الوطنيّةُ باتت كلمة غريبة غير مفهومة

المفتاح عند الحدّاد، والحدّاد بدو بيضة، والبيضة عند الدجاجة، والدجاجة بدا قمحة، والقمحة بالطّاحونة، والطاحونة مسكرة فيها مية معكّرة، هون مقص وهون مقص وعنّا أحزاب بدها رصّ.

للبحث عن حلٍ لعقدة التّأليف و عربسة التّوزير، علينا أولاً بتبسيط بعض الأمور والأحداث، سيّما منها تسوية إنتخاب الرّئيس. تلك التي بدأت فصولها في أيار 2014 و امتدت فراغاً على مدى 29 شهراً. علينا بالبحث عن ذاك الذي أرسى قواعد الخروج من الفوضى المنظّمة و أطلق صافرة العودة إلى النّظام و المؤسّسات. علينا التّدقيق في صدق ما قيل و قال عن أنّ التّأخير سببه الإتّفاق على التّكليف و شكل التّأليف و حجم التّمثيل. علينا معرفة عمّا إذا كان الحل أتى فعلاً على الطّريقة اللّبنانية نتيجة مبادرة محليّة أقدم عليها طوْعاً أحد الأطراف و قوبلت برضاً من أطرافٍ أخرى؟ فإن كان كلّ ذلك كذلك فالتّعطيل الحاصل اليوم للأسف سيطول و سيستمر أو يتجدّد ، لأنّه ببساطةٍ باب من أبواب الأعراف و التّقاليد المتّبعة في بلدٍ اعتاد سياسيّوه الغنج و تصفية الحسابات و الفرض و استعراض فائض القوة والإستأناس بالخارج. و هو أمر لطالما أجبر الجمهوريّة و الجمهوريين على مرّ العهود التّضحية بالخصوصيّة لصالح التبعيّة المتّبعة منذ ما قبل و بعد إعلان دولة لبنان الكبير .

إقرأ أيضاً: فيتو حزب الله ضد القوات لأنها رسخت الجمهورية القوية

أمّا إن صحَّ ما قيل عن أنّ الجمهوريّة باتت تخضع لوصاية جديدة فرضتها أحداث المنطقة، و أدّت إلى انكماش نفوذ قوى و كفّ نفوذ أخرى، بالتّزامن و التّوازي مع عدم إكتراث دولي بهذه الجغرافيا على إعتبار أنّ ما يحدث فيها و بالقياس إلى ما هو قائم في المنطقة يُعتبر تفصيلاً لا يرتقي إلى الجملة.

أمام مشكلة الشّكل و المحتوى و الواقعة المشتملة على التّعارض، لقد بتنا أكثر من أيّ وقتٍ مضى أمام واقع لا نحتاج فيه إلى ما نصارع من أجله. فالوطنيّة باتت كلمة غريبة غير مفهومة من قبل جيلٍ جديدٍ كاملٍ من اللّبنانيين. كما و أنّ النّاس الطّيبين الذين ينشدون السّلام وفق مزاج بسيط ما عادوا يفهمون ما يتمثّل في هذا التّصوير أو التّوصيف الذي إبتعد عن الأشياء التي كانت في العادة تجذبهم ويؤمنون بها. فبالنّسبة إليهم الفراغ كان يوجّه نفوسهم إلى قواها التّخيليّة، لكنّهم اليوم باتوا يوقنون أنّ الألوان تترجم أيضاً على أنّها الفراغ.

إقرأ أيضاً: الاستقالة في جيب سلام.. وما يمنعه تحمل المسؤولية الوطنية

مبادرةٌ تكلّلتْ بالورد و الزّغاريد لكنّها عند كثيرين موت و عند القبور نواح و أكاليل. فما إعتاد بعض النّاس على إكتسابه صار نموسهم و ما حصلوا عليه لهو حق إمتلكوه و من ثمّ لورثتهم أورثوه. و حدهم من تبقّى من الباحثين عن الحقيقة يدركون أنّ التّضحية صليب، و السّلاح سيف الرضا و فيه الإتمام. وما أقدم عليه البعض خوفاً من خسران خلق للجمهورية أسياد. و لك بعد ما تقدّم أن تجمع الصّور جنباً إلى جنبٍ، أو كالأفلام فوق بعضٍ لتدرك أنّ الجمهوريّة باتت ببُعْديْن، تتقاسمها فخامة و سماحة، نصفها ولاية و ما تبقّى منها متصرفيّة ترأسها بالتّوافق زعامة.

السابق
أين العرب يا حلب
التالي
لماذا استقلت من الجامعة اللبنانية؟