سعد الحريري .. ضمانة بقاء لبنان كما نعرفه

انتهت الحرب اللبنانية مع “اتفاق الطائف” الذي وجد بقرار اقليمي دولي و استجاب له الاطراف المتصارعة لما ادركهم من انهاك و استنزاف على مدى اعوام الصراع المقيتة و الدامية.

اقرأ أيضاً: السيد يحقق أحلام الجنرال

انعكس “توازن القوى الاقليمي” على نص الاتفاق، حتى بالتطبيق، حيث اثَّر “السوري” على تطبيق الاتفاق، فطَبَقَ منه ما يناسب مصالحه و عطل الباقي.

مع تشكيل أول حكومة بعد الطائف كانت الاطراف الموافقة على الاتفاق معنية بأن تتمثل داخل الحكومة، ومنهم “القوات اللبنانية”، فعرض على سمير جعجع التوزير لكنه رفض معبرا عن اعتراضه على “التسوية” السورية الاميركية في حكم لبنان وعلى ما منح للسوريين من قدره تأثير على القرار اللبناني.

لم يكن سمير جعجع وحيداً، بل كان مع “المرجعية الدينية”، فالبطريرك مار نصرالله صفير كان داعماً لموقف “مقاطعة المسيحيين” للانتخابات النيابية عام 1992 التي اجريت لأختيار اول مجلس نواب بعد الطائف، وكان جدول أعماله مزدحماً لما طال الدولة من تعطيل طيلة 20 عاماً من التمديد للمجلس القديم بسبب الحرب.

يواجه “السنَّة الميثاقييون” اليوم موقفاً مشابهاً، على الرغم من الفرق الاساسي بين زمن الحرب وزمن السلم.

تعطيل الدولة، اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في سابقة اسقاط الموقع السني في رئاسة الحكومة، و فراغ سدَّة الرئاسه “المارونية” لأعوام، انعكس انتقاصاً من “التمثيل الوازن” للمسيحيين في النظام واضعافاً للتمثيل السني.

تراكمت الازمات السياسية و الحياتية، ومنها مثلا النفايات التي أريد لها أن تنفجر في وجه سعد الحريري، وتحديداً في مناطق نفوذه، بالاضافة إلى الازمة الاقتصادية والبطالة وافلاس الشركات، كل هذه وغيرها من التمظهرات للازمة تطال ما يعتبر “الخبز اليومي” للاحزاب والجهات السياسية التي تعتمد العمل “السياسي السلمي”.

اما الطرف “العسكري” الذي لا يتأثر بهذه “التمظهرات” فيُحكم القبضة على البلاد، من خلال تعطيل الحياة السياسية والفراغ الرئاسي والقتال في سوريا والتهديد بالارهاب القادم من وراء الحدود وتقديم نفسه “كحامي الاقليات” في لبنان والمنطقة.

لا شك ان التوازنات الاقليمية تتبدل وتتغير في هذه الفترة ويُرسَم لتوازن جديد فيه لاعبون جدد ما يفتح الباب امام مرحله جديدة ستنعكس توازناتها على دول المنطقة والقوى الفاعلة فيها. ومن الواضح ما يتعرض له “السنة” في سوريا والعراق من عمليه “ترانسفير” سياسي وعرقي اضافة لما يحدث من عدم استقرار في الدول الاخرى من العالم العربي، لن يكون لبنان بمنأى عنه.

“عند تغيير الدول احفظ رأسك” هذه المقولة الشهيرة التي لم يأخذ بها سمير جعجع في العام 1994 وقرر المواجهة او الرفض.

اليوم يقف الرئيس سعد الحريري امام مفترق طرق.

الطريق الأول هو البحث عن تسوية تحفظ “للسنَّة” موقعهم في النظام السياسي كما فعل حتى الان منذ استشهاد والده.

الطريق الثاني أن يختار “درب الجلجلة”، وله شروطه الخاصة، ومنها مثلا انه لا يستطيع العبور بدون مساندة “جمهوره”، فسمير جعجع وهو قابع في سجون وزارة الدفاع كان طلاب القوات يعذبون في الغرف المجاوره له !

في الخيار الاول يستلزم آليه لتسويق واخراج التسوية تستهدف بيئته الحاضنة و جمهوره. و في الخيار الثاني ايضا يحتاج لهذا الجمهور ان يواجه معه و من يتحمل تبعات هذا القرار الذي سيكون مكلفاً، ولنا في ما يحصل مع سنة المنطقة نموذجاً.

ان الدروس التاريخية للطوائف اللبنانية في التعامل مع التوازنات الاقليمية و تأثيرها على التركيبة الداخلية فيها “ثابت” وحيد، هو انه لم يتمكن أحد من الغاء الآخر، وأن اي اتفاق هو نتيجة توازنات القوى. فهل ممكن ان تعقد تسويه قبل ان تستقر رحى الصراع الاقليمي على توازن واضح؟

و”المتغير” هو دور الطوائف المرتبط بالتوازنات الاقليمية. وتقول صالونات النخب “الميثاقيه” أن الوقت الآن “للتضامن” مع سعد الحريري مهما كانت خياراته، فهو الضامن الوحيد لدور “السنة” المعتدلين الميثاقيين في النظام و الضامن لعدم انحراف البلد الى “العرقنة” او “السورنة”،  والا فنحن امام اسئله جوهرية يبنى على الاجابة شكل المرحلة المقبل وهي:

من البديل عن سعد الحريري؟ من البديل عن ضامن المناصفة؟ من البديل عن أهل الدولة؟ من البديل عن الاعتدال؟ من البديل عن البناء والاعمار؟

اقرأ أيضاً: سوريا المفيدة: صراع شيعي – علوي تحت الرماد

لا يظنن احد ان الحريق لن يصل “داره”، فسعد الحريري ضرورة لبقاء لبنان الذي نعرف، والا فنحن ذاهبون الى تغير كل الدروب، وستضيع معالم لبنان الذي نعرف.

السابق
«أمل وحزب الله» ضرورة التنسيق والعمل المشترك لإنجاح إحياء ذكرى عاشوراء
التالي
هل الإنقسام بين السنّة والشيعة هو سياسي أم فقهي؟