تعيين عون رئيساً حاجة دولية لتحييد لبنان

من الخطأ الإعتقاد بأن تعيين ميشال عون رئيساً للبنان قد تم بقرار لبناني محض أو نتيجة صناعة لبنانية، كما تحاول البروباغندا الإعلامية لأقطاب السلطة بجناحيها (8 و14) تسويقه، بعد انعدام الحد الفاصل بينهما بحكم تداخل المصالح وبلوغ المساومات والصفقات الذروة بينهما على حساب حقوق ومصالح المواطن.

إقرأ أيضا: عون حقق حلمه بالرئاسة متى يتحقق حلمنا بالإصلاح؟

ثمة عناصر عديدة ساهمت في إيصال أحد مرشحي “8 آذار” إلى الكرسي الفارغ منذ عامين ونصف، لعل أهمها في هذه المرحلة إرادة إقليمية دولية لبقاء لبنان منطقة هادئة نسبياً يمكن من خلالها إدارة الحروب والنزاعات في الدول المجاورة. وبعض هذه الأسباب بات معروفاً وهو سلاح “حزب الله” الذي كان عنواناً لنضال مشروع ضد عدو تاريخي فأصبح فزاعة في وجه الخصوم الداخليين، ووسيلة تدمير في حروب عبثية انعكست على لبنان فأوصلت الجنرال الى القصر على جثث أطفال سوريا واليمن والعراق.

طبعاً، لا يمكن الحديث عن انتخاب لعون في ظل تحطيم أسس الدستور بذريعة “التوافق” وانعدام آليات الديموقراطية وغياب المرشحين المنافسين بحجة حساسية الظروف الإقليمية، وهو نفسه القائل أن مجلس النواب الحالي غير شرعي.

فالإتفاق على تعيين الجنرال “المطاط” الذي يستطيع نقل البارودة من كتف الى آخر وفق مصالحه وأهوائه، تم بإرادة إقليمية دولية، قبل أن تكون محلية. إذ أن العماد الذي تاجر باسم المقاومة منذ تحالف مع “حزب الله” من خلال ورقة تفاهم، لم يجد حرجاً في تقبل عمالة أحد أقطاب تياره العميد فايز كرم، بل استطاع شراء سكوت حليفه “المقاوم” عن هذه الخيانة ولم يُستفز هذا الحليف حين استقبل الرئيس العتيد جنراله الخائن في الرابية بعد خروجه من السجن بوساطة ادت الى اطلاقه قبل استحقاقه العقوبة المفترضة.

هو الجنرال الذي قابل ضباطاً إسرائيليين في عز المواجهة والصمود أمام اجتياح بيروت العام 1982. الباحث عن معنى كلمة “التكليف الشرعي” بعد انتخابات العام 2005 ، وصولاً الى توقيع ورقة تفاهم مع “حزب ولاية الفقيه” طالما أن “التكليف الشرعي” في مفهوم الحزب يجعل انتخاب حلفائه واجباً شرعياً على جماهير الحزب مثل الصلاة والصيام.

يبدو أن عون إبن حارة حريك التي تعتبر معقل قيادة وشورى الحزب، قد اقتنع بأهمية التكليف الشرعي وإطمأن الى أن حليفه الذي يقود جماهيره بشعارات “إلهية” لا مجال للنقاش فيها، قد يكون سنده العسكري والشعبي في آن واحد.

وتحت عنوان القداسة هذا اقتنع جمهور “حزب الله” أن قائد الجيش السابق الذي قاد حروب الإلغاء و”التحرير” وفر هارباً الى باريس تاركاً عناصره وضباطه تحت رحمة قذائف الجيش السوري، هو “الرئيس القوي” و”المقاوم”، وذلك رغم الصور التي نُشرت للجنرال مع قادة العدو في العام 1982.

في أي حال، لم يكن وصول عون الى السلطة مجرد منّة من “حزب الله” أو من سعد الحريري، أو بمباركة سمير جعجع واعتكاف نبيه بري وسليمان فرنجية، بل هو حصيلة لتسويات إقليمية دولية تهدف في هذه المرحلة لإبقاء لبنان في حالة هدوء كونه يمثل مركز الإدارة والتحكم لما يدور من حروب في المنطقة، وخصوصاً سوريا.

الإسرائيلي لا يضايقه رئيس يتزعم تياراً عنصرياً ضد الفلسطينيين والسوريين، ويمارس الطائفية بأبشع صورها. وكذلك السعودية لن تنزعج من رئيس تيار مستعد لتقاسم مغانم الدولة وثرواتها مع حلفائها في السلطة وخارجها، ومستعد للانبطاح أمام عطايا وهبات الأمراء، كما فعل حين كانت قطر توحي بأنها في صف دول “الممانعة”.

كذلك الدول الغربية تعرف أن ميشال عون حين يجلس على كرسي الرئاسة لن يكون ذاك المدافع “البطل” عن “سلاح المقاومة”، بل هو حاضن لسلاح أصبح في خدمة إسرائيل وبات وسيلة مهمة جداً في تحقيق مشاريع الفتن في المنطقة. لذلك انهالت التهاني والمباركات من عواصم العالم على “انتخابه” الشكلي” بما يؤكد اطمئنان هذه الدول الى سياسته التي ستصب في مصلحة توطيد مركزه وتعزيز مواقع محاسيبه قبل أي طرف آخر.

القوى الكبرى التي تتنازع حول مصادر الطاقة في المنطقة والتي تحولت من مرحلة الصراع الى مرحلة رسم خرائط تقاسم الحصص، تحتاج الى منطقة آمنة تعمل بها أجهزة الاستخبارات من كل حدب وصوب من دون أي ازعاج أمني أو سياسي. بهذا المعنى يكون “الرئيس القوي” بما يتحلى به من نزعة “براغماتية” تجعل كافة الأطراف ترتاح للتعامل معه.

صحيح انه الرجل الذي يوصف بالعنيد، لكن عناده هذا لا يصب الا في مصلحة توزيع الحصص طائفياً وتوطيد سياسة المحسوبيات. سياسة أوصلت صهره جبران باسيل الى اعلى المراكز، رغم فشله في إدارة ملف الكهرباء وتعاونه مع مافيا الفيول بدلاً من محاربتها حين كان على رأس وزارة الطاقة. فبدلاً من محاسبة الطفل المدلل تمت مكافأته بتعيينه وزيراً للخارجية، ثم رئيساً للتيار البرتقالي، في حين واصل نغمته عن محاربة الفساد والإصلاح والتغيير.

إقرأ أيضا: كان رب عون في عون عون: كبة ببرغل خشن

لقد حقق الجنرال الذي فشل في حكم منطقة صغيرة من لبنان بعد خروج الرئيس أمين جميل من الحكم في العام 1988، حلمه بالجلوس مرة أخرى على كرسي الرئاسة التي تركها لجحافل غزاة القصر في 13 تشرين أول العام 1991. لكنه لم يصل بقدرته ولا قدرة حلفائه فقط، بل بإرادة دولية لا أحد يدري مغزاها في هذا الوقت بالذات حيث تحاك التسويات على إيقاع أصوات طبول الحرب. طبعاً إذا وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لن يكون في لبنان نظيراً له أفضل من ميشال عون. لقد غادر الجنرال قصر بعبدا منذ أكثر منة عقدين بإرادة دولية، ورجع الى القصر أيضاً بإرادة دولية.

السابق
محامية فاطمة حمزة: لتتحول قضية موكلتي الى قضية رأي عام
التالي
تدّخل المفتي الجعفري الممتاز لإطلاق سراح الأم فاطمة حمزة