عن موقف اميركا «الملتبس» من الإنقلاب العسكري في تركيا

إن تاريخ تركيا إعتاد الإنقلابات العسكرية، وبسبب عضويتها في حلف الناتو، فقد سببت تلك الانقلابات سوء تفاهيم مع العالم الحر بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص.

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قادراً على تجنب الإنقلاب العسكري وعدم خوض غمار فشله المكلف. وقد اتى الخلاف بين إسلاميَّ تركيا بمثابة حجة لإقدام جزء من الجيش التركي على القيام بالإنقلاب العسكري الاخير.

روج الكثيرون كلاماً حول ضلوع أميركا في التركيبة السرية للإنقلاب من أجل محاسبة أردوغان. ولكن محاسبته على ماذا؟ وما حاجة اميركا في أن تكون شريكاً بإنقلاب عسكري مع الجيش ضد السلطة الشرعبة المنتخبة في تركيا؟

برأي الكاتب والمحلل السياسي سعد محيو أنه «منذ إندلاع الحرب السورية وأميركا تعاني من مشكلة مع سياسة أردوغان في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها لا تعاني من حساسية تجاه تركيا. فمع صعود نجم الإخوان المسلمين منحت الولايات المتحدة مباركتها لهم، أكان في تونس ومصر والمغرب ام في تركيا، شرط إلتزامهم بالنهج الديمقراطي الذي لا يتعارض مع الإسلام».

ولكن التقارير الصادرة حول الوضع الداخلي في تركيا كانت تنبيء بحصول ما هو مخالف، تحدث بعضها عن تضييق الخناق على الحريات الشخصية وتعقب جماعة حزب العدالة والتنمية لشاربي الكحول لأنهم يمارسون سلوكا محرما في الديانة الإسلامية، كما ورفضت الحكومة التركية سن قانون يسمح للمرأة بالإجهاض.

وتعرض الامن التركي في الفترة الاخيرة للحريات الصحافية عبر إعتقال عشرات الصحافيين بتهم تهديد أمن الدولة، وزادت الخناق حول الجمعيات التي تطالب بالإعتراف بحقوق المثليين جنسياً. وبعدما قام أردوغان بوصف بعض الاكراد بالإرهابيين والمخربين شن عليهم حربه مستخدماً مصطلحات «الأمن والإستقرار» على حساب «الحرية».

وعلى اثر الإنقلاب الفاشل الاخير الذي حدث قبل ايام،أقدمت القوات الأمنية في تركيا على إعتقال وصرف ما يقارب 9000 شخص من مختلف القطاعات الرسمية التابعة للدولة التركية. أكثر من 2750 قاضٍ طردوا واحيل عدد منهم للعدالة للتحقيق معهم بتهمة ضلوعهم في مؤامرة الإنقلاب.

إقرأ أيضاً: السلطة والجيش في تركيا: درس اردوغان

سعد محيو

ويكشف محيو لجنوبية ان: أغلب القضاة تابعون للمنشق الاسلامي الموجود في اميركا فتح الله غولن وهذه الإعتقالات تبرز الشرخ الحقيقي الحاصل بين الأحزاب الإسلامية التركية، وإذا ما استمرت السلطات التركية على هذا المنهج بالتصدي لجماعة غولن فإن تركيا تستشرف حرب «فاترة» بين الإسلاميين.

ضعفت إتهامات تركيا بعد طلب وزير خارجية أميركا من الأتراك تقديم أدلة عن ضلوع فتح الله غولن بالإنقلاب.

ويضيف محيو، «لم تخطط ادارة أوباما للإنقلاب التركي ولكنها كانت ستكون أمامه لو نجح. ومما لا شك فيه أن الحدث نشر كمية إزعاج كبيرة وتوتر هائل داخل تركيا،
ورغم فشله، اعاد الخلافات التركية إلى الضوء كالنزاع «الغولني – الأردوغاني» من جهة ومناوشات الفكر العلماني ضد الفكر الإسلامي من جهة اخرى، وأعاد تنشيط معركة الجيش ضد المناطق الكردية. وضع تركيا لا يبشر بالخير بعد انفجار أزماتها».

وبرأي خبراء، فقد خدع أردوغان أغلب الأتراك. فقد كان يطالب بعلمنة الإسلام لا أسلمة العلمانية كما يحصل اليوم. ومنذ فترة ما قبل الإنقلاب والإتفاقات المبرمة بين القوى السياسية التركية تتعرض للتصدع.

إقرأ أيضاً: تركيا: لماذا فشل انقلاب 2016؟

ما يعانيه أردوغان اليوم هو بسبب صراع مستجد حول هوية الدولة التي يقول خصومه انه يحاول اسلمة علمانيتها. وعليه النظر جيداً إلى أوكرانيا. فهو يدرك القواعد الأساسية التي تربط الدول القوية بالدول الضعيفة، فعندما تتعرض الدولة إلى الكثير من الضربات الأمنية والأزمات داخلية تصير وجبة في فم من هم أقوى منها وتربطهم مصالح إستراتيجية ببعضهم. ومن هنا إعتبر سعد محيو «أن التسويات العالمية تأتي على شكل مائدة طعام، ويبدو أن تركيا لن تكون ضيفة على مائدة التسويات بل ستكون صحن وجبة طعام فيها».

السابق
كيف وصلت ديون بلدية سحمر الى 532 مليون ليرة في عهد حزب الله‏؟
التالي
نديم قطيش : أجندة إيرانية مدسوسة!