اللقاء اليتيم مع ابن عمي حسين الذي قضى في سوريا

في زيارتي لـشقرا، مسقط رأسي، منذ حوالي ثلاثة أعوام كنت في طريقي إلى المنزل عندما توقف “فان” رمادي اللون بجانبي وسألني السائق الشاب: خليني وصلك على البيت. قلت له: أشكرك، البيت كما ترى لا يبعد أكثر من “فشختين” فأصر وصعدت إلى مقعد المسافرين. قال لي: هل عرفتني؟ تلا ذلك تعريف صلة القرابة بالشاب ذي العينين الزرقاوين كسماء واعدة بالمطر. إنه إبن العم، جيل ثاني في أواخر العقد الثاني من العمر ، حسين محمد عبد الحسن علي بن جدنا الكبير أحمد زين الخطيب. تذكرت القرابة والجيرة والأرض وبعض سوالف الأقارب والأباعد. سألته ماذا تعمل يا حسين؟ أجاب: والله يا ابن العم أعمل في البستنة، أنكش وأشذب وأرتب حدائق الميسورين الغائبين عن الوطن أو الذين لا وقت عندهم للعناية بالأرض ولتوي عائد من عمل في كذا بلدة (لا أذكر إسمها). قلت له: عملك جميل بذاته ولأنه يتفق مع هوايتي في الزراعة خارج تراب الوطن، أنا أيضاً أحب الزراعة وكم تمنيت أن تكون الأرض والزراعة بعضا من أعمالي في وطني وليس هوايتي في الغربة. قال: سأعطيك بذورا كي تزرعها في حديقتك في ديار الغربة.
توقف “الفان” عند مدخل بيتنا وخرج حسين بحيوية الشباب متجها نحو بيت ذويه الذي لا يبعد إلا أمتارا قليلة. بقيت في مقعد المسافر أنتظره. نظرت إلى خلفية الفان وراء مقعدي فرأيت عدة البستنة ملقاة على الأرضية عشوائيا – معول ورفش ومشط ومنكوش.

إقرأ ايضًا: حزب الله ينعى مقاتلاً له من بلدة شقرا الجنوبية
عاد مبتسما وأعطاني كيسا صغيرا فيه بذور ملوخية وأفاض في وصف صنفها: شتلتها قصيرة لكن ورقها كبير كثيف وعميق الإخضرار.
افترقنا على أمل لقاء آخر، قريبا، في زياراتي القادمة. كان حسين الشاب الوحيد الذي التقيته ولم يسألني عن فرص وسبل الهجرة من الوطن إلى ديار العالم الواسعة.

إقرأ ايضًا: ما الذي تكشفه إحصاءات قتلى حزب الله بسوريا؟
تلقيت خبر مقتله في الحرب السورية بالأمس، لم أبكِ وحبست حزني عميقا لأني تذكرت ذلك اللقاء الجميل معه ورحت أفتش عن رموزه، وجدتها في كل سطر وكلمة من روايتي أعلاه، إنه اللقاء الذي سيظل يتيما في روزنامة الزمن. تمنيت لو كان حسين تمكن من أن تكون له جنينة معطاء في وطنه، ينكشها ويزرعها ويتمتع بثمرها وجمالها بدل الحاجة لترتيب حدائق الآخرين.
حزني أعمق من التراب الذي جبلنا منه معا والذي سيضم زرقة عينيه إلى الأبد. لن أنساك ولن تكون وحيدا يا حسين.

السابق
بري ردا على جعجع: سبق الفضل وبدعائك تبخر الحوار
التالي
مسابقة غوغل الجديدة: 200 ألف دولار لمن يخترق هاتفيها