عاشوراء(2): من وظّف الذكرى كما فعل اليهود بالهولوكوست؟

عاشوراء
ومن هذه الحادثة التاريخية أو الجريمة الأولى أي معركة كربلاء إستقت السلفيةُ الشيعية الأصولية، منظومتها القيمية التي تشطر العالم والمسلمين الى فئتين أو محورين: محور الحق والخير والعدل والشرعية، الذي يمثله الحسين وجماعته أي الشيعة، ومحور الباطل والشر والظلم وإغتصاب السلطة، الذي يمثله معاوية وجماعته أي السُنّة.

عبر ” أسطرةِ ” الحدث التاريخي ، وتخصيب صراعات ونزاعات الماضي السحيق، قامت الأيديولوجيةُ الشيعية بتفريغ التصرف الانساني من معناه الحقيقي، وبتوظيف القصص والموروث الديني وأقوال الأئمة وأفعالهم – ولاسيما الإمام عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين – كي يصبح العنف الذي ينتهجه أصحابُها، “مشروعاً” ومبرّراً ومقبولاً به اجتماعياً وعقائدياً، يهدف الى السيطرة على العنف “غير الشرعي” الذي يمارسه الدخلاءُ والأعداء، بل وكي يصبح الفعل العنيف (المقاومة، الثورة، الدفاع عن المقدسات، العدوان، القتل والغزو للدفاع عن سلطة طاغيةٍ ومستبد … ) ضرورياً وواجباً والملاذ الأخير بغية القضاء على الظلم الذي يتسبب به “الآخر” المختلف ( التكفيري، الداعشيً، الوهّابي، العلماني، القومي، العميل، غير الوطني، غير المنخرط في مشروعنا السياسي …) الذي يجب أن تُنزع عنه كل شرعيةٍ وكل قيمةٍ، وأن تتقبّل وتتسامح “جماعتنا” مع أفعال العنف والإقصاء والإلغاء التي تُمارس ضده .

إقرأ أيضاً: ذكرى عاشوراء (1): مناسبةُ لتغذية خطابِ الحقد والعنف والتعصّب والفتنة !

pic2ولذلك فقد إندمج هذا “الآخر” في منظومة الإعتقاد لدى هذه الجماعة، وأصبح وجوده “ضرورةً ” لتشريع وتبرير بقاء المؤسسات الدينية والأخلاقية والحزبية والسياسية، ولمنع تغييرها أو رفضها أو الإعتراض على ممارساتها أو الثورة عليها. وبهذه الطريقة، أصبح جوهر النظام الثقافي والعقائدي قائماً على الإيمان بأن القتل والقمع والظلم الذي تعرّض له أفرادٌ في مجتمع معين، في زمنٍ معين، هو الذي إستدعى البحث عن طرقٍ للسيطرة ولرفع العنف والمظلومية، من أجل “تحاشي وقوع عنفٍ أعظم” أو “إحقاق الحق والعدالة والحرية” أو “إسترجاع السلطة التي تمّ إغتصابها” أو من أجل إنهاء الصراع بين الخير والشرّ، العدل والظلم، ولاية الحسين وولاية يزيد، حكومة الفقهاء وحكومة الطغاة….

 

وتحت تأثير الشحن المذهبي، وإستعادة ثنائياتٍ دينية عتيقة ومنتهية الصلاحية: عليّ ومعاوية، الحسين ويزيد؛ وتحت راياتٍ كربلائية تحريضية وتجييشية: لبيك يا حسين، لبيكِ يا زينب، لن تُسبى زينب مرتين، تدفقّت الميليشياتُ والفصائل الشيعية من لبنان والعراق وايران، الى سوريا لتقاوم وتجاهد، ولكن ليس في سبيل الله، أو لكي تواجه وتتصدّى للظلم، بل في سبيل الحفاظ على نظامٍ ظالم وديكتاتوري، ورئيسٍ مجرم وقاتل، وهو ما يؤكد أن الأيديولوجية السياسية الشيعية التي تستغلّ إحياء ذكرى عاشوراء الحزينة – والتي يتخللها الكثير من المشاهد المروّعة لحالات التطبير واللطم والتعنيف الجسدي والحزن والبكاء والعويل – لا تناصر الحق والعدل والمظلومين، ولا تحارب الشرّ والظلم والظالمين، لأنها في الحقيقة، ليست أكثر من ظمأ أبديّ وسرمديّ الى السلطة والغزو والتوسع والسيطرة والإخضاع، يتستر بعباءة الدين والمقدّس ومحبة “الحسين” الذي قتله “يزيد” مرةً واحدةً في الماضي، ويقتله أصحابُ “ولاية الفقيه” مائة مرة في اليوم؛ والذي أصبحت ذكرى مقتله، “ضرورةً وجوديةً” كي يستمر أصحابُ تلك الأيديولوجية في مواقعهم ومناصبهم، و “ذريعةً ” دينية وأخلاقية، كي يستمروا في تغذية خطاب الحقد والعنف والتعصَب والفتنة، و “أسطورةً ” يجددون من خلال روايتها وإحيائها والإحتفال بها، شرعيةَ نظامهم المتهالك والمهدد بالإنهيار .

عاشوراء

إقرأ أيضاً: هذا ما يبقى بعد مراسم عاشوراء

فإلى أيّ حدٍ يمكننا الحديث عن تماثلٍ وتشابه وتقارب بين العقل الذي استثمر ووظّف واستغلّ مأساة الحسين – حفيد رسول الله، الذي هو نبيّ كل المسلمين – والعقل الذي استثمر ووظَف واستغلّ الهولوكوست اليهودي، كي يغزو ويحتل ويهجَر ويقتل ويبطش ويمارس أقصى أنواع التعصَب والعنف على الفلسطنيين ؟!

إقرأ أيضاً: حماية المقامات؟ ماذا عن المسجد الأقصى؟

السابق
روسيا تقضم أصابع إيران وحزب الله…
التالي
ديما صادق حامل بالشهر الخامس!