المنظمات الإنسانية في سوريا وتجارة الدماء..

علينا أن نعترف الآن بأنَّ ما حدث في الأمس واليوم ويحدث كل يوم لاعلاقة له بمفاهيم الإنسانية والإخاء ومساعدة الأخر لا من قريب ولا من بعيد،ربما كان خطأً صغيراً وتجاوزاً فردياً بسيطاً لا يحتاج كل هذا النقد والشجب كما رجح له الكثيرين من الحريصين على السمعة الوطنية ،ففي سوريا بقيت الإنسانية تصارع قوانين الغاب المشؤومة في ظل المستجدات من القضايا التي لا تغيب ولا تنتهي،مقارعة الأخطاء الكبيرة والمفصلية واعتبار العمل الطوعي والإغاثي موضة لا طائل منه وغير منبعث للغازات السامة أمرٌ معتاد ومبرر ،فالتبرير سيد المواقف وإن تعددت أشكاله .

المنظمات والجمعيات الإنسانية والخيرية في سوريا ودول الجوار والمعنية بشؤون اللاجئين لم تسلم من عمليات الرشوة والتسلط والعنصرية ،وباتت نسخة من مؤسسات النظام السوري وإن كانت تعتبر الأخيرة نفسها محايدة من الصراع السوري وترفع وتبرز شعار المجتمع المدني وتعتبر مساعدة اللاجئين بجميع طوائفه ومكوناته من أهم أولوياته ،لكن الواقع يقول العكس ويبرز الحقائق ،إذ أن نسبة كبيرة من هذه المنظمات مرتبطة بأطراف معينة وتعمل حسب أهواء وسياسات الطرف الداعم لها ،وباتت الأيدولوجيات السياسية فكرة لن تمحى من برنامج أي منظمة تقوم الآن أو مستقبلاً .

الحقيقة الموجعة تكمن في هذا الكم الهائل من المنظمات سواء الإغاثية منها أو الدعم النفسي التي لا تستطيع أن تؤمن الرعاية والمساعدة للكثيرين ممن هم بأمس الحاجة لها ،لتستلم المهمة الإعلام برحابة صدر وتتصدرها أغلفة الجرائد والصحف : طفلٌ سوري يموت من الجوع ، شاب بتر ذراعه جراء قذيفة ينتحر في مخيم بتركيا ،امرأة سورية تمارس العهر في لبنان ،أطفال سوريون يتسولون في الأردن.

لا يمكننا إلقاء كل اللوم على عاتق المنظمات وخاصة العاملة منها في الداخل السوري ،إذ أنها تتعرض للكثير من المضايقات ولا تستطيع كوادرها الوصول إلى العديد من المناطق ومرور المساعدات إليها بسبب طبيعة العلاقة بين المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام والمناطق التي تسيطر عليها الكتائب المعارضة،وعدم سماح الجهة المسيطرة على أحد المناطق للمنظمات بتقديم المساعدة والإغاثة وتمطيل أعمالها في الكثير من الأحيان ،ومجاعة مدينة مضايا خير مثال على ذلك ،إذ أنَّ قوات النظام منعت المساعدات من المرور إليها وحاصرت المدينة طوال شهور ،مما لاقى العشرات من السكان حتفهم مرضاً وجوعاً ،كذلك الأمر بالنسبة لبلدتي “الفوعة وكفريا” في ريف إدلب التي حاصرتها كتائب المعارضة .

إقرأ أيضاً: حزب الله إذ يضيع في سوريا

الطبيعة المتطفلة والمتاجرون بمثل هذه القضايا وجدوا الفرصة مواتية لأن يؤسسوا لأنفسهم منظمات تدعي الإنسانية ،فهناك بعض الأطراف والمنظمات الدولية التي تدعم مثل هذه الخطوات وتمول الأطراف بالمال شريطة أن تلتزم بالقوانين المتفقة بينهم ،لكن سرعان ما تبادر هذه الأطراف بالتحايل على القوانين المنصوصة وتخترقها ،الطريف في الأمر أيضاً تسمية هذه المنظمات لنفسها بأسماء مثالية للفت الانتباه والدعاية ،ويشكل الإعلام في هذه الخطوة داعماً رئيسياً لهذه المنظمات بسبب دوره وتأثيره الكبير على المجتمع واعتماده سياسة التطبيل والتزمير ،لكن في الحقيقة إذا تابعت عمل هذه المنظمات عن قرب والسياسة والأيديولوجيا التي يتبعونها ،لتأكدت بأنهم كالمسدسات الخلبية تماماً أصوات وأصداء مرتفعة بلا أفعال وتأثير على الواقع .

الأطفال واليتامى ومعطوبو الحرب هم الأولى بالمساعدة والرعاية فهم يحتاجون لكافة أشكال الدعم وخاصةً النفسي منه ،لكن ليس مستغرباً أن تجد مجموعة من الصور لكوادر أحد المنظمات وهي تسلم أكياس من الرز والبرغل لليتامى والمعطوبين مبتسمين ورافعين إشارات النصر ومتباهين بهذه الخطوات المباركة ،حدث معي قبل فترة حينما شاهدت جمعية خيرية نشرت مجموعة صور لها مع طلاب يتامى ،انتقدت عملهم لأسمع بعد فترة بأنهم شتموني ولم يعجبهم تصرفي الأحمق .

إقرأ أيضاً: أوقفوا المجازر الروسية.. أطفال سوريا ليسوا للموت

ربما لا نعي الأن ولا نكترث لمثل هذه التجاوزات الصغيرة والبسيطة في نظر الكثيرين أمام ألة القتل اليومي وبراميل الموت المجاني ،لكن الأمر الذي لا بد من الوقوف عليه هو تكاثر هذه المنظمات المتاجرة بالدم السوري والمؤدلجة التي لن تجلب سوى العار لشعبٍ يعانى كل أشكال الظلم والمأساة طوال خمس سنين وأكثر ،ففي الحروب والنزاعات ، المنظمات والجمعيات الإنسانية هي الوحيدة التي يجب أن تحافظ على خصوصيتها وعملها وأن لا تحايد عن أهدافها الإنسانية السامية في مساعدة الآخرين.

السابق
حزب الله والدولة: يريد الحكم بلا مسؤولية… وشريكاً مستحيلاً
التالي
نوال بري لمنتقديها من الإعلاميين: مش حتكبروا إذا صغرتوا فيي