سقطات الإعلام اللبناني…تعلم الصواب وإعمل الخطأ!

مقدمات نشرات الاخبار التلفزيونية المسائية
الأخبار تشبه النهر المتدفق الذي لا يجف أبدا. فيوميا آلاف الأحداث تقع حول العالم، فتنتج عنها تقارير إخبارية في ملايين وسائل الاعلام المتنوعة. وفي ظل تخمة الأخبار التي تصل إلى مؤسسات الإعلام، ظهرت في هذا المجال عدة قوانين كانت تستحدث وفق الظروف.

فعلى سبيل المثال نجد قوانين جاءت لتضع أطر لكيفية تصوير التقرير التلفزيوني، واخرى وضعت لكيفية إنتقاء المعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي، التي يمكن ان لا يتمتع أغلبها بالمصداقية، أو قانون يحدد ما هي معايير إختيار الصورة الصحفية وغيرها من القوانين المختلفة.

وكان أحد تلك القوانين، هو قانون يحمي خصوصية الأشخاص الذين يقابلهم الصحفي. بحيث يمنع مثل هذا القانون الصحفي مثلا من نشر إسم مصدر أعطاه معلومة خطيرة، أو من تصوير قتلى الإنفجارات أو الكوارث الطبيعية وصولا إلى حق الشخص في تغطية وجهه أو تصويره بشكل لا يظهر وجهه أساسا على الكاميرا مثلا وخصوصا الأطفال لأن قوانين الإعلام وحقوق الإنسان تمنع تصويرهم على إعتبار أن ذلك يعد إنتهاكا للطفولة. مع العلم أن القوانين تلك لا تستثني الناس من جميع الأعمار بل تكفل حقوقهم جميعا في هذا الإطار.

وبما الناس العاديين ليسوا خبراءا في عالم الإعلام وقوانينه، فالتالي لا بد من الصحفي- الذي درس في الجامعة ووسع معرفته عبر الدورات التدريبية لاحقا- أن يكون مسؤولا أمام نفسه والجمهور من خلال إحترام الإخلاق الإعلامية تلك التي يفترض أنه يتمتع بها.

وفي دليل واضح على إحترام حقوق الإنسان من قبل المؤسسات الاعلامية، تبرز المدرستين الفرنسية والأمريكية في هذا الخصوص، على سبيل المثال لا حصر. ففي فرنسا، نجد أنه خلال اللحظات الأولى لأحداث باريس ولتلك في نيس لم تتحرك أي وسيلة إعلامية بشكل غير مدروس إلى موقع الحادث. بل تم إحترام خصوصية الضحايا والجرحى وإعطاء معلومات عامة عن موضوع الحادثتين بدون تحليلات من المراسلين. وعلى الجانب الأمريكي نجد أنه خلال أحداث الحادي عشر من ايلول من العام 2001 لم يتم تصوير أي جثة، وإن تم تصوير أحد الجرحى فإن ذلك حصل بشكل سريع جدا إذ أن لا يمكن ضبط حركة الناس أمام الكاميرا في ظل الهرج والمرج. والأمثلة تطول.

أما على الجهة اللبنانية فإننا سنجد الفظائع!

إذ مجرد وقوع إنفجار أو حادثة ما تتقاتل وسائل الإعلام في ما بينها على من يمكنه الوصول مباشرة إلى موقع الحادث للحصول على مقابلة من الجريح وهو ينزف دما أو داخل عربة الإسعاف. ذلك بالإضافة إلى إيقاف الكاميرا عند الجثث بشكل متعمد بدون إحترام حرمة الميت.

فمن لا يذكر الطفل حيدر الذي نجا من إنفجار بير العبد بعد ان فقد والديه، بحيث أن بعض وسائل الإعلام هرعت إلى المستشفى لتصوره وهو على السرير ولتجري مقابلة معه من عيار “شو حسيت وقت مات أهلك وأنت ما تزال على قيد الحياة؟”. هذا عدا عن نشر أسماء القتلى والجرحى بدون شفقة وإلصاق التهم بأشخاص بريئين. ما يوضح مدى فقدان الأخلاق الإعلامية.

وبالأمس أضيف إلى سجل الإعلام اللبناني نقطة سوداء جديدة وهذه المرة عبر مراسل “الأم.تي.في” حسين خريس، بحيث أجرى تقريرا مصورا عن العمالة في الشوارع اللبنانية. إذ يبدأ التقارير بصور لطفل يبيع الحلويات على جانب الطريق في إحدى المناطق اللبنانية.

صور الطفل تظهر عامة في بداية التقرير بحيث لا يمكن للمتابع أن يحدد ملامح الطفل بشكل واضح. وقد يجد البعض أن هذا الأمر لا مشكلة فيه على إعتبار أن وجهه الطفل لا يظهر تماما على الصورة. لكن في متابعة الثواني القليلة المقبلة تأتي الصدمة، بحيث أن المراسل خريس يتوجه مباشرة إلى الطفل وينحني إليه ليصل إلى مستواه ويطلب من المصور وضع الكاميرا بطريق تظهر وجه الطفل بشكل واضح جدا، ويبدأ بطرح أسئلة عليه بدون أخذ إذن الطفل على إعتبار أن الطفل لا يعلم أن خريس سينشر صوره على التلفاز. ما يشكل إنتهاكا واضحا لقوانين الإعلامية ولحقوق الطفل.

تحقيق ام تي في

لكن مهلا ماذا عن تقنية تمويه الوجه “ blurring”التي يمكن تغطية وجه الطفل من خلالها عبر برامج المونتاج ما يمنع ظهور وجهه للعلن؟!

التقنية فعلا كانت حاضرة وقد تم إضافتها لكن ليس على وجه الطفل، بل على علبة الحلويات بهدف تغطية اسم المنتج! طبعا فتجنب الإعلان عن منتج ما أفضل من تجنب إظهار الطفل. فالأولى تكلف القناة إعلانا مجانيا هي في غنى عنه.

ليست المسألة تقرير حسين خريس وحده، فمع أن هذا الخطأ ليس مبررا ويدل على فقدان جزء من المهنية في تقرير ليس سياسيا مثلا (ما قد يبرر عدم مهنية التقرير أحيانا)، إلا أنه في الإعلام يوجد مئات من المراسل حسين خريس الذي يسرحون ويمرحون بدون الإلتزام بالقوانين التي تحدده ا المهنية.

بحيث بات ينطبق على عالم الإعلام مقولة: تعلم الصواب وإعمل الخطأ.

 

 

السابق
تركيا تصدر قانوناً يسمح للمحجبات الإنخراط بالشرطة
التالي
مصرع 15 مدنيا جراء سقوط برميلين متفجرين على حلب