«فيلم أميركي طويل» في «بيت الشعب»

ليست مجرد صدفة تزامن استعادة حدثين مهمين معا، ما يعني اننا لا في زمن حصول هذين الحدثين.. زمن الحرب، زمن ما كان يعرف بـ"حرب عون"، وزمن "فيلم أميركي طويل"، مسرحية زياد الرحباني التي تقاطع فيها الزمن وتحالف على الإستهزاء بهذا الواقع المرّ.

الصدفة وحدها لعبت دورها يوم السادس من تشرين الثاني الحالي. منذ الصباح الباكر طالعتنا وسائل الإعلام المرئيّة كافة بصور توافد العونيين الى قصر بعبدا في استعادة بالتاريخ لوقائع زياراتهم الى هذا القصر نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أي منذ 26 سنة.

إقرأ ايضا: زين العمر: الرئيس عون أكبر حرامي!

هذا في الحدث الأول. أما الحدث الثاني فهو حجز مقعدين لحضور مسرحية أخرجت نهاية الثمانينيات أيضا، وإستعيدت اليوم حيث تم تحويلها الى فيلم، هي”فيلم أميركي طويل” للفنان زياد الرحباني. وهي الثانية بعد مسرحية “بالنسبة لبكرا شو”.

هذان الحدثان المهمان إرتبطا ببعضهما زمنيا، ماضيّا وحاضرا. كصورة من صور الحرب الأليمة، الحرب الأهلية التي مضت عمليّا، وتحولت الى حرب ذهنيّة إعلامية، وشاقة سياسيّا.

أن يدعو الرئيس المنتخب مؤيديه السياسيين الذين سُموا بالعونيين، حينذاك، الى القصر الرئاسي له توصيفين، واحد منهما هو: إنه يقول للمناصرين انها لحظة فراقنا مع التاريخ الذي صنعناه سوّية، والثاني هو أنه يقول لجماهيره لنستعيدُ ذكرى الحرب معا، واننا لازلنا في جوّ الحرب، ولم نخرج منها. وكأنه يقول للمجتمع بعد انتخابه رسميّا أني كأيّ زعيم ميليشيا لن أخرج من حزبيتي وسأستمر في خطي. والتفسير الثاني هو الأقرب الى المنطق لأن ما جرى من جمعِ للعونيين ومن أسئلة الإستذكار للماضي على طريق القصر، ومن إعادة للمشهد القديم بألالوان لهوَ استفزاز لمن كان يُعارض عون حينها قبل ان ينقل البارودة من العداء للسوري الى التحالف معه!..

ألا يستوجب ذلك إعادة إحياء هذه الذكرى، إعادة  ثانية، مقابلة لدولاب ذاكرة مخالفيه وأعدائه القدماء، الى الواجهة؟ كيف يمكن لرئيس ان يسترجع قطعة من مشهد سينمائي عام ويترك القطع الأخرى التي كانت للأحزاب والطوائف الأخرى؟

وهل يحق لرئيس لكل اللبنانيين ان يلجأ الى هذه الإستعادة la reprise؟، وهل من المناسب استعادة المشاهد القديمة من الأذهان؟

فثمة أناس قتلوا خلال حرب عون من اللبنانيين الأبرياء، وثمة معتقلون لايزالون مجهوليّ المصير لم نسمع في خطاب القسم أيّ كلمة تدل على محاولة معرفة مصيرهم. وقد حاول البعض استفزاز الرئيس يوم الإنتخاب من خلال تسريب خبر أن الرئيس السوري بشار الأسد سيُطلق سراح 200 معتقل لبناني لديه كهدية منه للرئيس الجديد الحليف.

على المقلب الآخر، بخصوص زياد الرحباني الذي يعمل على استعادة مسرحياته بطريقة الفيلم السينمائي فإنه “فلفش” أوراق ذاكرتنا، وأعاد إحيائها كأنه متواعد مع ميشال عون على تدميرنا نفسيّا، الأول من خلال فعلته يوم الأحد في قصر الشعب، والثاني، أي الرحباني، من خلال إعادة دولاب الذاكرة الى الوراء 26 سنة أيضا.

لكن زياد الرحباني يعود بالصور وبالسيناريو، ويؤلمنا بشكل أقوى لأننا أحسسنا أننا الآن وفي مكان شبيه جدا بالمستشفى التي كان يتعالج فيه المرضى المجانين، وللصدفة في الضاحيّة الجنوبية قرب المطار ومن كل الطوائف.

إقرأ أيضا: ما هو الرأي الدستوري في تحويل القصر الجمهوري إلى بيت الشعب؟

“زياد وعون” هما بطلا إعادة إحياء الحرب الأهلية بصورها وتعابيرها وذكرياتها وألمها.. “فيلم اميركي طويل في بيت الشعب”.

 

السابق
مصر : لم نقصد طهران من أجل الحصول على شحنات نفطية
التالي
الثوابت الحكومية الشيعية الثلاث