القطيعة السنيّة – الشيعيّة مع كل عام هجريّ جديد؟

كيف يختلف السنة والشيعة على امر ثانوي ليس من عقائد الاسلام ؟ وكيف ينقسمون سياسيا منذ البدايات لدرجة التناحر والتنابذ؟ وكيف لمفهوم العدالة ان يكون ساحة خلاف سياسي؟

يشترك المسلمون السنّة والمسلمون الشيعة في الكثير من العقائد والمفاهيم والأحكام وهذا ليس بالامر الغريب او المستهجن. لماذا؟ أولا لأنهما مذهبان لدين واحد، وليسا دينين مختلفين عن بعضهما البعض كما هي حال الأديان السماوية الثلاث او الأديان الأرضية الأخرى.

اقرأ أيضاً: أهل السنة : نحن لا عاشوراء لنا … وهذا ما نقوله عن يزيد !

فهم يشتركون في الإيمان بالتوحيد والنبوة والمعاد والعدل، ويتفقون أيضا على الحج والصيام والصلاة والعبادات جميعها، ويختلفون في الإمامة التي هي ذات بعد سياسي بوجه من الأوجه.

ورغم كثرة عناصر الإتفاق بين الفريقين بنسبة 99% الا انهما لم يتفقا تاريخيّا – إلا على مضض – خلال شيوع وانتشار الأفكار القوميّة وسيطرتها في المحيط العربي. فالفكرة القومية جعلت الوحدة أمرا ممكنا أكثر من الدين والمعتقد الواحد، وذلك لأسباب عديدة، منها ان من تولّى نشر الأفكار القوميّة لم يكن ممن يهتم بالحديث الديني المتوارث من أيام سقيفة بني ساعدة، وحروب الإخوة الأعداء بدءا من موقعة الجمل وهي معركة وقعت عام (36 هـ) بين جيش علي بن أبي طالب وجيش طلحة والزبير، بالإضافة إلى عائشة زوجة النبي محمد الى معركة صفين (37 هـ) بين الامام علي ومعاوية، الى حرب النهروان (38هـ) بين الامام علي والخوارج، وهي كلها معارك جرت في التاريخ الإسلامي المبكر جدا بعيد وفاة النبي والصراع على الخلافة.

هذه المعارك المبكرة تثبت ان الخلاف الإسلامي لم يكن خلافا عقائديا على الإطلاق، بل هو محض سياسي، وما يثبت هذا الأمر هو خفوت الأصوات الرافضة للفتنة في أوقات محددة وزمن محدد كعصر الأفكار القومية واليسارية، وإعادة إحيائها في زمن المد الديني والتطرف حيث يتم نبش قبور الأحاديث الخلافية ومواقف لمراجع ومفكرين ومعممين تناسب كل مرحلة.

فلكل معركة أدواتها وسلاحها، ولكل صراع ساحاته، ومن هنا نرى التزّمت والتشدد لدى الشيعة آخذ بالحفر عميقا حتى لدى من لم يكونوا يوما متعصبين، وذلك ردا على التطرف السنيّ المدعوم بالعنف في دول المحيط والذي يتمظهر في تفجيرات أماكن العبادة للشيعة في دول الخليج وفي الصراع الدائر بين السعودية وإيران فكل منها تدعي حصرية تمثيلها للإسلام في العالم وتنطقان باسم المذهب، علما أنه تاريخيا يعتبر امتدادا للصراع الصفوي- العثماني، ان لم ننسى الصراع الأموي العباسي، وهلم جرا.. الى الوراء در.

عاشوراء

ولمناسبة اقتراب عاشوراء، والتي هي ذكرى لمعركة غير متكافئة أشبه بمجزرة بين أفراد مدنيين(الامام الحسين واصحابه واهل بيته) وجيش جرّار (بأمرة الخليفة يزيد بن معاوية)، والتي جرت عام 61هـ، وهي معركة معروفة النهاية، ولكنها تهدف الى الإضاءة على جريمة الخليفة الحاكم الظالم. ولكن المفارقة المؤسفة هو ان هذه الذكرى السنوية التي يقيمها الشيعة كل عام تفرّق المسلمين وتقسمهم بدلا من أن توحدهم، مع العلم انه في العالم الاسلامي اليوم فرقتان، الأولى سنيّة وهي كتلة كبيرة، والثانية شيعيّة وهم أقلية.

وانقسم المسلمون بشكل رسمي هنا، ولازال الخلاف يجتر نفسه رغم محاولات العديد من العلماء الوحدويين الطويلة الإضاءة على الأهداف السامية لعاشوراء، لكن السياسة خربت الأمر وحوّلته الى صراع على السلطة، ولا زلنا الى اليوم نفترق عند بداية عاشوراء التي يفهمها السنّة على انها عيد يحتفلون به ويصومونه وخاصة في بلاد المغرب العربي، مقابل حزن الشيعة وبكائتهم -المبالغ فيها- تفجعا حيث لا يرون في معركة عاشوراء إلا النحيب والبكاء والحزن.

في حين ان الإمام الحسين خرج على الحاكم الظالم ليقول للناس أجمعين لا تركنوا للحكام الظالمين ولو كنتم أقلية، فالعبرة هي بالسعي الى الحرية والعدالة وليس بالنحيب والحزن وليس بالعدد والعديد.

اقرأ أيضاً: المغالاة في ذكرى عاشوراء.. على عكس وصاياها

عاشوراء هي عنصر سياسي من عناصر التفرقة بين السنّة والشيعة، وهو ليس بجديد رغم كل نقاط التقارب والإلتقاء والإتفاق.. فكيف يمكننا ان نعود الى أصول الدين الإسلامي الأساسية بدل السعي وراء الفرقة في كل عام هجري جديد؟

السابق
نصرالله يتحدث عن «عناد» الحريري امام قراء العزاء
التالي
صواريخ مضادة للطائرات قادمة الى المعارضة السورية