نصر إلهي ؟…إسمح لنا يا سماحة السيد!

في تحليله لمجريات حرب تموز 2006 ونتائجها، لفت نظري قول حسن نصرالله في مقابلته بالأمس 19 تموز 2016 مع قناة المنار التابعة لحزب الله : “ليس من تفسير لما حصل، فقط انه وعد من الله للمجاهدين والمحتسبين والصابرين، هذا نصر الهي ولا تفسير اخر لما يجري”. لفت هذا القول نظري لأنه ذكرني وللمرة الألف بالعقلية اللاهوتية لنصرالله والأخطار الناتجة عنها عمليا، كما ذكرتني بقصة أصحاب الفيل القرآنية وغزوة بدر.

من ناحية نظرية لحسن نصرالله، كما لأي إنسان، الحق في أن يفسر التاريخ والواقع وأن يؤمن بما يريد. أنا أحترم حق الإنسان في عقيدته ولكن ذلك لا يمنعنا من مناقشة مضمون ما يؤمن به. مناقشة كهذه حق بل وواجب على كل إنسان عاقل، خاصة إذا كان يترتب على مضمون تلك العقيدة نتائج خطيرة على المجتمع والجنس البشري.

إدعاء النصر الإلهي ليس جديدا في التاريخ، فقد سبق للقادة العسكريين والملوك ورؤساء القبائل البدائية، والأمبراطريات الوثنية منها والدينية التوجه لآلهتهم على اختلاف أنواعها طلبا للمساعة في الحرب وادعاء النصر الإلهي بعد الحرب.

هناك مثلا قصة أصحاب الفيل في القرآن التي تقول: ” ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول” (سورة الفيل- قرآن). أصحاب الفيل هنا هم جيش أبرهة الحبشي الذي قيل أنه قدم إلى مكة بقصد هدم الكعبة فبادر الله لحماية “بيته” بإرسال طائرت ذلك الزمن الغابر وصواريخها “طيور أبابيل وحجارة من سجيل”! لإيقاع هزيمة ساحقة بأبرهة ومن كان معه.

كما أن القرآن يذكرنا بما فعل رب المسلمين بالمشركين في غزوة بدر التي عدّت نصرا إلهيا أيضا.

وقعت غزوة بدر في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة التي يقال أن عدد المسلمين فيها كان ثلاثمائة وبضعة عشر ليس فيهم إلا فارس واحد مع قلة في أدوات الحرب والقتال، وكان عدد المشركين أكثر من ألف مقاتل، معهم العدة للحرب بدرجة كافية، وفيهم مائة فارس على خيولهم، ولما رأى محمد هذا التفاوت الواضح بين قوة المسلمين وقوة أعدائهم رفع يديه إلى السماء مستغيثًا ربه، طالبًا نصره الذي وعده إياه، وما يزال يدعو ويستغيث حتى وقع رداؤه من فوق كتفيه فاحتضنه أبو بكر، وقال له: إن الله منجز وعده لك يا نبي الله، ويقال أن الله أنزل قوله في سورة الأنفال “إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين” فما كان من الله إلا أن أرسل ملائكة من السماء للقتال مع محمد وجيشه كما ينسب إلى الله قوله في سورة آل عمران: ” ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين . بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين”.

كان ذلك قبل حوالي 1400 عاما ونيف، ومن الطبيعي أن يسأل المرء هل رفع حسن نصرالله يديه أيضا إلى السماء في تموز 2006 طلبا للمساعدة الإلهية وهل قاتلت الملائكة أيضا في تلك الحرب، وأن نتساءل أيضاً من الذي طلب من الله إرسال “الطير الأبابيل” في قصة هجوم أبرهة على الكعبة، هل هم المشركون عبدة أصنام مكة، وكيف يمكن التوفيق بين نصرة الله للمشركين في تلك القصة ونصرته لأتباع محمد المؤمنين ضد المشركين عبدة الأصنام في موقعة بدر.

من حقنا أيضا أن نتساءل ككائنات عاقلة كيف يمكن التوفيق بين زعم النصر الإلهي في تموز 2006 وقول حسن نصر الله فيما بعد، في وجه الخراب والدمار الذي خلفته تلك الحرب: «لو كنت أدري»؟ التي عبّرت عن حقيقة شعور حسن نصرالله بخسائر 2006 التي سماها نصراً إلهياً.

أعود هنا إلى ما بدأت قوله أعلاه عن التداعيات الخطيرة لهذا الضرب من الفكر الديني، سواءا في التربية أو في التفسير اللاهوتي للتاريخ والحروب ونتائجها، أو أن تذهب إلى حوزة دينية وتتدرب على التفسير اللاهوتي للأمور، وأن تعود إلى وطن وأرض وشعب له تاريخه الفكري الحر وحضارته الخاصة به وتقحم تفسيرك الغيبي للأمور شيء آخر.

إسمح لنا يا سماحة السيد!

السابق
اللاجئون السوريون في عرسال عرضة للتنكيل والتعتيم الإعلامي
التالي
عبوة ناسفة تبلغ 5 كلغ أمام منزل رئيس بلدية عرسال