الشيعة والسنة مذهبان دينيان أم حزبان سياسيان؟

إذا كان الانقسام الشيعي السنّي في بدايته انقساماً سياسياً يتعلق بموضوع الخلافة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ثمة مبرّر لأن يستمرّ هذا الخلاف السياسي بغض النظر عن بعض الخلاات السياسية الحزبية. ما معنى أن يثبت السنّة للشيعة أن الخلاف كانت لأبي بكر الصديق بعد الرسول، وما معنى أن يثبت الشيعة للسنّة أن الخلافة كانت للإمام علي بن أبي طالب(ع)؟

يرى سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين “ان طبيعة الخلافات السياسية هي أنها خلافات زمنية، أي أنها تتراجع مع الزمن، وتغدو مجرد أحداث تاريخية، بعكس الخلاف العقائدي الذي ربما يبقى موضوعاً للاختلاف والتنوّع، وهذا الأمر الثاني ليس مظهراً سلبياً، بل ربما كان مظهراً من مظاهر الابداع والحيويّة والتنوع الذي يثري العقيدة ويجعلها مساراً لإعادة التأمل والتفكر والاجتهاد”.

اقرأ أيضاً: هل الإنقسام بين السنّة والشيعة هو سياسي أم فقهي؟

ويضيف سماحة العلامة الامين إلى هذا الموقف رأيا آخر، فيقول “نجد أن ثمة حاجة لإعادة النظر مسألة ما إذا كانت الخلافة بحدّ ذاتها منهجاً دينياً إسلامياً، أم أن الخلافة هي صورة وشكل من أشكال السلطة والحكم، ارتآها واتفق عليها ذلك الجيل من المسلمين، وبالتالي فلا يوجد في العقيدة الدينية الإسلامية ما يوجب التمسك بنظام الخلافة، وفي رأينا أن الاتجاهات الإسلامية الإحيائية من أوائل القرن العشرين وحتى هذه المرحلة التي فرض فيها اتجاهات وإسلامية تدعو إلى عودة الخلافة، هي في الواقع لم تبحث هذه المسألة بحثاً شرعياً وعقائدياً، بل اعتبرت أن نظام الخلافة كما أقامة السلف الصالح يجب أن يستمر، وأن عدم الاستمرار، هو صور من صور غياب الإسلام، علماً أن العقيدة الإسلامية لا تتضمن صورة أو هيكيلية واضحة للنظام السياسي في الإسلام، كما أن الخلافة هي اقتراح بشري قد يكون مناسباً لعصره آنذاك، فإن بناء أنظمة سياسية جديدة تتناسب مع مصالح المسلمين هو أمر ممكن وجائز، نقول هذا الكلام ونحن نرى موضوع الخلاف السياسي بين السنة والشيعة والذي رأينا فيه أنه بات موضوعاً تاريخياً من جهة رأينا فيه انه موضوع غير ملزم للمسلمين في عصرنا الراهن، واستحضاره بصورة دائمة هو حجر عثرة أمام مسيرة التقارب والتفاعل، إن لم نقل الوحدة الإسلامية”.

و”هنا انتقل إلى موضوع الحديث عن الشيعة “وهو ينطبق الحديث على الشيعة وعلى السنّة أيضاً”. فهل يجوز أن يكون للشيعة مشروع سياسي خاص بهم ومستقل؟ والشيعة كما نعلم هم مذهب إسلامي يتفرّق أفراده بين دول مختلفة وهل يراد من المشروع السياسي أن يحوّل الشيعة إلى شعب واحد، لمجرد كونهم مذهباً واحداً”؟

السنة والشيعة في لبنان
يجيب السيد الأمين “إن الشيعة في الحقيقة هم مواطنون في بلاد وأصقاع ودول كثيرة ومتعددة، وهم كغيرهم من المواطنين الذين يعيشون معهم، يختلفون مع هؤلاء في المذهب ولكنهم يلتقون معهم في دوائر لا حصر لها من الانتماء الوطني والسياسي والاجتماعي والطبقي، ويعانون معهم الأزمات والمشاكل المشتركة فيما يجعل منهم، أي أن الشيعة والمواطنين الآخرين شعباً واحداً ذا مصالح ومطالب مشتركة وسعي مشترك نحو التقدم والحضارة والرفاهية وإنجاز المواطنة الصالحة، الأمر الذي لا يمنع الشيعي من أن يكون فرداً في حركة أو في حزب في هذا البلد المشترك مع الآخرين، وأن يكون له رؤيته السياسية المشتركة مع هذه الحركة أو هذا الحزب، وبالتالي أن يكون مواطناً صالحاً ومساهماً في بناء أعلى صورة ممكنة من صور العيش المشترك مع الآخرين، إن أخطر محاولة يقوم بها الشيعة هو أن يتحولوا إلى ما يشبه الحزب في الأوطان التي يعيشون فيها، فالتشيّع ليس حزباً، إنه رؤية فكرية وروحية وشرعيّة للإسلام، وتيار إسلامي يستطيع أن يمارس رؤيته الإسلامية وواجباته التي يفرضها عليه مذهبه، فإذا استطاع أن يكون قدوة للآخرين في هذا المجال، فهذا هو أعلى وأسمى أشكال التشيّع برأينا. ولكوننا ذكرنا أن التشيع هو تيار إسلامي يمتلك تراثاً غنيّاً للدعوة إلى الحقّ والعدالة، فإن بإمكانه أن يمارس هذه القيم حتى لو كان يعيش في مجتمع بوذي فضلاً عن أن يكون الذين يعيشون معه مسلمون أو أهل كتاب”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين:(1) عن أسئلة العولمة والهويات الضيّقة

ويخلص السيد الأمين” أن ظاهره الأحزاب والحركات الإسلامية المتناحرة لا تمت إلى أي صلة إلى منهج الإسلام وعقيدته وغاياته السامية، بل تجعل من الإسلام مشروع تفكك واصطراع ونفي ونفي متبادل، أي جاهلية أين منها جاهلية ما قبل الإسلام”.

السابق
برّي… الحصان السعودي الجديد في بيروت؟
التالي
أحمد الحريري من بيت الوسط: كلّنا يد واحدة مع الرئيس سعد الحريري