تقرير أميركي حول استراتيجية جديدة للشرق الأوسط

الشرق الاوسط
قبل أيام تم الإعلان عن تقرير لمجموعة عمل استراتيجية الشرق الأوسط (تقرير أولبرايت-هادلي)، وذلك من اجل تحديد الأسس الاستراتيجية الجديدة للشرق الأوسط، تعتمد على التعاون بين الحكومات والشعوب والشركاء الدوليين.

يعتبر التقرير ان الواقع الحالي مقلق بسبب العنف وعدم الاستقرار، في حين يظهر الواقع ان السبب أبعد من ذلك وهو بشكل أساسي فشل مشروع الدولة واندلاع الحروب الأهلية، وغنى عن القول ان اميركا لا يمكن ان تقف على حياد لأن ما يحدث في الشرق الأوسط يؤثر على أمنها وعلى مصلحة مواطنيها وعيشهم، اهمها حماية المواطنين من الإرهاب وتأمين الاستقرار الاقتصادي ومساعدة الحلفاء، وعدم المس بالقدرة العسكرية،  ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحدّ من الكوارث البشرية.

لذلك فانه لا يمكن للولايات المتحدة الاميركية عزل نفسها ولا بدّ لها من الانخراط في منطقة الشرق الاوسط للدفاع عن مصالحها وهي طالما استخدمت اسلوبي “فك الارتباط” و”الاحتواء”، فالأزمة الحالية في الشرق الأوسط لا يمكن احتواؤوها.

وما نستطيع ان نقترحه هو بناء استراتيجية جديدة يشترك بها الدول الكبرى وحكومات المنطقة وشعوبها بما تحويه من جمعيات أهلية وطاقات علمية واقتصادية.

النهج الاستراتيجي المقترح ينص اعتماد مخطّط من شقين يتم تنفيذهما بشكل متوازٍ، وستأخذ المبادرة في تنفيذها الدول الخارجية والاقليمية اضافة الى السلطات المحلية في سبيل القضاء على داعش في سوريا والعراق. كما ستعتمد تلك الاستراتيجية على الاستفادة بابعد الحدود من القوى البشرية الفاعلة في تلك البلدان.

الشقّ الأول يركز على القضايا الامنية القضايا الأمنية ويتطلب جهداً كبيراً من قبل القوى المجليّة والاقليمية الفاعلة.

ويشكل النظام القمعي في سوريا بيئة خصبة لنمو التطرّف مما يتسبب بنجاح داعش في تجنيد العديد من الناقمين من هؤلاء المقموعين، ولا بدّ من تغيير الوضع ولو بالاستعانة بالقوة الدولية، وفي النهاية لا بد من اجراء مصالحات وتشكيل قوى فاعلة من المجتمع المدني والشخصيات المستقلة واشراكها في الحلول المقترحة.

في العراق، يجب على الجيش الوطني – مع الدعم الكامل من الفاعلين الخارجيين- أن يتولى زمام المبادرة في هزيمة تنظيم داعش، حيث ربما يؤدي ترك هذه المهمة للميليشيات الشيعية إلى تسريع دوامة السقوط في العراق، فيجب أن تركز الحكومة العراقية مرة أخرى، مع الدعم الخارجي القوي والتشجيع، على المصالحة وتحقيق الاستقرار. وسيستلزم هذا الأمر تلبية الاحتياجات الإنسانية، والتغلب على التوترات الطائفية، واستعادة الحكم المدني الفعال، وتحفيز الانتعاش الاقتصادي في المناطق المحررة.

ويعتمد بقاء العراق كدولة واحدة إلى حد كبير على النظر للحكومة باعتبارها ضامناً أكثر مصداقية للمصالح العربية السنية من تنظيم داعش. وسوف يتطلب أيضاً، كما في حالة سوريا، نموذجاً جديداً للحكم، يوفر استقلالاً متزايداً وموارداً للمحافظات والحكومات المحلية؛ ويتوجب على الجهات الفاعلة الخارجية الضغط على الحكومة في بغداد وحكومة إقليم كردستان لحل الخلافات بينهما؛ كما يجب أيضا التصدي للفساد المستشري، ويمكن لسلطة الحكم المحلي أن تقدم مرة أخرى جزءاً رئيسياً من الحل، جنباً إلى جنب مع الدعم القوي للقادة الذين وضعوا أنفسهم في خطر شخصي، من أجل مواجهة الفساد والمصالح الخاصة.

في ليبيا، يفرض التاريخ دوراً قيادياً على شركائنا الأوروبيين؛ ومع ذلك، سوف يُتطلب من القيادة الأمريكية دفع أوروبا المنقسمة حالياً وحشد الفاعلين الخارجيين- بما فيهم العديدين من الشرق الأوسط– لتوفير دعماً موحداً لحكومة الوفاق الوطني، بدلاً من توفيره للفصائل الإقليمية.

في اليمن، يجب على الأطراف الخارجية الفاعلة إقناع المملكة العربية السعودية بإعطاء الأولوية لحل سياسي للصراع. وفي الوقت نفسه، يجب أن تتوقف العمليات العسكرية الحوثية قرب وعبر الحدود السعودية. فمثل سوريا، أصبح اليمن كارثة إنسانية، تتطلب جهود التخفيف من الخارج ومن الفاعلين الإقليميين على حد سواء، ويجب كذلك أن تستمر هناك جهود مكافحة الإرهاب ضد فرع تنظيم القاعدة.

وسوف يتطلب العمل على الحد من الحروب الأهلية عزيمة قوية، ولكن يجب أيضا أن يتعامل الشق الأول من هذه الاستراتيجية مع عدد من المهام الأخرى

في انتظار تطبيق حل دولتين مستقر ومستدام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يجب أن تستمر مهمة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية، بل ويتم تسريعها، إلى جانب تشجيع إسرائيل على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع السلطة الفلسطينية.

تتطلب التغيرات السياسية في تركيا بالتوازي مع المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة حواراً استراتيجياً أكثر قوة بين أنقرة وواشنطن؛ ويعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية، ليس فقط لمعالجة المسائل ذات الاهتمام المشترك، مثل تدفقات اللاجئين وتنظيم داعش ونظام الأسد، ولكن أيضاً لحل القضايا الراهنة في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، بما في ذلك العلاقات مع الأكرد السوريين.

يجب ردع التدخل الإيراني في العالم العربي، حتى في الوقت الذي يتم فيه إشراك طهران بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك (مثل الإتفاق النووي عام 2015). ويجب أن يطمئن أصدقاء الولايات المتحدة وشركاؤها إلى أن الولايات المتحدة تعارض الهيمنة الإيرانية، وأنها ستعمل معهم لمنع ذلك.

يجب أن يتحرك الدعم للاجئين من توفير الاحتياجات الأساسية نحو دعم دمجهم الاقتصادي في البلدان المضيفة، وتمكين قدرتهم على العودة إلى ديارهم؛ وتحتاج المنطقة إلى نهج مختلف تجاه مساعدة ودعم اللاجئين والنازحين داخلياً، حيث يعتبر البالغون غير القادرين على تجميع المدخرات، والأطفال غير المنتسبين في التعليم هم الأقل احتمالاً للعودة إلى أوطانهم وإعادة بنائها. وتعتبر تلك الدول التي تحمل العبء الأكبر من نزوح اللاجئين مثل الأردن ولبنان وتركيا جديرة بالمساعدة القوية والمستدامة؛ فتعاطفهم ودعمهم للاجئين السوريين هو في الصالح العام العالمي. ومع ذلك، فإن الأعباء ثقيلة، وتحتاج إلى المساعدة الخلاقة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد المدفوعات النقدية للاجئين بدلاً من المساعدات العينية على تحفيز الاقتصادات المحلية، والتخفيف من الاستياء على المستوى المحلي. وخلافاً للمعتقدات الشعبية القائمة، فإن منح اللاجئين الإجازة القانونية للعمل في الاقتصادات المحلية، يمكن أن يؤتي بفوائد ضخمة لقاعدة الضرائب المحلية، وينتج نمواً اقتصادياً عاماً.

تنفيذ الشق الثاني: إطلاق الإمكانات البشرية والاقتصادية في المنطقة

يؤكد الشق الثاني من المقاربة الاستراتيجية الجديدة على التحول السياسي والاقتصادي، ويتطلب إصلاحات عميقة للدول في المنطقة؛ وهي مهام صعبة تتطلب تشجيعاً قوياً من القوى الخارجية الداعمة، والآن إذا لم تتحرك الدول الإقليمية بحزم نحو عقد اجتماعي عصري، والذي يُمَكن بدوره المواطنين ويكرس المساءلة، فإن الاستثمار الذي يتم القيام به في رأس المال البشري في المنطقة لن يؤتي ثماره، كما من الضروري ترسيخ العديد من الخطوات المترابطة لمثل هذا العقد الاجتماعي العصري.

الخطوة الأكثر أهمية هي تطوير رأس المال البشري في المنطقة – بما في ذلك الشباب والنساء- وذلك لضمان أن يكون التغيير مستداماً؛ والتعليم هو مفتاح للحل، فلابد من القيام باستثمار استراتيجي في تعليم جيد مناسب للقرن الحادي والعشرين؛ وتتطلب المؤسسات التعليمية القائمة، في كثير من الحالات، إصلاح شامل، مع المشاركة الكاملة للطلاب وأوؤلياء الأمور في جهود الإصلاح التربوي. وبالفعل، ينبغي إعطاء المحليات دوراً أكبر في تحديد الأولويات التعليمية على حساب البيروقراطيات المركزية الكبيرة. فالتدخلات المستهدفة والمعلمون المعدون جيداً، والاستخدام المدروس للتكنولوجيا، وبرامج التبادل، وزيادة الارتباط بجامعات الفنون الحرة على الطريقة الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة كلها أمور ضرورية. ومن المهم أيضاً تطوير برامج قوية للتدريب المهني، والتعرف على الاحتياجات الواقعية لسوق العمل.

إقرأ ايضًا: إيران بين إلغاء الدولار وسيطرة اسطولها على مضيق هرمز

وإحدى المهام المتعلقة بهذا الأمر هي دعم وتسهيل الإصلاحات التنظيمية لتخفيف القيود، من أجل تحقيق أكبر قدر من التجارة والاستثمار والتكامل الاقتصادي، مع التركيز بشكل خاص على أصحاب المشاريع؛ وهذا يضمن أن يجد المواطنين المتعلمين فرصة بمجرد استكمال دراستهم. ولا ينبغي أن تكون الحكومات بمثابة عقبات أمام الإبداع الاقتصادي، فالبيئة القانونية والتنظيمية التي تمكن ريادة الأعمال من الازدهار وإيجاد “نظام إيكولوجي للابتكار” ضرورية، وكذلك تعد بمثابة حماية وحوافز للاستثمار الأجنبي المباشر. ويعد أيضاً تحويل الإعانات المالية إلى مساعدات موجهة للفقراء، وإيجاد بنوك مركزية مستقلة ومتمكنة من الأمور ذات الأهمية الحيوية. كما ينبغي أيضاً خفض الحواجز التجارية وإزالتها في نهاية المطاف. فتونس – وهي رائدة في الاصلاحات السياسية بعد الربيع العربي، وتكون بطرق عديدة دليلاً لاتجاهات المنطقة- لا يجب السماح بفشلها اقتصادياً.

يتوجب على الحكومات تمكين وتحفيز مشاركة المواطنين في حل المشكلات المدنية. ويعني هذا إعطاء مساحة للأنشطة المدنية، وتشجيع وتمكين الجماعات المدنية المحلية وأصحاب المشاريع الاجتماعية، وخصوصاً النساء والشباب ليكونوا منتجين ومبتكرين. ويعني هذا تدريب المهارات والمبادرات المدنية والحوارات العامة، التي تساعد على خلق مجتمعات أكثر مرونة وحيوية، وهو ما يعني كذلك تشجيع وتمكين المرأة للعب دور أكبر في الحياة الاقتصادية والعامة، وهذا يعني بناء قنوات اتصال بين الجماعات المدنية المحلية والحكومات.

الحكم الرشيد – وخاصةً الحكومات المحلية المتمكنة والمزودة بإمكانيات جيدة – يجب أن يكون أولوية. فتوفير الأمن في مواجهة الإرهاب، دون المساس بحقوق المواطنين ليس بالمهمة السهلة، ولكنه شرط أساسي لهزيمة التهديد الإرهابي؛ وينبغي اقتلاع جذور الفساد، وتبسيط تقديم الخدمات الأساسية، وتحقيق احترافية الأجهزة الأمنية. كما يتوجب تمكين الحكومات المحلية لحل المشكلات المحلية، وينبغي على البلدان تطوير معايير الإصلاح الخاصة بها. وفي كل هذا، فالتشجيع والدعم من الخارج هامان للغاية؛ لكن المبادرة من داخل المنطقة إلزامية.

يمكن أن تستفيد منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير من الإطار الإقليمي للحوار والتعاون؛ ويشمل هذا الإطار القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية. وربما يتجاوز التفويضات المحدودة وعضوية المنظمات القائمة مثل الجامعة العربية، التي تستثني أطراف إقليمية فاعلة هامة مثل تركيا وإيران وإسرائيل. ويمكن لمثل هذا الإطار أن يساعد على إخماد الصراعات وتشجيع التعاون، ووضع معايير متفق عليها لتصرفات الدولة، وتحفيز ودعم الخطوات الإيجابية من جانب الدول في المنطقة. ويمكن أن يعبر هذا الميثاق عن المبادئ الأساسية، كما يمكن وضع آلية لتشجيع الامتثال للمعايير المتفق عليها. وقد يساعد هذا الإطار في الحد من الحروب الأهلية وربما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء المواجهة السعودية الإيرانية. ومن شأنه أن يساعد على إنشاء والحفاظ على نظام إقليمي أكثر استقراراً بين الدول، حتى يمكن أن يصبح محركاً للدفع بقضية السلام العربي الإسرائيلي.

لابدّ من انشاء صندوق تنمية خاص بدول الشرق الأوسط التي يجب ان تقترحه وتموّله وتشجّع الدول الكبرى على دعمه.هذا الصندوق من شأنه أن ينمي القطاع الخاص بمشاركة البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وتستفيد منه حكومات الدول في المنطقة التي تتقدم بتمويل مشاريع تنمية ضمن الشروط، وسيستفيد من الصندوق الحكومات المحليّة وعدد من المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال.

إقرأ ايضًا: ترامب وإسرائيل يعدان العدة لمواجهة طهران

 

يؤكد التقرير في النهاية انه لا يوجد نموذج واحد يمكن ان يطبق في جميع دول الشرق الأوسط، وبالتالي لا يمكن فرض نموذج موحّد من الخارج أيضا.

ويقول التقرير انه يمكن المراهنة على شعوب المنطقة، والمطلوب هو تشجيع زعماء الشرق الأوسط من أجل وضع قواعد جديدة لأنظمة تكتسب الشرعية السياسية، وعدم الاستسلام للارهاب، وإلا فان السلطات في المنطقة ستؤول الى إرهابيين متطرفين.

تقرير أولبرايت-هادلي يرسم  مساراً محدّدا لشعوب الشرق الأوسط من أجل بناء مستقبل جديد اساسه قائم على الاستقرار. وذلك على حساب الأطروحات الدينية والعرقية المطبقة بشكل متطرّف في الشرق الأوسط. ولا بدّ من بعث الأمل عن طريق بناء النهج الاستراتيجي الذي نقترحه وهو ان تمّ تبنّيه وتنفيذه، فان من شأنه أن يؤمن للمنطقة الخروج من النفق الحالي.

السابق
معارك كرّ وفر في حلب والمعارضة تثبت قدرتها على الردّ والمبادرة
التالي
نديم قطيش لحزب الله: شايف البحر شو كبير.. بلطوا