قراءة في مستقبل الشرق الأوسط الجديد بين دول لامركزية، إتحادات فدرالية أو كونفدرالية

دخلت المنطقة عامها الأول بعد المئة عام على توقيع إتفاقية تقسيم الحدود (سايكس-بيكو) من بابٍ ضيِّق ينبئ بأنَّ تقسيمًا أكبر سيكون سيِّد الموقف في حال لم يحدث أي تغيير دراماتيكي حقيقي في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة.

مئة عام كانت كفيلة بخلق تغيير جيو-سياسي كبير في المنطقة التي تتمتع بأوسع وأكبر قدرات ذاتية تسمح لها بأن تعيش في ما بينها لو أرادت خلق الإرادة عندها. هذه الإرادة هي الإنطلاقة الحقيقية نحو البدء بالتفتيش عن الحلول العملية لتحضير المنطقة لدخول معترك الصراع الوجودي الذي بات يهدد كياناتها المشتتة.
شهدت المئة عام الماضية على تغييرات واضحة أرست تحكيم الأمر الواقع في مختلف دُوَل الشرق الأوسط، في وقتٍ كانت الثورة الصناعية والتكنولوجية تتجه نحو الصعود تدريجيًا، خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية وبروز العولمة كمؤشر أولي للإنفتاح الكبير الذي أرسى قواعد عالمية جديدة تظهر نتائجها اليوم في الشرق الأوسط بشكلٍ خاص. هل كان هدف العولمة فقط الإنفتاح على الآخر؟ أم أنها كانت تهدف إلى أبعد من ذلك، وهنا أعني إرساء نظام عالمي تسوده العدالة الإجتماعية وتجسيد حقوق الإنسان في هذه القرية الصغيرة؟ وأين مستقبل الشرق الأوسط الجديد من ذلك؟
في الوقت الذي تغرق فيه المنطقة بالدماء، تتنوع الحلول التي تُبحث في أروقة مراكز القرار العالمية عن الأنظمة المستقبلية في الشرق الأوسط ومدى إمكانية نجاحها في وقتٍ تتفاقم الأزمة كل يوم وتزداد العوامل المؤثرة على أشكال الحلول المطروحة والتي تتوزع بين: دُوَل لامركزية، دُوَل فدرالية أو إتحادات كونفدرالية.
الدُوَل اللامركزية:
في التعريف، تتأتي اللامركزية من باب إنشاء إدارات محلية منتخبة في مساحات جغرافية محددة وعلى مستويات مختلفة، تتمتع بمهام إنمائية بهدف تعزيز الإنماء المحلي وتفعيله في المناطق معتمدة على موارد مالية مباشرة وغير مباشرة تضمن ديمومتها، وتخضع هذه الإدارات المحلية للرقابة من الحكومة المركزية ولا تتمتع بأي سلطة دستورية تخولها التشريع خارج نطاق الإنماء المحلي. تعتبر اللامركزية الموسعة حلًا جديًا في أروقة القرار وقد جاهر بها ممثلين عن الخارجية الأميريكية في الشرق الأوسط كحل لإعادة بناء الدولة في العراق وسوريا، كما تعمل عدد من الدُول النامية على إرساءها كتونس والمغرب.

إقرأ أيضاً: الشرق الأوسط في عهد«أوباما»: موسكو تستأسد وواشنطن تواجه الإرهاب بنظّارات إيرانية
إنَّ التوجه إلى إختيار اللامركزية لهذه الدول بالرغم من شدة الصراع يأتي من منطلق القناعة التي أرستها المئة عام الماضية في نفوس المواطنين والتي تتمثل برابط الإيمان بالوطن الواحد عند القسم الأكبر من سكان هذه الدُوَل، فالسوري مثلًا وبغض النظر عن طائفته يعتبر نفسه سوري الكيان والهوية، وكذلك الأمر عند الشعب العراقي واللبناني والفلسطيني والأردني.
الدُوَل الفدرالية:
في التعريف، تتميز الفدرالية عن اللامركزية بأنها تعتمد ما يُسمى ب”اللامركزية السياسية” والتي تنقلها إلى نظام سياسي جديد لهذه الدُوَل، تسمح للإدارات المحلية “الولايات أو الأقاليم” بإصدار تشريعات خاصة تتناسب والتوجه الثقافي للسكان. يجاهر القسم الأكبر من المحللين السياسيين بأنَّ الفدرالية هي مستقبل هذه الدُوَل وأنَّ تطبيقها آتٍ لا محالة معتمدين على تفاقم الصراعات الطائفية في المنطقة كحجة أساسية، دون الأخذ بالحسبان الأبعاد الجيو-سياسية التي قد تمنع قيام هذه الفدراليات كالتوزيع الديموغرافي، وموارد الأقاليم الغير متوازنة وكذلك الصراع الإقليمي الذي تشهده المنطقة.

سايكس بيكو
يُعتبر تطبيق الفدرالية في الشرق الأوسط حلًا من الحلول المطروحة عند المحلليين السياسيين وبعض من يجدون بالطرح الفدرالي سبيلًا للخلاص من مقت الصراع الطائفي، لكنها تبقى خطر من الأخطار المحدقة على مستقبل هذه الدُوَل في المدى المتوسط والبعيد والتي نخشى بأن يتحول دافع الفدرالية (التقسيم الطائفي) إلى نقطة إنطلاق نحو خلق كيانات طائفية جديدة تكون عبارة عن دُوَل طائفية تتطابق وما أوردته صحيفة القوات الأميريكية في عددها الصادر في أول حزيران من العام ٢٠٠٦ في مقال للكولونيل رالف بيتر، الذي أصدر الخريطة أدناه والتي تظهر حدود دُوَل الشرق الأوسط الجديد.

إقرأ أيضاً:تقرير يحرق لبنان والشرق الأوسط!

الكيانات المستقلة (الكونفدرالية الشرق أوسطية):
في التعريف، يُشكل تلاقي مجموعة من الدُوَل ضمن كيان واحد وحَول ضوابط موحدة مشتركة إتحادًا يُسمى “إتحاد كونفدرالي”. تحافظ كل دولة على إستقلاليتها التامة وجميع مقومات قيامها وديمومتها، في وقتٍ تلتقي دول الإتحاد في ما بينها حول نقاط مشتركة كاللغة، العملة، التجارة والإقتصاد، النقل وغيرها من نقاط التعاون بين الدُوَل. يشكل عامل التفاهم بين الدوَل المشاركة في أي إتحاد كونفدرالي ركيزة أساسية من ركائز نجاحه، بالتالي إنَّ إمكانية قيام أي إتحاد كونفدرالي في الشرق الأوسط مرهون بشكل النظام السياسي الذي سيُتبع في هذه الدُوَل، ومدى إمكانية وجود نقاط تلاقي بينهم.
سيشكل قيام فدراليات مقسمة طائفيًا في الشرق الأوسط إلى توسيع التباين بين مكونات دول كل دولة في ما بينها وكذلك بين دُوَل المنطقة الأمر الذي سيمنع إمكانية تشكيل أي إتحاد كونفدرالي، لذلك يبقى مصطلح “الإتحاد الكونفدرالي” مُستبعد اليوم في حال طُبِقت الفدرالية في دُوَل النزاع. أما في حال إعتماد مبدأ بناء دُوَل لامركزية في سوريا والعراق ولبنان ومحيطهم العربي والأوسطي، قد تتمكن هذه الدول التلاقي حول قيام إتحاد كونفدرالي شرق أوسطي-عربي، يتمتع بمزايا جيو-سياسية مهمة جدًا فهي تلتقي في ما بينها باللغة والحدود الجغرافية، التكامل الإقتصادي والتجاري وغيرها.
جميع التعريفات المذكورة في المقال هي من توصيفي الخاص وغير مرتبطة بأي مرجع.

السابق
ما هي أبعاد استبعاد أسعد حردان عن رئاسة «القومي السوري»؟
التالي
تركيا.. ملاحظات أساسية حول المحاولة الانقلابية الفاشلة