لا حرب في لبنان… إنّما الأسوأ

انفجرت حرب لبنان عام 1975 رغم أنّ لبنان كان يشهداً نمواً اقتصادياً وتقدماً على مستوى التعليم واتساعاً للطبقة الوسطى. لا شّك أنّ عوامل الخلل الداخلي كانت حاضرة ومؤثرة لكن العامل الخارجي كان حاسماً في هذه الحرب، اليوم حال الدولة أسوء دستورياً واقتصادياً وسياسياً لكن الحرب لن تنفجر! ثمّة ما هو أسوء يجتاح لبنان منذ سنوات ولا يزال.

شكّلت الحرب الأهلية اللبنانية التي انطلقت شرارتها في العام 1975 مفصلاً نوعياً في تاريخ لبنان الحديث، فهذه الحرب التي تداخلت فيها عوامل محلية لها علاقة بطبيعة النظام السياسي الطائفي، وأخرى إقليمية شكّل الوجود الفلسطيني المسلح عنوان الخلاف والإنقسام بين اللبنانيين. ولم يكن انفجار هذه الحرب تعبيراً عن تدهور اقتصادي –اجتماعي، ولا نتيجة أوضاع اقتصادية متردية، أو انعكاساً لسياسات تنموية كانت معتمدة، هي إذا ما قيست في سياسات الحاضر تبقى متقدمة بدرجات كبيرة عن السياسات الغائبة والمغيبة اليوم لصالح الفوضى.

الحرب انفجرت قبل 41 عاماً رغم أنّ مؤشرات التنمية الإجتماعية والإقتصادية كانت إلى تقدم في النمو، قطاع التعليم كان يشهد نهضة بدأت قبل عقدين من الزمن ولاسيما في عقد الستينيات، حيث كان تأسيس الجامعة اللبنانية، وانتشار المدرسة الرسمية في مختلف الأرياف اللبنانية فضلاً عن المدن والبلدات في كل لبنان. وترافق ذلك مع تقدم الحياة الحزبية التي ترافقت مع نهضة ثقافية وفكرية يمكن القول أنّها كانت الأغنى في الحياة الفكرية والثقافية والأكثر حيوية، فيما كانت الصحافة اللبنانية في قمّة حضورها وتأثيرها عشية الحرب الأهلية.

ليس غاية ما سبق القول أنّ لبنان عشية الحرب كان جنّة عدالة اقتصادية أو مالية، بل لا بدّ من القول أنّ رغم السياسات التنموية بقي التفاوت حادّاً لكن لم يمنع ذلك من نشوء طبقة وسطى اتسعت وكانت إلى مزيد من الاتساع. طموحات الطبقة العمالية ومحدودي الدخل كانت الصعود في سلم الارتقاء على مستوى الدخل والضمانات الاجتماعية وحماية المكتسبات. الإختلال الاقتصادي ربما كان له دور في هذه الحرب لكن الحرب انفجرت لأسباب أكثر تأثيراً من البعد الاقتصادي الاجتماعي، وهي بالضرورة أسباب إقليمية ودولية استندت إلى عناصر داخلية سياسية واجتماعية.

صور من الحرب الأهلية
صور من الحرب الأهلية

يحيلنا هذا إلى واقع لبنان اليوم، للقول إلى أنّ اللبنانيين اليوم يعيشون حالة من التسليم بل الإستسلام لسلطة لايمكن مقارنتها بالسلطة التي كانت تحكم لبنان عشية الحرب، فمهما قيل عن تلك السلطة عشية الحرب وعن المارونية السياسية التي حكمت لبنان، ومهما استعيدت كل أوصاف الإقطاع السياسي، إلاّ أنّها بالتأكيد كانت سلطة أكثر التزاماً بالدستور، وأكثر احتراماً للقانون، وأشدّ التصاقاً بقواعد الدولة وأكثر حياءً في تقاسم الحصص وفي ارتكاب الفساد.
سلطة اليوم لا حياء لديها تجاه سرقة المال العام، ولا دستور يُحترم في سياساتها ولا قوانين يجري الالتزام بها، وإذا ألقينا نظرة سريعة على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، لوجدنا أنّ حالة الاستنزاف والتراجع في المؤشرات الإقتصادية والمالية مستمرة منذ سنوات، والبطالة تزداد، واستفزاز المواطن لا يتوقف عبر صفقات النفايات والمشاعات واستسهال السطو من قبل هذه السلطة على المال العام كما هو حال قرارات مجلس الوزراء التي تقتصر على ما هو نافع لمنظومة المحاصصة بالدرجة الأولى.

إقرأ أيضاً: في ذكراها: الحرب الأهلية قائمة بعونه تعالى

اللبنانيون يستسلمون لهذا الواقع كلما زادت السلطة في فسادها واستهتارها بالدولة، بل يزداد خنوع اللبناني عموماً لخطاب السلطة وسلوك اقطابها. ربما هو شعور لديهم بالعجز عن مواجهة مافيا السلطة التي باتت تدرك في المقابل أنّ إفقار المواطنين وإهانة كرامتهم الوطنية، وتضييق سبل العيش أمامهم يجعلهم أكثر طواعية لأطراف السلطة. مشهد النفايات الذي تراكم خلال الأسبوعين الماضيين بشكل مستفز في شوارع ضواحي بيروت الشمالية، وأمام الأبنية وتحت شرفات المنازل، كان مشهداً مريعاً ليس من التلوث البيئي الذي ينشره بل من حجم التلوث الذي أصاب إرادة اللبناني في أن يرفض وأن ينتفض وأن يحتج ويهدد.

إقرأ أيضاً: في نقد الحرب الأهلية.. على الدولة

الاستسلام يزداد والخنوع أيضاً وهذا يغري أصحاب السلطة بمزيد من تطويع الناس وما تبقى من الدولة لصالحهم.
في العام 1975 انفجرت الحرب الأهلية بشروط خارجية، اليوم اسرائيل لا تريد حرباً في لبنان والعرب منهكون بأزماتهم والحروب التي تحاصرهم، فيما حزب الله وإيران يريدان لبنان قاعدة انطلاق مستقرة أمنياً في سبيل الحرب خارج حدود لبنان باستثناء الحرب مع اسرائيل طبعاً. كل ذلك يجعل من اللبنانيين مجرد كائنات مسلوبة الإرادة، مستسلمة لمصيرها تسلي النفس بأمل أن تنال نظرة الرضا من الزعيم والقائد، وأن يشفق عليها ببعض الفتات ممّا كسب من مال حلال أو حرام. اطمئنوا الحرب لن تنفجر في لبنان، ما تستهدفه الحرب تحقق في لبنان الموت السياسي والوطني سمة الدولة والمجتمع.. وحالنا ينطبق عليه قول المتنبي:

…مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيــــلامُ

السابق
تحريض على جعجع: الخطاب الأخطر
التالي
عبوة الكسارة ضد أمل… تحذيرية أم إرهابية؟