إصراراً على تأكيد البصمة الإيرانية والطائفية فوق ما نال حلب من إبادة لم تنلها مدينة في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وإلى هذه البصمة الإيرانية الاستعراضية على الإبادة في حلب ميدانياً، برزت تهنئة خطيب الجمعة الرسمي في طهران آية الله الشيخ محمد إمامي كاشاني بانتصار حلب الذي “تحقق من قبل المسلمين على الكفار وعلى السفياني والدجال نتيجة الصمود والتصدي فالعصر الراهن هو عصر الدجال والسفياني الذي تحدثت عنها روايات أهل البيت”.

هذا السلوك الإيراني وتعبيراته الميدانية والإيديولوجية في الحرب السورية ولا سيّما في المشهد الأخير في حلب، يشير بوضوح إلى أنّ إيران تستعد لحرب طويلة في سورية. إذ ليس في هذا المشهد المترافق مع سلوكيات مذهبية بدأت بالإنتشار والتوسع حيثما حلّت قوة إيرانية أو ميليشيا مؤيدة لها، إلاّ إيذان بأنّ خيار تمزيق المجتمعات أصبح الوسيلة التي تعتمدها إيران لفرض حضورها كلاعب أساسي في المنطقة. فالشروخ المذهبية آخذة في التوسع، فيما روسيا التي دخلت بالتنسيق مع إيران إلى سوريا، باشرت عبر طائراتها بأضخم عملية تدمير لحلب. وللمفارقة يتنافس الحليفان الروسي والإيراني كلّ بطريقته على إثبات أنّه هو الذي دمر وقتل وهجر أكثر من حليفه، بعدما غاب المعيار الإنساني الدولي عن أن يكون سبيل محاسبة المرتكب، لحساب معيار القوة، وكلما كانت غاشمة فرضت حضورها دولياً.

 

قاسم سليماني

 

لم نغيّب النظام السوري عن هذه المعادلة سهواً، ولكن ليس خافياً أنّ رئيس النظام وجيشه باتا هامشيين في لعبة الأمم. بل فقد الأسد القدرة على أن يسيطر ويحكم. والنظام يكاد يقتصر دوره على تغطية الارتكابات الإيرانية والروسية ضد السوريين، وقد بات عاجزاً عن إقناع السوريين بالقوة أو بالاختيار أنّه قادر على حكم سورية. لاسيما بعد كل هذا القتل والتدمير الذي تحتاج إعادة إعماره إلى تضحيات جديدة وإلى إرادة جامعة لكل السوريين. وهذا ما لا يستطيعه النظام الحالي ولا يطمح إليه أصلاً.

إقرأ أيضاً: المقاومة السنية برعاية إيرانية ضد روسيا في سوريا!

الخيار المطروح أمام النظام الإنصياع للإرادة الروسية والإيرانية، وهذه فرصة استمراره، ما دام أنّ التكامل بين حليفيه قائم ومستمر في سورية. وبعد معركة حلب تفرض روسيا إلى حدّ بعيد موقعها كمرجعية تحتاجها جميع القوى الإقليمية والمعنية بالمسار السوري، فيما إيران تبدو أمام عداء سني متنامٍ على طول المنطقة العربية والإسلامية، وتربص تركي، وحيال مواقف أميركية ترشح من الرئيس المنتخب دونالد ترامب تنم عن انحياز إلى روسيا وميل إلى تحجيم النفوذ الإيراني. من هنا تبدو الخيارات الإيرانية أمام طموحات روسيا السورية مضطرة إلى مجاراة حليفها الروسي، لكنّها إزاء قلقها من التفاهمات التي ستقلص من نفوذها السوري مع تعدد الشركاء الإقليميين والدوليين في الجبنة السورية، ستجد ان خيار استمرار الازمة والحرب هو الاكثر فائدة في الخيارات المتاحة. وبالتالي يعطي إيران المزيد من الوقت من أجل إحداث تغييرات ديمغرافية في “سوريا المفيدة”، وإلاّ ما معنى هذا الإصرار الإيراني على إخراج أهالي مضايا والزبداني ومحيطها إلى إدلب؟

الحرب كفيلة في الحسابات الإيرانية أن تعزز من سيطرة إيران على محيط دمشق وامتداداتها باتجاه لبنان، وهي تسعى بشكل حثيث إلى تشجيع مئات رجال الأعمال الشيعة من لبنان والعراق والخليج على شراء أراضٍ وأبنية في محيط دمشق، وتقدم تسهيلات مغرية على الصعيد الإداري والمالي.

إقرأ أيضاً: سورية: إيران في قبضة روسيا

السلوك الإيراني والتعبئة التي تفجرها الإيديولوجيا الإيرانية في البيئات الشيعية تتجه إلى مزيد من التبلور الإجتماعي والسياسي على وقع هذه الإيديولوجيا، الذي يتلاقى إلى حدّ كبير مع مسار من التطرف المرشح إلى البروز أكثر في بيئات سنية عربية باتت غير مقتنعة بسياسات دولها تجاه التمدد الإيراني، وباتت أكثر حماسة تجاه دعم حركات التطرف تلك التي تستثمر إيران وجودها في سورية والعراق لمزيد من السيطرة ولمزيد من بناء حشود شيعية بإمرة قاسم سليماني، ممتدة كهلال يمزق المشرق العربي طوائف ومذاهب ويؤسس لحروب لا معادل لها الا حرب المئة عام.

السابق
بالأسماء: وزيرا الدفاع والدولة.. والكتائب لن تشارك!
التالي
أمين عام مجلس الوزراء وصل بعبدا لتلاوة مراسيم التشكيل